إذا كانت نحو 7 علامات تجارية قرّرت تجميد عملها آنياً في لبنان، فهذا لا يعني أن كل العلامات التجارية غادرت البلاد. فالتي أقفلت ابوابها في لبنان جمّدت عملها. وإعادة تواجد تلك العلامات وقف على تشكيل الحكومة وعودة الثقة واستقرار سعر صرف الدولار… هذا الأمر إن دلّ على شيء فعلى حجم التغييرات التي تشهدها أسواق بيع التجزئة منذ أشهر.
تراجع الإستهلاك في لبنان بنسبة تفوق الـ 70%، ما دفع المستثمرين وأصحاب العلامات التجارية والتي يبلغ عددها نحو 1500 علامة محلية وخارجية، الى إعادة النظر في جدوى المشاريع التي يديرونها في لبنان. لذلك نرى هذا المتجر هنا يجمّد عمله وآخر يقفله نهائياً هناك، فيما آخرون يلملون عدد فروعهم المنتشرة في أكثر من منطقة أو سوق ويحصرونها في فرعين او ثلاثة، تماماً كما تفعل المصارف وذلك بهدف الحدّ من النفقات والخسائر والتمكّن من البقاء لأطول فترة ممكنة، علّ وعسى مشهدية التهاوي تتفرمل وتستقرّ الأمور ويعود السياسيون الى رشدهم فيدركون خطورة الوضع الذي نعيشه والذي يتفاقم. مشهدية الإقفالات تلك التي تكرّ سبحتها، تبعد عنّا الصورة الحضارية والإنفتاحية التي كان يتغنى بها لبنان وكانت مصدر فخر واعتزاز، ولو كانت موقتة، ستترك فراغاً في السوق. لكن هل من الممكن أن يشكّل ذلك حافزاً لتعزيز الصناعة المحليّة؟
رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل أكّد لـ”نداء الوطن” أن “الصناعيين لطالما رحبوا بازدهار لبنان وتواجد الماركات العالمية. فهم لم يفكّروا يوماً في أن يأخذوا مكان تلك الماركات، إلا أنهم كانوا يعارضون الإستيراد الإغراقي الذي كان يحصل والمنافسة غير المتكافئة”. فـ”الإستيراد يعتبر عاملاً مكمّلاً ويعطي صورة جيّدة عن لبنان طالما أننا بلد التنوع”، يضيف، معتبراً أن “الصناعة اللبنانية تتمتع بالجودة، ولطالما ناشدنا بتخفيف الأكلاف عنا لتحفيز الإنتاج المحلي. أما اليوم ها هو لبنان يدفع ثمن المنظومة الكاملة ففقد الشباب فرص العمل ونزلوا الى الشارع بغض النظر عن الموضوع السياسي”. ويؤكّد أن “الصناعة الوطنية قادرة اليوم على تطوير إنتاجيتها وإبراز طاقاتها بقطاعات عديدة، وبجودة عالية، ومواكبة متطلبات الأسواق، والدليل على ذلك الكمامات التي تم تصنيعها بسرعة كبيرة بعيد انتشار كورونا ونفادها من الأسواق، وحتى أنها استطاعت صناعة اجهزة تنفس وهذا فخر للبنان”. لافتاً الى أنه “لطالما قلنا إن الصناعة اللبنانية هي مشروع نجاح وتخلق فرص عمل، والدليل على ذلك وصول الإنتاج الى دول العالم”. وبالعودة الى الآفاق التي ستفتح مع التغيّرات التي تشهدها الأسواق، يعتبر الجميّل “أننا اليوم نمرّ بظرف اقتصادي سيشهد فرص عمل أكبر للشباب اللبناني، مع توسّع الإنتاج المحلّي لأنه لا ينقصنا شيء، مذكّراً بما أورده صندوق النقد الدولي عن تميّز الصادرات الصناعية اللبنانية بالتنوّع في منتوجاتها”.
تنشيط الصناعة
“نعم التغيّرات التي تشهدها الأسواق، وخروج علامات تجارية يجب أن تشكّل فرصة للصناعة اللبنانية للإنطلاق، عندها ستنشط بالتوازي معها القطاعات الأخرى، لا سيما التجارة وقطاع المصارف والتأمين والنقل والمحروقات…”، يوضح الجميّل، باعتبار أن “قلّة من الصناعيين تبيع الزبائن مباشرة، وإنما تتمّ العملية عبر تجار، حتى أن شراء المواد الأولية من الخارج يتمّ عبر تجار، آملاً أن تلعب الصناعة دورها في قطاعات عدة وهذا تحدّ كبير أمامها”.
هذا الأمر أكّده رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي ورئيس “الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز” السابق شارل عربيد لـ”نداء الوطن”، مشدداً على ضرورة عودة الثقة الى البلاد وتشكيل حكومة واستقرار سعر صرف الدولار واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي…”، عندها الصناعة اللبنانية ستحلّق بقوة. وحول انسحاب العلامات التجارية من الأسواق المحليّة، خالف عربيد استخدام كلمة خروج العلامات التجارية من البلاد، مؤكّداً أن “تلك العلامات التي توقفت هي 7، وقد تكون جمّدت عملها في لبنان ولم تخرج نهائياً من السوق بانتظار بلورة الأوضاع”. مشدداً على أن “المشغّلين للعلامات الموجودة في لبنان هم من اللبنانيين فأخذوا قراراً بالإقفال أو تجميد عملهم أو إقفال فروع لهم، مع المحافظة على تواجدهم في السوق، وذلك آنياً لحين تحسّن الحركة الإستهلاكية والأوضاع في البلاد”. ويعتبر أن “تراجع الحركة الإستهلاكية بنسبة 70% من إجمالي الناتج المحلي جعل أصحاب المؤسسات ومن خلال جدوى العمل التجاري، يتحولون اليوم نحو توظيف الإمكانيات التي لديهم في مكان أو بلد آخر يدرّ عليهم مردوداً أكبر من ذلك الذي يحصلون عليه في لبنان. أما اذا “تحسّنت الأوضاع في لبنان وشهدنا إنطلاقة إقتصادية نتيجة تشكيل حكومة جديدة بعد خروجنا من الحجر فإن الصورة ستتحسّن”.
تحوّلات في السوق
وفي ما يتعلق بتداعيات خروج العلامات التجارية على الأسواق المحلية، رأى عربيد أن “من شأنها أن ترسي تحوّلات في سوق بيع التجزئة، باعتبار أنها فرصة لإبراز الصناعة الوطنية إمكانياتها طبعاً بعد استحصالها على الرعاية والدعم بعد تشكيل الحكومة… لتحصّن نفسها وتستطيع استيراد المواد الأولية”. وذكّر بمعاناة الصناعة الوطنية خلال السنوات العشر الماضية وخصوصاً الألبسة “التي تشكّل الجزء الأكبر من تجارة التجزئة، فسجلت تراجعات بسبب عدم وجود منافسة في الأسواق المفتوحة، اذ كانت المنافسة لصالح العلامات المستوردة”. مشيراً الى “أننا اليوم على مفترق قلب المعادلة، فندعم الصناعات والعلامات التجارية ونساعدها في بناء القدرات ونعطيها حوافز في نقاط البيع والمجمعات التجارية، من خلال تضافر الجهود من الجميع لتقوية العلامات التجارية وقد تظهر علامات جديدة، هكذا نشهد تحوّلاً وتغييراً في الإستهلاك والعرض”. خلاصة الأمر أن الصناعة المحليّة قادرة على تحقيق إنجازات بشكل مستدام، لكنها تحتاج الى تحفيزات للتمكن من الإستمرار على المدى الطويل وتأمين الأمن الإقتصادي، الأمر الصعب في وضعنا هذا ويحتاج الى الوقت. هذه هي الرؤية البعيدة الأمد التي تحتاج الى توافق سياسي وثقة واستعادة القطاع المصرفي عمله الطبيعي ليؤمن بدوره السحوبات والتسليفات فتنطلق الأعمال مجدداً، هل من يسمع؟. “فلا اقتصاد اذا لم يكن هناك استقرار سياسي، ولا حلول إجتماعية اذا لم تكن هناك حلول إقتصادية”، كما ختم عربيد.