تعرف الحراسة القضائية قانوناً بأنها التدبير الاحترازي القضائي الذي يأمر بإيداع شيء متنازع عليه بين يدي الغير (المسمّى حارساً)، على أن يكون هذا الحارس ملزماً بالحفاظ عليه طيلة مدّة إجراءات الدعوى، وبإعادته عند انتهاء النزاع الى الشخص الذي يحكم له به من قبل القضاء.
تكون للحارس القضائي إمكانية إدارة الشيء إذا كان بطبيعته قابلاً لذلك، ويمكنه أيضاً التصرف به إذا فرضت المصلحة ذلك فيسمّى عند ذلك بالحارس-المدير للإشارة الى سلطته بالإدارة العامة للشيء.
انطلاقاً من هذا التعريف، فإن خضوع المصرف المركزي للحراسة القضائية يبدو صعباً من الناحية القانونية وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن المصرف المركزي هو شخص معنوي وليس شيئاً بالمعنى القانوني، أي إنه يمكن أن يخضع لتدابير الإدارة القضائية المؤقتة لكن لا يمكن أن يكون عرضة للحراسة القضائية بمعناها الوارد أعلاه.
ثانياً: إن المصرف المركزي هو من أشخاص القانون العام، وليس من المتعارف عليه أن توضع الأملاك العامة تحت الحراسة القضائية لأن المال العام تعود ملكيته للدولة ولها وحدها في إطار سيادتها المطلقة أن تتصرف بهذه الأموال. بالإضافة الى أن حق الضمان العام الذي تعطيه الدولة لدائنيها هو ضمان غير محدّد بسقف، ولا يؤثر برأيي على هذا التحليل كون المصرف المالي يتمتّع بالاستقلال المالي.
ثالثاً: إن انتهاء ولاية الحاكم لا يعني أبداً أن المصرف المركزي قد أصبح «موضوع نزاع»، ذلك أن الإشكالية تبقى منحصرة في تعيين الحاكم الجديد وليس في المصرف المركزي بذاته كشخص معنوي. فالمصرف المركزي مستقلّ تماماً عن شخصية حاكمه وما يصيب الحاكم من عدم أهلية لا يطال أبداً أهلية المصرف المركزي.
رابعاً: بل أكثر من ذلك، فإن من يطلب تطبيق الحراسة القضائية على المصرف المركزي عليه أن يبيّن أن له المصلحة والصفة لطلب ذلك ولا تعود هذه الصفة والمصلحة إلا الى الدولة بمؤسّساتها السياسية. فمن الأولى أن تقوم الدولة بتعيين حاكم جديد بدل أن تلجأ الى القضاء لتعيين حارس قضائي ويكون خلاف ذلك مستغرباً.
خامساً: إن تطبيق الحراسة القضائية على المصرف المركزي وبغض النظر عن الاعتبارات القانونية المشار إليها أعلاه، يبدو صعباً من الناحية التقنية. فكيف يمكن لقاضٍ أن يعيّن حارساً قضائياً مع صلاحيات حاكم مصرف مركزي وما هي الاعتبارات التي سيأخذها في الاعتبار لهذا التعيين؟ ثم كيف يمكن للقاضي أن يراقب مدى صحة تنفيذ الحارس مهمته الإدارية وهل تعود فعلاً هذه الرقابة الى القاضي أيضاً؟
إنها مجموعة من الأسئلة القانونية وغير القانونية المطروحة للنقاش من الباب الواسع.