هل تسبب البنك المركزي الأوروبي بزيادة الفوارق؟

يواجه البنك المركزي الأوروبي، منقذ منطقة اليورو في زمن الأزمات المالية في السنوات الأخيرة، اتهامات بزيادة حدة الفوارق من خلال سياسته شديدة التساهل ما يطرح تساؤلات حول حقيقة هذه الشكوك.

وتقوم المؤسسة المالية الأوروبية التي تترأسها كريستين لاغارد ومن قبلها ماريو دراغي، منذ 2015، بشراء ديون دول وشركات تفوق قيمتها مليارات اليورو في الأسواق المالية، لتفادي زيادة نسب الفوائد على القروض في منطقة اليورو ومنع قيام أزمات جديدة، وفق سياسة تعرف بـ”التيسير الكميّ”.

وتترافق هذه السياسية التي توصف بأنها “غير تقليدية” ويتّبعها أيضا الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الياباني، مع أدوات تقليدية أكثر، مثل خفض معدلات الفائدة الرئيسية التي هي اليوم بمستوى الصفر في المئة.

وقد يعزز البنك المركزي الأوروبي الأدوات التي في متناوله خلال اجتماع يعقده الخميس. ولكن هذه التحركات تطرح مخاوف من أن تزداد الهوة بين الأثرياء والفقراء.

وتقول جيزابيل كوبي سوبيران، الأستاذة في جامعة باريس الأولى، إن “شراء الأصول يميل بالأحرى وبشكل تلقائي إلى زيادة الفوارق بين الأكثر ثراء والأكثر تواضعا”.

وبشرائه ديونا من المؤسسات المالية في السوق الثانوية التي يجري فيها تداول السندات، فإن البنك لمركزي الأوروبي دفع في اتجاه تدني نسب الفوائد على هذه المنتجات.

ويدفع ذلك المستثمرين إلى البحث عن مردود من خلال سندات أكثر مجازفة، ولاسيما الأسهم، ما يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار يستفيد منه حملة السندات، وبينهم شركات استثمار كبرى وأسر غنية.

وسجلت نسب الفوائد انخفاضا كبيرا منذ بدء اتباع سياسة التيسير الكميّ، إلى أن أصبحت في بعض الأحيان سلبية كما في ألمانيا أو فرنسا، فيما حقق مؤشر “كاك 40”، المؤشر الرئيسي في بورصة باريس، ومؤشر داكس في بورصة فرانكفورت ارتفاعا بأكثر من 30 في المئة خلال خمس سنوات، ما درّ عائدات طائلة على المساهمين وكبار المستثمرين.

وهذا ما أكده الخبير الإستراتيجي لدى شركة “بيكتيت ويلث ماناجمنت” فريديريك دوكروزيه، قائلا “من المؤكّد أن ذلك أثرى هذه الطبقة من الناس”.

أما في السوق العقارية، فإن سياسة الفوائد المتدنية أتاحت للعائلات الميسورة زيادة أملاكها، وأدى ارتفاع الطلب إلى زيادة الأسعار في بعض المدن الكبرى.

وأقر رئيس قسم الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لاين، في مقابلة أجرتها معه مؤخرا مجلة ليزيكو، بأن هذه السياسة “لديها انعكاس مباشر على أسعار الأصول”، مضيفا أن “تقدير قيمة الأسهم أو العقارات أعلى، وهو ما صب بالتأكيد في مصلحة الذين يملكون هذه الأصول”.

أما بالنسبة إلى الأسر المتواضعة، فلم تشأ المؤسسة التي تتخذ مقرا في فرانكفورت، التعليق ردا على سؤال في هذا الصدد.

لكن باحثَين في البنك المركزي الأوروبي أكدا في وثيقة في يناير 2019 أن التيسير الكميّ ساهم في خفض نسب البطالة لدى شريحة الـ20 في المئة الأكثر فقرا في أربع دول هي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، وفي زيادة مداخيل العمل.

ولم يكن الأثرياء وحدهم الذين استفادوا من التيسير الكمي، بل أكد الباحثان أن هذه السياسة، مقترنة بمعدلات فائدة متدنية إلى مستويات تاريخية في السوق العقارية، أتاحت وصول العائلات الأكثر تواضعا إلى الملكية، ما حدّ بشكل طفيف من التباين في الثروات.

ولفتت عدة منشورات صادرة عن المؤسسة المالية حول هذه المسألة، إلى تراجع التباين في الثروات بفعل السياسة النقدية، لكنها حذرت من أن هذا التصحيح طفيف، ملقية الكرة في ملعب الحكومات التي تحدد السياسة المالية.

غير أن حجة تراجع البطالة بفضل البنك المركزي الأوروبي لا تقنع جيزابيل كوبي سوبيران، التي تعتبر أن الإحصاءات المقارَنة بين منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي لا تظهر فارقا كبيرا يمكن نسبه إلى السياسة النقدية.

وفي خضم ذلك، تتزايد التساؤلات حول ما إذا تم سلب أموال المدّخرين، ويقر البنك المركزي الأوروبي بتأثير سلبي على عائلات المدخرين التي شهدت تراجع عائدات مدّخراتها.

وقال مدير الأبحاث في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة، إريك دور، إن هذه السياسة لها تأثير “توزيعي وتطال بشكل متباين الأسر المقترضة والأسر المقرضة”.

واشتدت الانتقادات لهذه السياسة بصورة خاصة في ألمانيا، حيث نشرت صحيفة “بيلد” في 2019 صورة مركبة تصف ماريو دراغي على شكل شخصية دراكولا، يمتص مدّخرات المتقاعدين “حتى القطرة الأخيرة”.

إلا أن خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي أكدوا في دراسة في يوليو 2018، أن هذا التأثير السلبي على صعيد منطقة اليورو له انعكاس إيجابي على الوظائف والأجور.

وأوضح إريك دور “بتوفير دعم قوي لعائدات العمل وخصوصا لدى الفئة الأكثر هشاشة من المواطنين، فإن ذلك عوض بشكل وافٍ عن الخسائر الإجمالية التي تكبدتها بعض الأسر بالفعل بسبب صافي الدخل من الفوائد”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالمغرب يتطلع إلى استراتيجية تنمية جديدة لدفع الاقتصاد
المقالة القادمة“سوسيتيه جنرال” يقرر إغلاق 600 فرع في فرنسا