هل تكون التحاويل المالية أولى تداعيات وضع لبنان على اللائحة الرمادية؟

وكأنّه لا يكفي لبنان كلّ ما يمرّ به من ظروف صعبة نتيجة الحرب الإسرائيلية التي تشنّ عليه ليضاف الى هذا كلّه همّ جديد قد يؤدّي الى مزيد من الإنحدار والتدهور في الأوضاع الإقتصادية والمالية في البلاد، فقد قامت مجموعة العمل المالي FATF بتخفيض تصنيف لبنان لتضعه على القائمة الرماديّة.

هذا التخفيض حتماً سيكون له تداعيات كبيرة ولو أن مجموعة العمل منحت لبنان حتى العام 2026 عوضاً عن 2025 ليقوم بالإصلاحات المطلوبة لناحية مكافحة الارهاب وغسل الاموال إضافة الى إستقلاليّة القضاء… فما هي اللائحة الرمادية؟ وما هو تأثير هذا التصنيف على الوضع في لبنان؟.

يتركز عمل مجموعة العمل المالي على حماية النظام المالي العالمي ومكافحة جرائم تبييض الأموال، مكافحة الإرهاب وتمويل التسليح، وتعتبر FATF أن الدول لديها إجراءات تطبقها لتكون متعاونة مع النظام المالي العالمي، وعندما توضع أي دولة من الدول على اللائحة الرمادية، فهذا يأتي نتيجة إخفاق في تطبيق المعايير الدولية. هنا تشرح الخبيرة في الشؤون المصرفية والمالية الاستاذة الجامعية سابين الكيك الى أن “لبنان منذ العام 2022 وهو يفشل في التصنيف والقيام بالاصلاحات، وفي كلّ مرة كان يُعطى الفرصة، واليوم تم تصنيفه على اللائحة الرمادية أي في قائمة الدول غير المتعاونة في هذا المجال”.

وتشير الكيك الى أنه “ومع تخفيض التصنيف إنقلب الوضع، وعوضاً عن أن تقوم مجموعة العمل بإثبات أننا غير متعاونين، بات على لبنان أن يثبت في كل مرة أنه متعاون، ونحتاج الى بذل الكثير من الجهد للخروج من اللائحة الرمادية، وعليه القيام بعدة إجراءات على المستوى العام، إذ يفترض أن تتدخل السلطة التشريعية بشكل فعّال لتعديل القوانين، كذلك يجب القيام بإجراءات مصرفيّة، أي أن يكون هناك “داتا” معلومات أكبر ويجب وضع بيانات وتفاصيل أدق للشركات“، مشدّدة على أنه “كذلك عند القيام بإجراء مالي عابر للحدود علينا إنتظار كيف ستتعامل البنوك المراسلة، واللافت هنا أنه لن يكون هناك معيار واحد ثابت فكل مصرف سيتعامل بطريقته مع لبنان”.

التأثير

لهذا التخفيض أيضا تأثير ليس فقط على المستوى المالي إنما على المستوى الاقتصادي أيضا. ويشرح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن هذا التخفيض يؤثّر في عدّة إتجاهات أولها في حركة الاستيراد والتصدير“، لافتا الى أنه ” لن يكون بالامكان الاستيراد والتصدير بسهولة وستدقق البنوك اليوم بشكل أكبر في مصدر الاموال لتحويلها الى الخارج للتصدير أو الاستيراد كما أنّ الكلفة على التاجر سترتفع والوقت سيطول في هذا الاطار”.

تشدّد في التحويلات

لا يخفي عجاقة أن وضع لبنان على اللائحة الرماديّة سيؤثّر على حركة تحويل الأموال من والى لبنان وسيتم التشدّد فيها، مضيفاً: “سيشمل التأثير أيضًا الاستثمارات عندما يكون البلد الموضوع على اللائحة الرمادية، ولكن كنا مسبقا قد تأثرنا في ظلّ انهيار القطاع المصرفي والفساد والحرب والتخلّف عن دفع سندات “اليوروبوند”. مشددا على أن “الأمر الجيّد الذي قام به مصرف لبنان هو أنه حافظ على العلاقة مع المصارف المراسلة، إذ ان أي دولة تستورد تحتاج الى وجود مصرف محلّي ومصارف مراسلة، وفتح الاعتمادات لا يزال قائماً ولكن سيكون هناك تشدّد ورقابة اضافية، ويُحكى أن أي إعتماد سيُفتح يحتاج الى موافقة مسبقة من البنك الدولي”.

وفي خضمّ كل ما يحصل تشير مصادر مطّلعة الى أن “الكويت أوقفت تحويل الأموال الى لبنان وهذا حتماً سيكون له تأثير على الشركات وعلى الأفراد وحتى المصارف اللبنانية التي تأخذ العمولات على التحاويل”. وهذا ما أكده عجاقة، لافتا الى أنه “لا يُمكن معرفة سبب إيقاف تلك التحاويل هل يعود الى أنها اتخذت القرار استباقياً قبل اعلان تخفيض التصنيف أم أن السبب هو مرتبط بالحرب، ولا ندري إذا كانت دول أخرى ستحذو حذو الكويت”.

نماذج في العالم

لا يعدّ إدراج أي دولة من الدول على اللائحة السوداء هو مزحة وعندما يحصل ذلك تصبح دولة ثانية هي الوسيطة بين الدولة التي أدرجت على اللائحة السوداء وبين المجتمع الدولي، وهذا ما حصل عندما تم أدراج العراق في آب 2003 على اللائحة السوداء وأصبحت الامارات هي الدولة الوصية عليها. تفادياً لأن يصل لبنان الى هذه النقطة فعلى الدولة اللبنانية أن تقوم بفرض سيطرتها على اقتصاد “الكاش” وأن تضع سقفاً للمعاملات “بالكاش”، أن تقوم بإعادة هيكلة المصارف وأخيرا دفع القضاء بإتجاه أن يقوم بالمحاسبة.

لا شكّ أن ضربة تخفيض التصنيف ووضع لبنان على اللائحة الرمادية هو ضربة كبيرة للإقتصاد اللبناني، فهل تتدارك الدولة اللبنانية الوضع وتقوم بالاصلاحات المطلوبة منعاً لإدارج لبنان على اللائحة السوداء…

مصدرالنشرة - باسكال أبو نادر
المادة السابقةأزمة لأكبر مصنع أشباه موصّلات في العالم بسبب هاتف «هواوي» الجديد