لم يكن ينقص اللبنانيين في ظل الأزمة الإقتصادية القائمة إلا إنتشار فيروس كورونا الذي فرض عليهم البقاء في منازلهم، ليأتي بعدها إرتفاع أسعار الخضار والفواكه بشكل جنوني، من دون أن تذهب الحكومة أو الوزارة المعنيّة إلى أخذ أيّ إجراءات عمليّة تساهم في الحدّ من الأزمة.
في هذا السياق، يذهب الجميع إلى تحميل المسؤولية عن ذلك إلى سعر صرف الدولار، وهو ما كان أكد عليه وزير الزراعة عباس مرتضى في وقت سابق، بعد أن نفى الأسعار المتداولة حول بعض الأصناف، حيث أكد أن سعر كيلو البصل يتراوح بين 1200 و1400 ليرة، داعياً المواطنين إلى الزراعة من أجل تأمين الأمن الغذائي، فهل هذا هو الحل المنطقي، أم أن الوزارة، بالتعاون مع الحكومة، قادرة على القيام بما هو أهم من ذلك؟.
خلال جولة قصيرة في الأسواق، يتبين بداية أن السعر الذي تحدث عنه مرتضى لكيلو البصل غير موجود في المحلات، فهو 3000 ليرة بالنسبة إلى الأحمر و4000 للأبيض، أما بالنسبة إلى بعض الأصناف الأساسية الأخرى فهي على الشكل التالي: كيس البطاطا من النوعية الجيدة 17000 بعد أن كان بحدود 12000، كيلو البندورة 2500، كيلو الخيار كان بالأمس 2000 بعد أن وصل قبل ذلك إلى 4000، كيلو اللوبية 7000 بعد أن وصل قبل ذلك إلى 12000، أما الثوم فهو يتراوح بين 8000 و9000.
في حديث لـ”النشرة”، يشير أمين سر نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة ابراهيم ترشيشي إلى أن الأسعار بالنسبة إلى المستهلك مرتفعة أكثر من أي وقت آخر، ويلفت إلى أنّ بعض الأصناف لا تزال تباع على أساس سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية، مع وجود أصناف أخرى، مستوردة أو تلك التي من الزراعة الجديدة كلفتها مرتفعة جداً”.
ويرى أن “السبب الأول يعود إلى أن جميع المنتجات تأتي من الساحل، وهو ضيّق في لبنان ويتم الزراعة في بيوت بلاستكية، ولكي تنتج بسرعة وتزيد الانتاج بحاجة إلى درجة حرارة مرتفعة، لكن الطقس هذا العام مختلف، كما أن ليس كل المزارعين نجحوا في تأمين البذور والشتول والأدوية الزراعية والأسمدة وتنظيم البيوت البلاستيكية نتيجة إجراءات المصارف، بينما الشركات فرضت الدفع بالدولار بشكل نقدي، وبالتالي فان القسم الكبير من المزارعين لم يتمكنوا من الزراعة”.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح ترشيشي أنه قبل إقفال الحدود السورية والأردنية كان يحصل الإستيراد من الأردن في هذا الوقت من العام، لكن مع عدم توقيع إتفاق تبادل تجاري بين البلدين في هذا المجال أدى إلى خسائر على الجانبين، ويؤكد أن “البضائع المستوردة من الخارج، كالبطاطا والثوم والبصل، تباع على أساس سعر الصرف القائم في السوق، في حين أن بعض المواطنين أقدموا على تموين بعض المنتجات خوفاً من فقدانها من السوق أو إقفال المحلات”، ويشير إلى أنه “خلال فترة الصيام عند المسيحيين يتم التركيز على الخضار، وكذلك الأمر خلال شهر الصيام عند المسلمين، وبالتالي ستبقى بعض الأسعار مرتفعة”.
من جانبه، يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، في حديث لـ”النشرة”، أن السبب الأساسي لارتفاع اسعار بعض المنتوجات هو ارتفاع سعر صرف الدولار، خصوصاً بالنسبة إلى البضائع التي يتم إستيرادها من الخارج، لكن يشير إلى أن سبباً آخرَ أثر أيضاً على الزراعة هو أن المزارعين، والذين كان من المفترض أن يزرعوا أكثر بـ3 أو 4 أضعاف عن العام الماضي، لم يزرعوا أكثر من النصف هذا العام، وعزا ذلك إلى أن المؤسسات التي تؤمن لهم القروض كي يتمكنوا من الزراعة فرضت عليهم الدفع بالدولار وفوراً، في حين هم لا يملكون القدرة على الدفع قبل بيع المحاصيل.
ويوضح برو أن “الجمعيّة طلبت أن تؤمن الحكومة دعماً للزراعة كما فعلت مع الصناعة، ويؤكد أن هذا الأمر لا يتطلب الكثير من الأموال لتأمين حاجات السوق اللبنانية الأساسية، ويشير إلى أن هذه المشكلة لم تكن متوقعة لكنها حصلت بسبب سوء الإدارة وغياب الدولة والحكومة عن هذا القطاع، وجدّد الدعوة إلى تأمين قروض ميسرة للمزارعين.
من ناحية أخرى، يشير ترشيشي إلى أن “مكان عرض البضائع يؤثّر أيضاً، مثلاً سعر البندورة بالجملة اليوم 1500 ليرة وفي بعض المحلاّت تباع بـ4000 وأخرى 3000 وأخرى 2000، وبالتالي السعر يختلف بين منطقة وأخرى، وهذا أمر خاطئ وبالتالي على المواطن البحث عن المحال التي تبيع بالسعر الأفضل”.
على الرغم من هذا الواقع، يكشف ترشيشي أنه “خلال أيام ستعود الأمور إلى طبيعتها بسبب نزول المنتجات اللبنانية إلى الأسواق، لا سيما البطاطا والبندورة والبصل والخيار، وبحد أقصى حتى 15 الشهر، ما سيؤدي إلى إنخفاض الأسعار وتوفر المنتجات”.
في المحصلة، إن إرتفاع الأسعار في الأسواق اللبنانية لا يتوقّف على الخضار والفاكهة، ولذلك يلفت برو إلى أنه بعد تراجع أسعار المحروقات على المستوى العالمي هناك 4 قطاعات من المفترض أن تهتمّ بها الدولة، هي الدواء والحبوب والأجبان والألبان واللحوم، ويؤكد أنها قادرة على القيام بهذا الأمر ولاحقاً تذهب إلى تثبيت الأسعار، ما يؤمّن الأمن الغذائي للبنانيين بإنتظار معالجة الأزمة الإقتصادية وإنتهاء أزمة كورونا.