هل يتحمل خبراء المحاسبة المجازين جزءاً من المسؤولية عن الانهيار المالي والنقدي الذي حصل في لبنان؟ سؤال مشروع كونهم كانوا جزءاً من الصورة المطمئنة لسلامة الوضع النقدي والمصرفي والاقتصادي عموماً، من خلال تقاريرهم التي أصدروها عن صحة البيانات المالية لمصرف لبنان والمصارف والشركات قبل وقوع الازمة ؟ والسؤال الآخر هو ما المانع من أن يكونوا متورطين، طالما أنه اتضح مؤخراً أن هناك أحد خبراء المحاسبة وجهت اليه تهم رشوة وفساد في الملف المعروف بين وزارة الاقتصاد وإحدى شركات التأمين. ما يعني أن بعض هؤلاء المحاسبين يمكن أن يكونوا جزءاً من المنظومة السياسية – المصرفية المتواطئة ، لذلك من المفيد فتح النقاش عن مدى مسؤولية عما جرى ويجري وامكانية محاسبتهم!
بحسب مصدر مطلع، «من المفروض أن تكون هناك مسافة بين المحاسبين وعملائهم بما يمكّنهم من ابداء رأيهم مهنياً، بناء على اعتمادهم لبرنامج عمل التدقيق وفقاً للمعايير الدولية، وأن لا تطغى المصالح المشتركة بينهم وبين العميل أو مصلحتهم الخاصة على عملهم في وضع تقريرهم في التدقيق المحاسبي. أي أن يكونوا جهة مستقلة تدفع للاطمئنان الى موضوعية البيان المالي، والرأي الذي سيصدر عن مدقق الحسابات. وحين ينتفي هذا الامر يكون البيان المحاسبي هو ترويج للعميل».
25 سنة مع مدقّق واحد
يضيف المصدر: «حين يتعامل مصرف لبنان وكل المؤسسات التابعة له (الكازينو والميدل ايست والشركات الاخرى التابعة ) مع خبير محاسبي واحد ولمدة 25 عاماً، ويَصدر تقرير مشترك فهذا يعني ان هناك ضغطاً مالياً على الخبير المحاسبي، لأنه لا يمكنه أن يغضب عميله لأن ذلك يؤثر سلباً عليه مالياً»، لافتاً الى أن «استمرار التعاون لمدة 25 عاماً بين الطرفين يعني أن لا مسافة مهنية مطلوبة بينهما. فخبراء المحاسبة ملزمون بمعايير اخلاقية لكي نكون مؤتمنين بالرأي والعمل بشكل صحيح».
يعطي المصدر مثالاً على أن ترابط المصالح المالية يمكن أن يؤثر على نزاهة المحاسب، من خلال ملف احدى شركات التأمين مع مستشار وزارة الاقتصاد، وهو مثل معروف والخبير المحاسبي متهم بطلب رشوة بقيمة 250 الف دولار، والواضح انها ليست استشارة. وهذا اثبات على ان خبراء المحاسبة قد لا يكونون في المكان الصحيح في هذه الظروف التي نمر بها». ويختم: «لا يمكن تحميل المحاسبين ككل وزر هذه التجاوزات، لكن المشكلة أن القضاء لا يتوسع لاظهار جميع المشاركين فيها».
المصارف والشركات تتحمل مسؤولية بياناتها
على ضفة النقابة، يؤكد نقيب خبراء المحاسبة المجازين في لبنان عفيف شرارة لـ»نداء الوطن» أن «خبراء المحاسبة لا يتحملون أي مسؤولية عما حصل مطلقا. بحسب النص القانوني والمراسيم المنظمة لمهنة المحاسبة والمعايير الدولية يبدي خبير المحاسبة رأيه بالبيانات المالية التي يعرضها عليه مجلس ادارة الشركة، والذي هو (مجلس ادارة الشركة) مسؤول عن اعداد البيانات المالية ومضامينها وايضاحاتها»، جازماً بأن «هذا يعني على أرض الواقع أن مجلس الادارة في اي مصرف أو شركة، لديه محاسبون يعدون له البيانات المالية والميزانيات وحساب النتيجة ويوقع عليها مجلس الادارة ويعرضها على مدقق الحسابات».
يشرح شرارة أن «مدقق الحسابات يضع خطة تحقق من صحة هذه الارقام على سبيل العينة، أي اذا كانت الشركة لديها مئة فاتورة شراء، يأخذ منها خبير المحاسبة 15 عينة (كل شهر فاتورة وآخر كل فصل فاتورة)، ويضع خريطة طريق يقيس عليها صحة الفواتير، فاذا تثبّت من صحتها، يبدي رأيه بأن الفواتير صحيحة»، لافتا الى أن «لدى خبير المحاسبة 4 احتمالات لتقييم الفواتير الموجودة لديه (بموجب مرسوم تنظيم المهنة)، إما تكون البيانات صحيحة او يتحفظ عليها (صحيحة باستثناء حساب معين)، او الحسابات غير صحيحة أو لا يبدي رأياً. ليس من مسؤولية المحاسب، خلال ابداء رأيه، التفتيش عما اذا كان هناك غش أو سرقة او تحوير او تهرب، ولكن اذا وقع بين يديه مستند مشبوه يعلن عنه».
يضيف: «البيانات المالية تعدها الشركة ويفحصها المدقق المحاسبي، ربما تكون الشركة اعدت البيانات بربع الحسابات او النصف فكيف للمدقق المحاسبي أن يعرف؟ ولذلك لا يتحمل الخبير المحاسبي اي مسؤولية. وفي مصرف لبنان مثلاً، شركات التدقيق كانت تقيم ما كان يعرض عليها الحاكم السابق رياض سلامة من بيانات مالية لا أكثر ولا أقل»، مؤكداً أن «شركات التدقيق لا تتدخل في اعداد البيانات المالية بل تعطي رأيها بالبيانات التي تعرض عليها. والدليل أن لا دعاوى ضد أي مكتب محاسبة؟ لأن لا اثباتات ان شركات المحاسبة وافقت على بيانات غير صحيحة. وما حصل هو دعاوى على المصارف وليس على مكاتب التدقيق المحاسبي».
إنتخابات النقابة
يؤكد شرارة أن «النقابة ستدعو للمشاركة في انتخاب مجلس جديد لها في أيار المقبل، في ظل تحديات صعبة يواجهها المحاسبون لسببين، الاول أن البيع النقدي (اقتصاد الكاش) يجعل وسيلة التحقق لدى المحاسب ضعيفة جداً، لأن عمليات الشراء والبيع لا تمر عبر المصارف ليتم التحقق منها حسب الاصول القانونية لابداء الرأي فيها»، مشيراً الى أن «الصعوبة الثانية هي غياب التشريع، اذ الغى مجلس النواب المادة 57 والمادة 56 من الموازنة والتي تعادل سعر صرف العملة الاجنبية على كل الحسابات وتعفي فروقات الصرف من الضريبة، (علما ان لجنة المال والموازنة اقتنعت بها بعد شرح ممثلي النقابة لفائدتها)».
ويختم: «هذا الالغاء خلق ارباكاً كبيراً لدى مدققي الحسابات، ودفعنا الى عدم ابداء الرأي بالبيانات المالية لأنها لا تتطابق مع الواقع، اضافة الى أن ضعف المتابعة من الجهات المختصة، يدفع المكلف الى اختيار دفع غرامة لعدم قيامه بتعديل ميزانية شركته بدلاً من تعيين مدقق حسابات لتدقيق البيانات المالية».
لا مسؤولية
يتشارك النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين ايلي عبود مع شرارة، لجهة عدم تحمل «شركات التدقيق المحاسبي اي مسؤولية عن الانهيار المالي الذي حصل»، ويقول لـ»نداء الوطن»: «المصرف هو منشأة مستقلة ومجلس الادارة هو المسؤول عن اصدار البيانات المالية، ومدقق الحسابات (بحسب قانون التجارة) هو مفوض المراقبة أو مدقق حسابات خارجي ومستقل او معتمد في النقابة كخبير محاسبة مجاز، ويتم تعيينه من قبل الجمعية العمومية للمصرف لابداء رأيه بصحة البيانات المالية»، شارحا أن «مدقق الحسابات يقوم باجراءات التدقيق بناء على معايير التدقيق الدولية والمعتمدة عالمياً، وضمن اجراءات واضحة للتأكد من صحة الارصدة المدرجة في البيانات المالية سواء في الميزانية العمومية (المركز المالي) او بيان الارباح والخسائر»، جازماً بأنه «لا يتحمل مسؤولية صحة أو عدم صحة البيانات المالية، بل ان ادارة المخاطر والتأكد من صحة الاستثمارات والتسليف تقع على ادارة المصرف ومصرف لبنان، مثل أنه لا يجوز تركيز المخاطر في مكان واحد اي الدولة اللبنانية، ولا دور لمدقق الحسابات في هذا الامر لأن الارقام التي اظهرتها له المصارف صحيحة».
أثر التضخم
يعتبر عبود أن أبرز التحديات التي يواجهها مدققو الحسابات في المرحلة الحالية هي «التعامل مع البيانات المالية للقطاع الخاص، وفقاً للمعايير الدولية، في ظل التضخم المفرط الذي نعيشه حالياً. اذ أن هناك صعوبة باعادة تقييم الشركات بأصولها الثابتة، ولذلك حسابات المنشآت الخاصة لا تعكس الواقع المالي الصحيح»، موضحاً أنه «من أجل تطبيق هذا المعيار نحتاج الى تشريعات ضريبية وردت في المواد 55 و 56 و57 من الموازنة الحالية لكن مجلس النواب ألغاها. علماً أن هذه المواد تصحح حسابات المنشأة في القطاع الخاص وتنجز فروقات نتيجة اعادة ادراج هذه الحسابات، سواء أكانت في الاصول الثابتة أو غيرها. وبالتالي يجب اعفاؤها من الضريبة، لأنها لا تعتبر ضريبة اعادة تقييم او تحسين، بل ضريبة لتصحيح هذه المبالغ والارصدة نتيجة التضخم وانهيار سعر صرف الليرة».
ويختم:»هذا الالغاء يمنع الشركات من تطبيق هذا المعيار، خوفا من الزام نفسها بدفع ضرائب 10 بالمئة على هذه المبالغ».
شرارة: شركات التدقيق لا تتدخّل في إعداد البيانات المالية بل تعطي رأيها بما يُعرض عليها والدليل أن لا دعاوى ضدّ أي مكتب محاسبة
عبود: من أبرز التحديات التي يواجهها المدقّقون حالياً التعامل مع البيانات المالية للقطاع الخاص في ظل التضخم المفرط الذي نعيشه