هل ما زال العمالي العام في اتحاد؟ هل ما زالت الهموم المعيشية والاقتصادية والنقابية اولوية في الاتحاد العمالي العام ؟ هل رُسمت حدود تحرّك الاتحاد العمالي في المرحلة الراهنة وفي المستقبل؟ الى اي مدى نستطيع القول ان وضع الاتحاد كان قبل استقالة رئيسه الدكتور بشارة الاسمر شيئاً وبعدها ذهب الى منحى آخر يخلو من التصعيد لتحقيق المطالب؟ الاتحاد العمالي العام اليوم بلا رئيس يمثله، بل هناك نائب رئيس يقوم بمهام الرئيس وهيئة مكتب تركت اجتماعاتها مفتوحة لمراقبة التطورات واتخاذ المواقف المناسبة .
اليوم، ذهب اعضاء هيئة المكتب الى جنيف للمشاركة في مؤتمر العمل العربي وغداً يوم آخر ؛ فامام الاتحاد استحقاقات كبيرة ومتعددة لا يمكن الغياب عنها او السماح بالتغيّب عنها .
بالامس، دافع الرئيس المستقيل الدكتور بشارة الاسمر عن سلة مطالب عمالية ونقابية في الشارع ، ووراء المنابر ، وتقدم الاعتصامات في الشارع ، واليوم الاتحاد المدعو الى انتخاب رئيس جديد يتسلم زمام الامور ويبعد الشرور سيجد نفسه مربكاً في مسألة انتخاب رئيس جديد .
ما تحقق في السابق سيضع اي رئيس منتخب جديد امام التحدي لتحقيق المزيد من المطالب وانتزاع الحقوق المسلوبة.
في هذا السياق ، تؤكد مصادر نقابية “للاقتصاد ” ان هيئة مكتب المجلس التنفيذي بكل اعضاءها تتابع كل القضايا خصوصا مراحل مناقشة الموازنة . وذكرت ان الدكتور الاسمر ما زال عضوا في هيئة المكتب التي تتألف من 12 عضواً ، وله حق التصويت إسوة بغيره من الاعضاء.
وقالت المصادر ان اي موعد لانتخاب رئيس جديد للاتحاد لم يحدد بعد . كما لفتت الى ان امام الاتحاد اليوم ورقة اقتصادية يتمسك بها وهو مستعد لمناقشتها بعيداً عن اي ضرائب جديدة .
واذ يرى بعض المراقبين في إبعاد الاسمر فرصة مناسبة لشل تحرّك الاتحاد العمالي في اي مواجهة مطلبية خصوصا وان هناك اصراراً سياسيا ً على تسيير عدة امور بعيداً عن اي خضة في الشارع ، يستبعد البعض الآخر انتخاب رئيس جديد للاتحاد في المدة القريبة ، ويلفت الى ضرورة إعادة النظر في هيكلية بعض النقابات المنضوية في الاتحاد .
نشأة ومسيرة
من المعلوم ان بدايات الحركة النقابية كانت مع الانتداب الفرنسي داخل مصانع الحرير والشركات ذات الامتيازات الخاصة ومصانع التبغ والمرفأ وسكة الحديد وقطاع الطباعة. وتجلّت محاولات التنظيم الأولى على أساس تعاوني بحسب التشريع العثماني المطابق لتأسيس الجمعيات. وفي ما بعد ، شجعت السلطات الفرنسية على إنشاء اتحاد عمالي عام 1921، سرعان ما تحوّل إلى حزب سياسي تحت اسم حزب العمال، قاده بورجوازيون ليبراليون حرصوا على توطيد التعاون الطبقي وعلى التفاهم مع سلطات الانتداب. إلا أن تأسيس حزب الشعب عام 1924، والحزب الشيوعي عام 1925، وطرح أول برنامج عمالي في احتفالات الأول من أيار عام 1925، كانت عوامل أفضت إلى انطلاق الحركة العمالية النقابية وبداية نضالاتها التي حصدت بها مكتسبات قانونية (إصدار قانون الموجبات والعقود عام 1932) ورسّخت خلالها الوعي الطبقي لدى العمال، رغم ظهور محاولات انشقاق ذات إيحاء طائفي، مارستها البورجوازية بدعم من سلطات الانتداب التي منحت بعض المرجعيات الدينية تراخيص لإنشاء نقابات خاصة بها. استمر النضال النقابي في مواجهة سلطات الانتداب على المستويين الوطني والاقتصادي عن طريق الإضرابات والمواجهات العمالية التي لقي خلالها بعض العمال حتفه، إلى أن أرغمت السلطة على إصدار قانون العمل عام 1946.
ودون الدخول في سرد المطوّلات ، يكفي القول ان مسيرة الاتحاد العمالي محطات كثيرة للنضال فيها المكان الاوسع
وفي دراسة أعدّها الاتحاد الأوروبي ومؤسسة فريدريش إيبيرت، عام 2002، قدر عدد المنتسبين إلى جميع الاتحادات التي تكوّن الاتحاد العمالي العام بحوالى 58690 منتسب من أصل 745760 عامل وأجير يحق لهم الانتساب، وفقاً لدراسة القوى العاملة الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. ويستند هذا الضعف في التمثيل الفعلي إلى كثرة الانتسابات الوهمية، ولا سيما تلك المسؤولة عنها الأحزاب المختلفة. وتقترح الدراسة الركون إلى عدد المقترعين في انتخابات هذه النقابات كمؤشر إلى التمثيل الفعلي الذي تبيّن أنه قد لا يتجاوز 3،5% من عدد الأجراء. يوضح ذلك ضعف القدرة التفاوضية للاتحاد العمالي ما لم يتوافر له دعم سياسي وحزبي. كذلك رصدت الدراسة تزايد عدد النقابات (210 نقابات) بشكل أكبر من تزايد عدد المنتسبين إليها خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تأسّست 40% من النقابات بعد عام 1975، لكنها لم تضم سوى 17،2% من المنتسبين. وتلفت الدراسة الى الثغرات في الاتحاد العمالي، حيث ان تركيبته باتت محكومة بتوازناتها السياسية الداخلية التي تمنع اي اتجاه وحدوي في العمل النقابي، وتقتضي معالجتها بإصلاح جذري لتركيبة التنظيم النقابي يرتكز على التمثيل الحقيقي لمختلف الأجراء في جميع القطاعات الاقتصادية.
ينص النظام الداخلي للإتحاد على ان غايته:
– الدفاع عن العمال في لبنان والسعي لرفع مستواهم مهنيا، اجتماعيا، اقتصاديا ومعنويا.
– توثيق عرى التعاون بين الاتحادات العمالية المنتسبة إليه وتأمين التنسيق بينها، تحقيقا لغاياتها وأهدافها.
– السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة التي ترعى علاقات العمل والسعي لإصدار تشريعات عمالية واقتصادية واجتماعية تؤمّن مصالح العمال ضمن إطار العدالة الاجتماعية.
– المشاركة في رسم السياسة الاجتماعية والاقتصادية والوطنية.
و الاتحاد العمالي العام في لبنان مستقل عن كل حزب سياسي أو فئـة سياسية ولا يستلهم في مجال نشاطه سوى المصلحة العامة للعمال في لبنان.
ولكن في اطار تقييمي بسيط، يتجلى تدّخل السياسة ووصايتها على الاتحاد العمالي رغم كل محاولات الإفلات. وان اي تحرّك احتجاجي سيبقى في هذه الدائرة. من هنا، فإن المجال واسع لكل الاحتمالات ، بعد الاستقالات والإنقسامات مفاجآت.