عادة أيام الأزمات تسارع الحكومة وجميع المسؤولين لاتخاذ الإجراءات التي تخفّف من أعباء الناس، لكن في لبنان يجري العكس تماما، حيث تسارع حكومتنا الى “تزبيط” أرقام موازنتها لجهة زيادة الايرادات بغرض تخفيض عجزها، وبالتأكيد على حساب الناس ومن جيوبهم، وهم غير قادرين أصلا على المدفوعات الأساسية التي تساعدهم على البقاء على قيد الحياة لا أكثر، وهكذا حتى قبل استفادة أحد من البطاقة التمويلية “الموعودة”، بدأ تطبيق زيادة الرسوم، والحديث عن زيادات يبدأ العمل بها قريبا جدا! واللافت انها بدأت تطبق وتنفذ فورا من دون قانون ولا انتظار إقرار موازنة في مجلس النواب!.
فارتفعت اشتراكات المياه بشكل كبير وبدأ التطبيق، فيما زيادة تعرفة الاتصالات باتت وشيكة وترافقت مع “تَلْيير” بطاقات تشريج الهواتف الخليوية، اما زيادة تعرفة الكهرباء فعلى الابواب، والزيادة على رسوم جوازات السفر طبقت فورا واللائحة تطول… كيف يحصل ذلك؟ هل هي “تهريبة”؟ هل جاءت هذه الزيادات بمراسيم؟ هل يحق للحكومة أن تفعلها؟ وبأي منطق وبأي عقل ترفع الرسوم والضرائب لتنحر الناس في ظلّ كساد إقتصادي غير مسبوق نعيشه؟!.
لنبدأ من الكهرباء، حيث لا شك أنها من النقاط الأساسية التي تم طرحها من قبل صندوق النقد الدولي خلال مفاوضاته مع لبنان، نعني بوجوب إصلاح القطاع الّذي هو في مقدمة مطالب الدول المُقرضة أيضا. ويتم ذلك عبر البدء بتعديل التعرفة وتفعيل الجباية، خصوصا أن العجز الأكبر في لبنان هو نتيجة الخسائر الكبيرة التي يتكبدها القطاع المذكور. كما أن تذبذب سعر صرف الدولار وارتفاعه الهستيري مقابل الليرة زاد من حدّة الأزمة، لذا كان لا بد من تحسين الجباية عبر تعديل التعرفة. أما بالنسبة لآلية تعديلها، فهي تحدد أقلّه بمرسوم من مجلس الوزراء بناء لتوصية الهيئة الوطنية لتنظيم القطاع، مع وجوب أن تأخذ عند تحديد التعرفة بشكل خاص عناصر الكلفة ومتوسط الأسعار المعتمدة عالميا، فئة المستهلكين، طبيعة أو نوعية الخدمات المقدّمة بالإضافة الى أوقات الأستهلاك، ذلك وفق ما نصّت عليه المادة 34 من قانون تنظيم قطاع الكهرباء لعام 2002، كما أنه يجب أن يترافق تعديل التعرفة مع زيادة ساعات التغذية، وذلك ضمن الخطة الإصلاحيّة لقطاع الكهرباء، على الرغم من عدم وجود ضمانات حتى الآن بأن تحسين تعرفة الكهرباء سيترافق مع زيادة ساعات التغذية.
هذا ما لفت اليه المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقيّة عبر “النشرة”، وأوضح من جهة أخرى، أنّ تعرفة اشتراك المياه، تحدّد من قبل مؤسسات استثمار المياه (كمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان) وهي مؤسسات مستقلة وتمويلها ذاتي وتضع ميزانيتها الخاصة، على أنه يجب أن تؤخذ بالإعتبار عند تحديد التعرفة الاوضاع الإجتماعية والاقتصادية العامة وفقاً لما جاء في المادة /4/ من قانون تنظيم قطاع المياه عام 2000، إلا أنه بزيادة تعرفة اشتراك المياه إلى أكثر من الضعف وفي ظلّ هذه الأوضاع الصعبة، فإن هذه المؤسسات لم تراعِ الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة في البلاد والظروف الصعبة كما نصّ عليها القانون، كما تجدر الإشارة إلى أن هذه التعريفات التي تحددها مؤسسات استثمار المياه كمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، تخضع لمصادقة وزير الطاقة والمياه ولرقابته، وهذا ما نصّت عليه المادة /15/ من النظام الداخلي لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان.
وخلص د. مرقص الى القول ان الرسوم او الضرائب يجب أن تفرض بقانون، فيما عدا ذلك إن لناحية تعديلها أو الغائها أو تخفيضها أو زيادتها فتحتاج الى قانون، هذا من حيث المبدأ القانوني العام، وهو ما نحبذه نحن كقانونيين، حيث أن التشريع المالي يجب أن يكون بمقتضى قانون يصدر عن السلطة الاشتراعية كما هو منصوص عليه في الدستور اللبناني. واللجوء الى التشريع بقانون يدعم الاستقرار التشريعي والاستقرار المالي في البلاد هو حتى لا تكون الأعباء المالية على المواطنين “غبّ الطلب” بيد الحكومات بل أن تأتي في سياق تشريعي متكامل وهادف، ومن هنا ضرورة أن تندرج أي ضرائب ورسوم في إطار تشريعي وبرلماني.