قمنا في المقال السابق بالتنبيه حول فرض أي ضريبة على الأرباح المُحققة في الخارج، لكنّ الغريب انّ البعض ربط هذه الضريبة بملاحقة الفاسدين ومَن حققوا ثروات غير مشروعة وحوّلوها الى الخارج.
مَن هو مقتنع بهذه النظرية يُناقض نفسه، فكيف نعطي مخرجاً للفاسدين بأن يَكتفوا بدفع ضريبة بدل ان تتم ملاحقتهم واستعادة الاموال التي نهبوها وأخرجوها من البلد، سيفرح الفاسد والسارق بدفع هذه الضريبة، فهذا يجعله متساوياً مع من جَمع أمواله بتعبه. نعاقب الفاسد بتكليفه بضريبة بَدل معاقبته بالقانون، ونقوم في الوقت نفسه بمعاقبة أنفسنا عبر تهريب كل المستثمرين والمغتربين من لبنان.
نحن بأمسّ الحاجة الى استقطاب كل رجل اعمال ومستثمر الى لبنان، لأنّ هؤلاء كما ذكرنا هم الفئة المحرّكة للاقتصاد والاستثمارات. فحذار ان نقوم بقطع هذه الصلة ونحكم على لبنان بالتعثر المالى الى ما لا نهاية، ونكرر انّ ملاحقة ناهبي الاموال تتم عبر الوسائل القانونية الموجودة ولا تحتاج الى إقرار قوانين اضافية.
وأيضاً علينا التمسّك بالسرية المصرفية، بعد أن عَلت بعض الاصوات مطالبة بإلغائها، وكأنها هي المسؤولة عن الفساد في لبنان. ونذكر باقتضاب انّ السرية المصرفية لا تطال الا الحسابات الخاصة، اما الاموال العامة وحسابات المصرف المركزي فلا. فالمصرف المركزي ملك الجميع وللجميع الحق في التدقيق به. نكرّر انّ فرض ضريبة على الارباح في الخارج وإلغاء السرية المصرفية هما مطلبا أعداء لبنان، لأنّ النتيجة ستكون إفقار لبنان الى سنين طويلة مقبلة من دون أي فرصة للازدهار مجدداً، وجَعله رهينة للاستدانة الدائمة في دوامة لا تنتهي.
في تصريح لـ لوريان لوجور، شدّد حاكم مصرف لبنان بالانابة على انّ أي «إجراء لإعادة الودائع يجب أن يمر عبر تصنيف مسبق للأصول القانونية وتلك التي ليست كذلك. وهذا يعني أنه سيتعيّن على جميع المودعين تبرير أصل ودائعهم، وأنه سيكون من الممكن بعد ذلك اكتشاف واستبعاد أولئك الذين ينتهكون القانون. وبالتالي، حَسم مبالغ أصولهم والفوائد المرتبطة بها، من إجمالي ما يجب إعادته»، واننا بحاجة إلى قانون لبدء هذه العملية.
هذه وقاحة وجريمة وعرقلة مفتعلة لتأخير اعادة الودائع، وكأنّ ما جرى تقليصه من الودائع غير كاف، لذلك يبحثون عن سبل لزيادة تقليصها. فمَن سرق الودائع يريد ان يُجري تحقيقاً مع من سرقه، هذا بالمبدأ. امّا عملياً فهذا الاقتراح يهدف الى عرقلة اعادة الودائع حيث ان التحقق من اصل الودائع هو عملية معقدة وتتطلب وقتاً طويلاً، وخاصة ان بعض الودائع يعود تاريخها لثلاثين او عشرين سنة مضت.
من غير المقبول الاستمرار في التخبط وغياب الحلول الفاعلة لوضع لبنان على سكة الازدهار، فلبنان قادر على ان يتحول الى جنة استثمارية تجعله قادرا على استقطاب مغتربيه والكثير من المستثمرين ورؤس الاموال. فهذا البلد يملك العديد من المقومات، ولكن يبدو ان هناك من يصرّ على منعه من تحقيق الازدهار. ان تحويل لبنان من بلد متعثر الى مزدهر يتطلب الخطوات التالية:
– إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة واعتمادها في كل ركن من عمل الادارة العامة.
– إصلاح القطاع المصرفي واعادة الثقة إليه عبر اعادة الودائع كلها وحالاً، وإجراء تقييم لكل مصرف على حدة، والاهم الحفاظ على السرية المصرفية والتشبّت بها.
– اعادة هيكلة القطاع العام من حيث الكفاءة والفعالية والكلفة، وتغيير كل الاجراءات الادارية وتطويرها لتكون عدة عمل اساسية لاستقطاب الاستثمارات.
– تحفيز القطاع الانتاجي من صناعة وزراعة وسياحة (خاصة القطاع السياحي).
– بيع الاراضي التي لا تحتاج اليها الدولة ولا جدوى اقتصادية لوجودها في عهدتها.
– إلغاء كل القوانين الحقيرة المعرقلة للاستثمار واستبدالها بقوانين تقدّم حوافز للمستثمرين ولا تخيفهم.
– إصلاح عملية الاستيراد والتصدير ومعالجة مشاكل الترانزيت البري، وخَلق خدمة بريد سريع متطورة وتنافسية.