استخدم سيري أو يوتيوب أو فتش عن الأخبار في غوغل، لتكتشف سريعا أن هذه المواقع تحفظ خياراتك وتتعلم سريعا ما تحب وما تكره، وتفاجئك في المرات القادمة بوابل من المقترحات.
هذا بالضبط ما يحدث اليوم في عالم التسوق، حيث تحاول المتاجر توظيف الذكاء الاصطناعي في أنظمة تستطيع أن تتعلم ذاتيا لتتنبأ بخياراتك المستقبلية، وتكتشف بدقة ما تفضله في كل سلعة، بطريقة لم يكن يحلم بالوصول إليها أكثر خبراء المبيعات مهارة، وتشجعنا بالتالي على شراء المزيد من السلع.
إنها “الإوزة التي تبيض ذهبا”، وفق وصف خبير التجزئة، دانيال بروك، من شركة “بليك روثينبرغ”، هذه الإوزة القادرة على بناء بروفايل لزبائن المتاجر، ثم اقتراح منتجات قبل أن يدرك الزبون نفسه ماذا يريد شراءه بالتحديد.
في المرة القادمة التي تندفع فيها إلى متجرك المفضل لشراء بعض الوجبات الخفيفة، ربما يمكنك إلقاء اللوم على الذكاء الاصطناعي الذي يعلم كل شيء عن عاداتك.
ونقل موقع “بي.بي.سي” البريطاني عن ويل بروم، مؤسس شركة “أباماركت” وهي شركة مختصة بتطوير تطبيقات تسمح بالتسوق والدفع عبر الهواتف الذكية، إن الذكاء الاصطناعي “يتتبع أنماط سلوك الأشخاص بدلا من مشترياتهم، وكلما تسوقت أكثر زادت معرفة الذكاء الاصطناعي بأنواع المنتجات التي تفضلها”.
ويتم تصميم وحدات الذكاء الاصطناعي ليس فقط للقيام بالأشياء الواضحة المتكررة، بل لتتعلم بمرور الوقت وتصبح استباقية. حيث تبدأ، مثلا، في تكوين فكرة لمدى احتمالية تجربة علامة تجارية مختلفة، أو شراء الشوكولاتة في يوم معين من الأسبوع، لتقدم عروضا خاصة تلبي رغبة زبون محدد.
في البداية فشلت محاولات الشركة بإقناع متاجر السوبر ماركت العملاقة في المملكة المتحدة في تبني التطبيق، لذلك أبرمت صفقات مع سلسلة متاجر صغيرة، وهي متاجر لا ترتبط تقليديا بالتكنولوجيا الفائقة.
حتى وقت قريب كان معدل استخدام التطبيق منخفضا ولكنه آخذ في الازدياد، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى جائحة فايروس كورونا، التي جعلت الناس أكثر إحجاما عن اللمس أو الوقوف في طوابير. ويقول بروم “من خلال التطبيق وجدنا أن متوسط محتويات السلة ارتفع بنسبة 20 في المئة، والأشخاص الذين يمتلكون التطبيق هم أكثر احتمالا بثلاث مرات للعودة إلى التسوق في نفس المتجر”.
وفي ألمانيا، تخوض شركة ناشئة مقرها برلين تسمى SO1 بتجارب مماثلة مستخدمة نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها لتجارة التجزئة.
وتدعي الشركة أن الأشخاص الذين يشترون السلع المقترحة بواسطة الذكاء الاصطناعي يزيد إنفاقهم تسعة أضعاف عن إنفاق الذين يتسوقون عن طريق عروض ترويجية تقليدية، حتى عندما تكون الخصومات أقل بنسبة 30 في المئة.
هذا النجاح لم يمنع هيئات تعنى بحماية المستهلكين وتقوم بحملات ضد إساءة استخدام البيانات من توجيه التحذيرات من خطورة تلك التطبيقات على إرادة المستهلك.
ومؤخرا حذر معهد البيانات المفتوحة في المملكة المتحدة على لسان رئيسته، جيني تينيسون، من إساءة استخدام الكميات الهائلة من المعلومات التي يتم جمعها عن الأفراد، وقالت “قد يسعد الناس بتلقي النصيحة، لكنهم يبدأون في الشعور بعدم الارتياح أكثر عندما يتم دفعهم، أو التلاعب بهم، في عمليات شراء معينة بناء على صورة مبسطة عنهم، وتجاهل المعلومات المعقدة عنهم. هناك أسئلة أكبر أثارها استخدام الذكاء الاصطناعي في البيع بالتجزئة. ما نحتاج إلى فهمه حقا هو تأثير جمع البيانات والتنميط على قطاعات مختلفة من المجتمع. هل هو تصنيف للأشخاص على أساس العرق، والوضع الاقتصادي الاجتماعي، والجنس؟”.
أمازون، من جانبه ليس غريبا على جمع البيانات. لدى عملاق الإنترنت هذا كميات هائلة من المعلومات عن زبائنه، شكلها من متابعة مشترياتهم عبر الإنترنت، حيث يقوم الناس بالتسوق في متاجر بقالة “أمازون غو”، التي يتم تشغيلها حاليا في 27 موقعا في الولايات المتحدة، دون تفاعل مع أي شخص. إنهم ببساطة يمررون هواتفهم الذكية على الماسح الضوئي عندما يدخلون السوبر ماركت، ويلتقطون ما يريدون شراءه، ثم يخرجون. لترسل لهم الفاتورة في نهاية الشهر.
كانت متاجر “أمازون غو” في البداية عبارة عن مواقع صغيرة ، بسبب تكلفة المستشعرات والمعدات اللازمة، لكن الشركة تتوسع تدريجيا إلى متاجر أكبر، وتعمل أمازون أيضا على إدخال هذه التكنولوجيا لمحلات السوبر ماركت التي لا ترغب في تعديل متاجرها بمثل هذه الأنظمة المكلفة.
عربات السوبر ماركت بدأت تمتلئ بأجهزة استشعار لاكتشاف وترتيب كل ما تضعه داخلها، ويجري اختبار هذه العربات حاليا في متجر بلوس أنجلس، حيث تم تخصيص ممر سريع خاص للتسجيل، دون الحاجة إلى إنسان بالطبع.
ويقوم متجر تجزئة آخر في الولايات المتحدة هو “غروغر” بتجربة رفوف ذكية مزودة بشاشات تعمل على إرسال محتوى مصمم لجذب الزبائن. تعرض بعض العروض والمحتوى المخصص عن طريق الاتصال عبر “بلوتوث” بتطبيقات الولاء على الهواتف الذكية. ووفقا لمجموعة الأبحاث “جارتنر”، فإن أكثر من ثلاثة أرباع كبار تجار التجزئة حول العالم، إما لديهم أنظمة ذكاء اصطناعي قيد الاستخدام حاليا، أو أنهم يخططون لتثبيتها قبل نهاية العام.
ويعزو محللون انتشار الظاهرة إلى كورونا التي سرعت هذا الاتجاه وغيرت بشكل كبير عادات المستهلك.