رياض عيد*
عاشت الولايات المتحدة والعالم مرحلة توتر غير مسبوقة حكمت عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي شكلت فترة رئاسته “انقلاباً” على استراتيجية اميركا في الداخل والخارج؛ تلك الاستراتيجية التي رسمتها “الدولة العميقة” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمرت أبان الحرب الباردة حتى انتخابه، العام 2016. تميزت تلك الإستراتيجية بالرفض الساحق للمؤسسة العالمية من قِبل المحافظين الجدد والنخب، التي بنت إمبراطورية ليبرالية عالمية ونسيت معانات الشعب الأمريكي. إن شعارات “أميركا أولا” و”لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” و”ضرورة بناء أسوار وحواجز لمنع الهجرة” لم يخترعها ترامب، بل هي موجودة منذ تأسيس الدولة الأميركية ولن تختفي بهزيمته.
لقد أدرك ترامب أهمية إثارة الجدل والحماس في ظل “شعبوية يمينية” متصاعدة حول العالم، وكذلك حجم الغضب في الداخل الأميركي من إقتصاديات وسياسات العولمة، التي تبنتها واشنطن ومهدت لها الطريق، خاصة مع هجرة المصانع إلى الصين والشرق الأقصى وعدم توفر بديل للعمالة الأميركية التي باتت تئن من بطالة متفاقمة.
في العام 2018، تبنى ترامب وثيقة الأمن القومي، وأيضاً ثيقة وزارة الدفاع للاأن القومي التي حددت الصين وروسيا كعدوين اساسيين منافسين لاميركا على مناطق الصراع الجيو – بوليتيكي في العالم، وبدء عهده بعقوبات على روسيا بمشاركة أوروبية استمرت حتى نهاية عهده. وايضاً، فرض عقوبات اقتصادية قاسية على الصين، التي ردت بالمثل، بعد اتضاح تشكل وتنامي القطب الاقتصادي للصين، وقدرته على كسب رهان التنافس مع القوة الاقتصادية الأمريكية، والامساك بزمام السلطة الاقتصادية العالمية. الا ان هذا التبني لم يكن ارضاء للدولة العميقة، بل كان هدفه دفع التهمة عنه بتدخل المخابرات الروسية لفوزه بالرئاسة، وتعديل العجز بميزان التبادل التجاري المختل لمصلحة الصين بحوالي 400 مليار دولار سنوياً.
زادت حدة هذا التنافس أزمة الأسهم، العام 2020، التي ضربت الاقتصاد الراسمالي، ناهيك عن تفشي فيروس “كورونا” الذي اوقف سلاسل الانتاج والتوريد. كما زاد من تفاقم الأمور عجز اميركا وأوروبا، حتى الآن، عن التصدي لهذا التحدي حيث اكد كبار الإقتصاديين ان العالم بحاجة إلى اكثر من خمس سنوات للتعافي الإقتصادي. لكن اللافت كان إعلان البنك الدولي أن نسبة النمو العالمي قد تبدأ العام المقبل، 2022، وستكون الصين هي العامل الدافع لهذا النمو متوقعاً ان تحقق نسبة نمو تصل إلى 6.5%، بينما لن تتجاوز نسبة النمو في كل من أميركا وأوروبا الـ 1.5%، فيما توقعت وكالة “بلومبيرغ” أن تتجاوز نسبة نمو الصين عتبة الـ 8.8%.
بعد إنتهاء عهد ترامب، تنفس العالم الصعداء لأنه نجا من تفجير حرب ضد الصين أو إيران، وفق ما توقع الكثير من المراقبين بسبب رفضه لنتائج الإنتخابات الرئاسية. ومع تنصيب جو بايدن رئيساً، لم يتغير خطابه حيال كل من روسيا والصين عن ذلك الذي اعتمده خلال حملته الانتخابية، حيث اكد على استعادة دور اميركا السابق، معتبراً أن من أولوياته استعادة التحالف مع حلفاء بلاده التقليديين لمواجهة تحدى القوى الناشئة المنافسة لاميركا على الساحة الدولية، أي روسيا والصين.
وفي مقابلة مع محطة “سي.بي.أس” الأمريكية، أكد الرئيس بايدن أن الخصومة بين بلاده والصين ستتخذ شكل منافسة قصوى، وقال إن نظيره الصيني “قاس جداً” وإنه “ليست هناك ذرة من الديموقراطية في شخصه. ولا أقول ذلك من باب الإنتقاد، إنها الحقيقة فقط”. وفقاً لتقارير اعلامية، شكل الرئيس الأميركي فريقاً معنياً بملف الصين حين زار البنتاغون، وكلفه بمراجعة المقاربة العسكرية للمخاطر التي تُمثّلها. وفي أول محادثة هاتفية مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تناول الأوضاع في هونغ كونغ وشيانجنغ وتايوان، ما استدعى رداً حازماً من نظيره الذي رفض ذلك معتبراً أنه تدخل في شؤون بلاده الداخلية.
تزامنت هذه التصريحات مع بدء البحرية الأميركية عمليات تدريب وتنسيق مزدوجة بين سفن وطائرات من حاملات الطائرات، مثل “تيودور روزفيلت كارير سترايك غروب” و”نيميتز كارير سترايك غروب”، في بحر الصين الجنوبي. واتت هذه التدريبات بعد تصريح رئيس القيادة الإستراتيجية الأميركية، الأدميرال تشارلز ريتشارد، في مقال على موقع “معهد البحرية الأميركية”، أشار فيه إلى أن الحرب النووية باتت “محتملة جداً مع الصين وروسيا”.
ورغم موافقة الرئيس بايدن على تمديد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، “ستارت 3″، مع روسيا لمدة خمس سنوات، الا ان ارسال المعارض الروسي ألكسي نافالني إلى موسكو، رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقه واعتقاله من قبل السلطات الروسية، كانت مناسبة لإستنفار أوروبا وأميركا لفتح ملف الديمقراطية والحريات في روسيا، ولإعادة توتير الاجواء معها لتمديد العقوبات عليها.
كل هذه المواقف تؤكد ان الذي انتصر في الانتخابات الاميركية هو الدولة العميقة التي حسمت المعركة ضد “الترامبية” في الداخل والخارج، واستعادة الدور الذي تكلم عنه الرئيس بايدن ما هو الا استعادة لدورها بقصد التصدي للمنافسين الجيو – استراتيجين الصاعدين الذين أكدا، في أكثر من مناسبة، على أن عهد الآحادية القطبية قد انتهى إلى غير رجعة بما خلفته من دمار وحروب وكوارث اقتصادية وبيئية وصحية، وان العالم يعيش مخاض عالم متعدد الأقطاب لمستقبل أكثر استقراراً وعدالة وإنفتاحاً.
فهل تستطيع ادارة الرئيس بايدن والدولة العميقة حقاً استعادة هذا الدور؟
إن الحقائق الثابتة في العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية بين الدول هي أن المصالح تحكم هذه العلاقات، ويصبح الإرتقاء بهذه العلاقة إلى مستوى إستراتيجي أكثر من ضرورة حين تصبح التهديدات الخارجية المشتركة اضافة إلى المصالح هي التي تتحكم بهذه العلاقات. هذه الحقاىق باتت هي الحاكمة للعلاقات الصينية – الروسية التي ارتكزت منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، على:
• التوافق على معارضة سياسة القطب الأوحد الأمريكي والتدخل في “الشؤون الأساسية” داخل الدولتين أو بالقرب من حدودهما، والسعي لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
• دعم نظرية الحكم السلطوي في علاقة المجتمع بالدولة حول العالم، ومقاومة تصدير الغرب لـ “القيم الليبرالية العالمية”، بالتزامن مع تنامي ريبة كل من بكين وموسكو تجاه “الثورات الملونة” واعتقادهما أنها تتم بدافع وتحريض غربي.
• شعور قومي متصاعد قائم على إرث شيوعي وحضارة قديمة وإحساس شعبي عام بأن بلديهما يستحقان مكانة أفضل على الصعيد العالمي.
• التحالف الجيو – إستراتيجي بين الدولتين على تشكيل “المشروع الأوراسي” ومبادرة “الحزام والطريق” كي تصبح أوراسيا هي قارة القرن الحادي والعشرين اقتصادياً وسياسياً.
إن اللهجة الحادة تجاه هذين البلدين، والمناورات العسكرية الأمريكية الاستفزازية في جوارهما، لم تفاجئ قيادتيهما السياسية والعسكرية التي احتاطت للأسوأ ان حصل. هذه التطورات وغيرها، ساهمت في نمو الميزانية العسكرية الصينية بوتيرة فائقة السرعة منذ أواخر التسعينيات، حيث أضحى الإنفاق العسكري السنوي الصيني الثاني عالمياً (178,6 مليار دولار)، بعد ذلك الأميركي (732 مليار دولار العام 2020).
وبحسب تقارير البنتاغون، فقد أصبحت الصين تتفوق على الولايات المتحدة في مجال بناء السفن الحربية، وصواريخ “أرض – أرض” التقليدية، ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخية المندمجة. أما على مستوى سلاح الجو، فإن لديها أسطولاً يضم 4500 طائرة، بينها حوالى 2000 من المقاتلات، أي ثالث قوة جوية في العالم، وهي الدولة الثانية عالمياً التي طورت طائرات شبح من الجيل الخامس. كما شهدت قوتها الصاروخية أيضاً نمواً ضخماً، بما فيها تلك الباليستية العابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس نووية أو الفائقة السرعة.
بالنسبة لروسيا، بدأت تطوير تراسنتها العسكرية والنووية منذ استلام الرئيس فلاديمير بوتين الحكم خاصة بإدخال تقنيات الذكاء الإصطناعي والروبوتات والأسلحة الإلكترونية والصواريخ “الفرط صوتية”، التي تصل سرعتها إلى ما فوق الـ 27 ماخ (ماخ هو سرعة الصوت متر/ثانية). ورغم تفوق الميزانية العسكرية الاميركية بأكثر من ضعفي ميزانية تسليح روسيا والصين، إلا ان تقديرات الخبراء العسكريين الأميركيين أكدت أنه في حال الصدام العسكري معهما، تستطيع روسيا ان تحسم المعركة ضد حلف الأطلسي والسيطرة على أوروبا خلال ايام، كما تستطيع الصين خلال يومين حسم المعركة ضد القواعد الاميركية في شرق آسيا وتدميرها بما في ذلك قاعدة “غوام” العسكرية.
ترجم هذا التحدي الصيني – الروسي، للغرب وحلفائه على المجال العسكري، بإطلاق البلدين دوريات جوية في منطقة غرب المحيط الهادئ وبحر الصين الشرقي، ديسمبر/كانون الأول 2020، ضمت قاذفات ثقيلة، كجزء من مناورات عسكرية سنوية بينهما. أثارت هذه المناورات حفيظة حلفاء الولايات المتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية، التي جاءت بعد يوم واحد من فرض إدارة ترامب عقوبات متزامنة على شركات صينية وروسية ادعت أن لها علاقات وثيقة بالجيش في البلدين، مضافاً عليها المناورات العسكرية غير المسبوقة التي اقامتها روسيا والصين العام 2020 في منطقة الأورال، والمناورة التي ستقيمها الدولتان مع إيران في منطقة الخليج قريباً.
أما بخصوص تطور العلاقة بين روسيا والصين إلى المستوى الإستراتيجي، فلقد بدأت تتبلور نهاية العام الماضي (2020) وبداية هذا العام (2021)، وظهر هذا من خلال الإتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي الصيني حيث “تبادلا التهاني الدافئة بمناسبة أعياد رأس السنة، ولخصا نتائج تطوير علاقات الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي بين روسيا والصين والتي تحمل في الحقيقة طابعاً متبادل للمنفعة التي بلغت أعلى مستوى في التاريخ”، كما عبرا عن رضاهما للجهود المشتركة الفعالة للمصالح المعنية للبلدين الخاصة بجائحة “كورونا”، لافتين إلى “أهمية التعاون في مجال تطوير وإنتاج اللقاحات”، والتصميم المتبادل على مواصلة تعميق العمل المشترك في جميع الاتجاهات، بما في ذلك تطبيق مشاريع مشتركة كبيرة في قطاعي الطاقة والتعاون الصناعي”.
من هنا، يمكن القول إن العام 2020 لم يكن عاماً عادياً للعالم، فهو عام التحول الكبير في العلاقات بين الجانبين، وذلك بسب التصعيد الأمريكي ضد الصين (الحرب التجارية – هونغ كونغ – شينجيانغ – بحر الصين الجنوبي – “كورونا” وتداعياتها)، والمشكلات التي واجهت الإقتصاد الروسي، لا سما التراجع الحاد لأسعار النفط والغاز الطبيعي. من هنا، ترسخت الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين للتنسيق من أجل “عصر جديد”، وباتت مثال جيد للشراكة يحتذي بها الآخرين، وقد قدمت مساهمات كبيرة في الحفاظ على التعددية والإنفتاح والاستقرار الاستراتيجي في العالم، خصوصاً أن بين موسكو وبكين الكثير من القواسم المشتركة، أبرزها تماثل النظام السياسي إلى حد كبير، وتصنيفهما كقوة عظمى بسبب ترسانتهما النووية، وأيضاً من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
لقد عملت الدولتان على تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة الإختراق الأمريكي، خاصة في المناطق الحيوية لمصالح كل منهما؛ فروسيا تخشى توسعة حلف الناتو بحيث يفقدها حزامها الأمني السابق في وسط وشرق أوروبا ويقلل من مكانتها الأوروبية والدولية، فضلاً عن تهديد مصالحها الحيوية في رابطة المنظومة الشيوعية سابقاً، حيث يسعى الناتو إلى ضم دول الرابطة إليه. من هنا، يأتي التفاهم الاستراتيجي مع الصين في إطار منع الحلف من التفكير بالإستمرار في تنفيذ هذا المخطط، خاصة أن المرحلة الثالثة منه تمس أمن الصين ومصالحها الإقليمية، لأنها تشمل أيضاً دول آسيا الوسطى.
لذا، يدرك الجانبان أبعاد وأهمية التعاون والعمل المشترك وما قد يعترضه من معوقات، وهو ما أكدته تصريحات المسؤولين من الجانبين، فالتطورات السريعة التي يشهدها إقتصاد العصر، أو “إقتصاد الرقميات”، أزالت إلى حد كبير مفهوم الحدود التقليدي بين الدول، كما فرضت التقنيات الحديثة على صنّاع القرار قواعد جديدة لرسم استراتيجيات التعاون فيما بين الدول من حيث الأخذ بعين الإعتبار دور تلك التقنيات في الأنشطة الاقتصادية عبر الحدود.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة، تكتسب العوامل الطبيعية الإيجابية بين الصين وروسيا، وهي كثيرة، أهميتها في وضع الأطر العامة للعلاقات بين بكين وموسكو. فالبلدان يشتركان في حدود يبلغ طولها 4300 كلم، ما يوفر مزايا استراتيجية لعلاقة تجارية قوية مع طلب كثيف على المواد الأولية ومشروعات البنية التحتية الضخمة في ظل مساعي ربط أوروبا بآسيا.
ويراهن الروس على مكاسب اقتصادية جمة من وراء تمتين العلاقة مع الصين التي يفوق حجم اقتصادها، 14 تريليون دولار مقابل 1,7 تريليون للاقتصاد الروسي. ومع تصاعد الدور الصيني والتحولات التي تشهدها العلاقات الجيو – سياسية مع الغرب، قد يجد الروس في التحالف مع بكين سنداً ودرعاً في وجه التطورات التي يشهدها مفهوم القوة في السياسة الدولية الذي بات رهناً بالقوة الإقتصادية والقدرة على مواجهة الطوارئ ومنها الكوارث كما تبين من خلال التعامل مع وباء “كوفيد – 19”. فلقد وجدت روسيا ضالتها في شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى، حيث وقّعت شركاتها إتفاقات مع شركة “هواوي” الصينية لبناء شبكة اتصالات الجيل الخامس – 5G، وعقدت اتفاقات أخرى مع الشركات الصينية الرائدة في مجال تكنولوجيا التجسس والتعرف على الوجه. من جهتها، تسعى الصين لتطبيق تجربتها في التوظيف الواسع للتكنولوجيا في عمليات الرصد والتتبع المرتبطة بمحاربة فيروس “كورونا” في روسيا، حيث من الممكن أن يرسم هذا التعاون التكنولوجي المتنامي خارطة الصراع على التقنية العالية في منطقة أورو – آسيا مع الشركات الغربية.
ووصل حجم التجارة بين الصين وروسيا، العام 2019، قبل التراجع بسبب غلق الحدود بعد انتشار الفيروس، إلى 110 مليار دولار على أساس سنوي، وفقاً لسلطات الجمارك الصينية، وتمكنت روسيا من تخطي السعودية كأكبر مصدر للنفط إلى الصين. أيضاً، تسعى شركة “غاز بروم” الروسية العملاقة إلى زيادة حجم صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الصين لثلاثة أضعاف عبر خطي الأنابيب “قوة سيبيريا 1 – 2″، في وقت عززت فيه الصين من الاستثمار في مشروعات كبيرة للطاقة في احتياطات روسيا الهائلة في القطب الشمالي المتجمد.
من جانبها، تجد الصين في الشريك الروسي معيناً على العبور إلى القارة الأوروبية في تنفيذ سياساتها الخاصة بمبادرة “الحزام والطريق”، خاصة أن الروس عززوا دورهم الإستراتيجي في رسم مستقبل القارة بعد ضم شبه جزيرة القرم، وحسموا الصراع في جنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا.
أيضاً، يلعب قطاع الطاقة هنا دوراً محورياً نظراً لحاجة القارة العجوز الماسة للغاز على وجه الخصوص. ولعل هذا ما يبرز الدور الرئيسي الذي تلعبه شركة “غاز بروم” في ربط كل من الصين وألمانيا بشبكة علاقاتها وأنابيبها لتقل الغاز والنفط عبر أوروبا.
كما إرتبط البلدان بإتفاقيات لتنشيط التعاون الاقتصادي لعل أبرزها “منظمة شنغهاي للتعاون”، التي تضم دول عديدة أبرزها الصين وكازخستان وروسيا. كما أسفر التعاون بين روسيا والصين، بعد ذلك، عن توقيع معاهدة ترسيم الحدود بين البلدين، العام 2008، بعد مفاوضات طويلة هيأت الأرضية لاتفاقيات لاحقة ومشروعات مشتركة.
فرضت الأحداث غير المتوقعة خاصة في ما يتعلق بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة والصين في إدارة أزمة “كورونا”، إنعدام الثقة بين البلدين وذلك مع إستمرار ترنح الاقتصادين الرأسماليين الأميركي والأوروبي في مقابل تعافي الإقتصاد الصيني وعودة سلاسل الانتاج والتوريد إلى العالم، كما أظهرت تحولاً جذرياً في مفهوم توازنات القوة الاقتصادية والسياسية الدولية، الأمر الذي يفرض دراسة هذه المتغيرات بدقة وتأثيرها على التحالفات والتوازنات الدولية. فالعالم بعد الجائحة ليس كما قبلها، وأميركا بعد “كورونا” لن تكون كما قبلها خاصة وأنها من اكثر الدول تأثراً بها لا سيما على الصعيدين الإقتصادي والنفسي، اضافة إلى الشرخ الكبير والانقسام المجتمعي العميق الذي احدثته الإنتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة وأثر “الترامبية” الضاغط على صنّاع القرار والتي لن تذهب إلى أي مكان حتى تختفي العوامل التي أدت إلى ظهورها وتختفي الهوة بين “أمريكا العميقة” و”مستنقع واشنطن”، والمواجهة بين قلب أميركا وكتلة الليبراليين والأقليات المتطرفة، والمراكز العالمية للساحلين الشرقي والغربي.
ومع ذلك، فان خطط وتوجهات الرئيس بايدن، من “الاقتصاد الأخضر” إلى النضال من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم إلى استعادة الدور، تُظهر أن “المستنقع” لا ينوي سد هذه الفجوة، على أمل قمع خصومه، وما محاكمة ترامب الفاشلة الا خير دليل على ذلك.
في الختام، إن إستعادة الدور والحلم الأميركيين دونهما عقبات كبرى داخلية وخارجية، سيبقيا شعاراً غير قابل للتحقيق، بحيث ستفرض أزمات أميركا الداخلية أولويتها على إستراتيجية كل من الرئيس بايدن والدولة العميقة؛ بالتالي، على الإدارة الأميركية الإقتناع بأن عصر الآحادية القطبية ولىّ إلى غير رجعة، وان بزوغ العصر الجديد بدء نوره من الشرق وعناوينه التنمية لتأمين المنفعة المشتركة والحفاظ على التعددية والإنفتاح والإستقرار الإستراتيجي لدول العالم كافة.
*كاتب وباحث في العلاقات الدولية في “مركز سيتا” – لبنان