مع بدء الوفود القضائية الأوروبية تحقيقاتها في بيروت، في ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في شأن تحويلات مالية تحوم حولها شبهات الفساد وتبييض الأموال. ويفترض أن تستمر التحقيقات أسبوعين، من دون حسم الأمر الأهم في شأن ما إذا كان سلامة سيمثل أمام هؤلاء، وسط معلومات روّجتها أوساط قريبة منه بأنه «ليس مضطراً للحضور لأنه سبق له أن أجاب على أسئلة المحققين في لبنان وراسل الجهات القضائية في أوروبا».
بحسب معلومات «الأخبار»، سبق أن تلقى لبنان معطيات من القضاء الأوروبي لم يجر اعتمادها كعناصر حاسمة في مسار التحقيقات التي توقفت في أيار الماضي بعد إحالة القاضي جان طنوس الملف إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي لم يجد قاضياً يدّعي على سلامة. لذلك، يصر الجانب الأوروبي على الحصول على نسخة عن معطيات التحقيق اللبناني، وعلى التدقيق في هذه المعطيات مباشرة في بيروت، وعلى إجراء تحقيقات موازية من دون مناقشة العناصر الجرمية أو الأدلة مع الجانب اللبناني. كذلك يطالب الوفد القضائي الألماني تحديداً بالحصول على نسخة كاملة من كشوفات حسابات رجا سلامة التي سلمتها المصارف إلى النيابة العامة بواسطة مصرف لبنان، وهي عبارة عن ملف من آلاف الأوراق لم يتضح أن الأوروبيين حصلوا عليه بعد، رغم تأكيد جهات أمنية رفيعة بأن الملف سُرّب بطريقة غير رسمية.
الوفد الفرنسي، من جهته، يبدي اهتمامه بإجراء تحقيقات مباشرة مع عدد من الشهود والمشتبه فيهم خصوصاً في ما يتعلق بعمل شركة «فوري». وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة أن حاكم مصرف لبنان أرسل إلى قاضية التحقيق الفرنسية أود بورسي ملفاً ضمّنه «مستندات» تنفي عنه شبهة الاختلاس، ويبرر الزيادة التي طرأت على ثروته الشخصية. فأشار إلى عمله السابق في شركة «ميريل لينش» للأوراق المالية قبل تسلّمه منصبه، وأشار إلى أنه نظّم عام 1987 عقد عمل مع أديب ج.، بواسطة المحامي اللبناني ج. ش. أ، يؤمن أديب ج. بموجبه زبائن لسلامة مقابل 15% من العمولة التي كان الأخير يحصل عليها من العمليات التي كان ينفّذها لمصلحة «ميريل لينش». وأضاف أنه فتح لهذه الغاية ثلاثة حسابات في بنك الموارد أُقفلت عام 2019. وبحسب الرواية، قدّم سلامة تفاصيل حول ارتفاع قيمة عمولات العمليات المالية، وأرفق ذلك بكشف حساب من بنك الموارد نفسه (تلقى التحقيق اللبناني نسخة منه) يفيد بحركة الحسابات ويشرح كيفية نمو الرصيد إلى نحو 150 مليون دولار خلال أقل من 15 سنة.
المصادر أشارت إلى أن الجانب الأوروبي تعامل مع رسائل سلامة بكثير من الحذر، قبل أن يتثبّت من أن الحاكم يعمد إلى تضليل التحقيق، خصوصاً بعدما تبيّن وجود حسابات لسلامة وشركاه في مصارف عالمية في عدة دول أوروبية، وأن هناك حركة أموال من لبنان وإليه لم يُعرف أين انتهى مصيرها.
وفي ما يتعلق بطلب الاستماع إلى ممثلين عن 13 مصرفاً لبنانياً، أشارت المصادر إلى أن الجانب الفرنسي يريد التثبت مباشرة مما أدلى به هؤلاء في التحقيقات اللبنانية، مع إشارة إلى أن التحقيقات الأوروبية قد توجب العودة إلى عملية الهندسات المالية التي جرت في العام 2016، حيث توجد شكوك لدى القضاء الأوروبي بأن سلامة ومقربين منه حصلوا على نحو نصف مليار دولار عبر هذه الهندسات.
وقد استهلت الوفود الأوروبية مهمتها باجتماع عقدته مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، بحضور المحاميين العامين التمييزيين القاضيين عماد قبلان وميرنا كلاس، قبل أن تنتقل إلى القاعة العامة لمحكمة التمييز وتباشر الاستجواب داخلها، وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها قوى الأمن الداخلي في أرجاء قصر العدل، خصوصاً في الطابق الرابع وأمام القاعة العامة لمحكمة التمييز.
خير الدين وجشّي أمام المحققين
واستمعت الوفود الأوروبية أمس إلى إفادة النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري بصفة شاهد لمدة ساعتين ونصف ساعة، فيما تغيب الشاهد الثاني الموظف السابق في هيئة الرقابة على المصارف خليل آصاف وقدّم عذراً طبياً. ويتوقع الاستماع اليوم إلى رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين ونائب الحاكم السابق أحمد جشي فيما اعتذر شاهد ثالث لوفاة قريب، وذلك من لائحة شهود تضم ١٢ اسماً يُفترض الانتهاء من الاستماع إلى إفاداتهم في 20 الجاري، ليعقد اجتماعٌ تقييمي وتحديد موعد المرحلة الثانية.
وينقسم الملف إلى قسمين: الاول للاستماع لإفادات الشهود تتولاه القاضية ميرنا كلّاس بحضور قضاة لبنانيين بينهم القاضي عماد قبلان الذي يتولى مهمة الترجمة إن استلزم الأمر. والثاني للاطلاع على ملف رياض سلامة الذي يضم أكثر من 10 آلاف ورقة وُضعت في أربعة صناديق من الكرتون. وفي هذا القسم يعمل مدعيان عامان ألمانيان يرافقهما محققان مساعدان، انقسما إلى فريقين يحضر أحدهما إلى مكتب المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش للاطلاع على الأوراق ويمكثان من الثامنة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر لتدوين ملاحظات حول المستندات التي ينوون التقدم بطلب الحصول عليها، فيما يستمع الفريق الثاني إلى إفادات الشهود. وعلمت «الأخبار» أنّ اسم رياض سلامة وشقيقه ليسا من ضمن الأسماء التي سيُستمع اليها. وكشفت مصادر قضائية أنّه تبعاً لمعاهدة مكافحة الفساد لعام ٢٠٠٣ والتي صدّق عليها لبنان عام ٢٠٠٨ ، لا يوجد ما يمنع الوفد القضائي الأوروبي من الحصول على المستندات التي يُريدها، لكنّ المعاهدة تتضمن أنه يحق للبنان تحديد المستندات التي يمكنهم استخدامها. وعن سبب اشتراط حاموش الاطلاع على المستندات في مكتبه وبحضوره، تشير المصادر القضائية إلى أنه «قرار معنوي مرتبط بالحفاظ على ما تبقى من سيادة». وبناء على ذلك، تؤكد المصادر أنّ القضاء اللبناني سيوافق على طلب الوفد الأوروبي الحصول على نسخ لقسم من المستندات الخاصة بملف سلامة وشقيقه رجا وكشوف الحسابات المصرفية العائدة للأخير.