المديرون يتمتعون بعدد كبير من المميزات التي تأتي مع منصبهم، فهم يملكون السيطرة على الموارد، يتخذون قرارات مهمة، ويستمتعون برواتبهم الأعلى من غيرهم، بالإضافة إلى المحفزات الأخرى التي تمنح لهم، كما أنهم يملكون الفرصة للتواصل ونسج علاقات مع شخصيات في المجال نفسه أو خارجه سواء بالمنصب ذاته أو حتـى بمناصب أعلى داخل وخارج الشركة. رغم كل هذه المميزات فإنهم غير محصنين من الشعور بالغيرة، وهنا ليست موجهة إلى أعلى، أي تجاه الذين هم في مناصب أعلى، بل تنطلق نحو الأقل، أي باتجاه الموظفين الذين يشرفون عليهم.
واهتمت الدراست الحديثة وعلوم الإدارة بدارسة الغيرة بين زملاء العمل بشكل وافر كظاهرة منتشرة على نطاق واسع، أما غيرة المدير من الموظفين الذي يشرف عليهم لم تُدرس على نحو كافٍ، خصوصاً كيفية إظهار هذه المشاعر في مكان العمل.
ما هي غيرة المدير؟
الغيرة التي يشعر بها المدير تجاه الموظفين أو بعضهم تعرف على أنها «شعور مؤلم بالدونية يظهر حين يشعر المدير أن الموظف الذي يشرف عليه يملك صفات يتمنى المدير لو أنه يملكها».
الحسد على نحو عام تهديد للثقة بالنفس، أي أن الشخص يرى ذاته أنه «أقل» من غيره في مجال معين. ومن أجل التعامل مع هذا التهديد ولسد الفجوة بينه والشخص الذي يحسدونه يجرد الآخر من المميزات التي يملكها، أو يحاول يحاول الإرتقاء بنفسه إلى أعلى. المقاربة التي يتم اختيارها تعتمد على الطريقة التي يقيّم بها المدير الآخر الذي يحسده.
تجاه أي موظفين يشعر المدير بالغيرة؟
أجرت مجلة هارفرد بيزنس ريفيو دراستين حول غيرة المدير من الموظفين، وعلى فترة امتدت نحو أشهر عدّة طُلب من المديرين في شركات مختلفة القيام باستطلاعات للرأي من أجل قياس ثقتهم بأنفسهم وحسدهم تجاه الموظفين. ثم تم سؤالها عن الآلية التي يفسر بها المدير شخصية الموظف الدافئة، وذلك من أجل معرفة كيفية تفسيرهم للنوايا. كما وجه لهم أيضاً سؤالاً عن مفهومهم لكفاءة الموظف، وذلك من أجل معرفة ما إن كان المدير يظن بأن الموظف يملك القدرة على تنفيذ نواياه. في المقابل طُلب من الموظفين القيام باستطلاعات رأي تقيس نسبة القيادة السيئة.
غيرة المدير عادة تطال الموظف الذي يملك مهارات اجتماعية عالية، ويظهر خصال القيادة، ويطور علاقات جيدة مع الجهات العليا أو حين يكون الموظف مصدراً للأفكار الخلاقة. لكن هناك صفات أكثر دقة تحدد وبشكل دقيق أي نوعية من الموظفين تثير غيرة المدير وحسده.
في الدراسة تبين أن المدير يشعر بالغيرة والحسد والدونية من الموظفين الذين يملكون الكفاءات، وليس لامتلاكهم قدراً كبيراً من العاطفة والدفء، أي أنهم يملكون المهارات لكنهم منفصلون عاطفياً. وعادة ردة فعل المدير هنا تكون سلبية.
في المقابل المدير الذي يحسد ويغار من الموظفين الذين يملكون الكفاءات لكنهم يملكون شخصيات دافئة تكون ردة فعله إيجابية.
متى يستغل المدير منصبه «للنيل» من الموظف الذي يغار منه؟
في الحالات التي يشعر بها المدير بالغيرة من الموظف الذي يملك المهارات ولا يملك المشاعر فإن نسبة قيام المدير باستغلال منصبه مرتفعة جداً. فحين يشعر المدير بالتهديد فهو يحمي نفسه من خلال تدمير الأرضية الصلبة التي يقف عليها ذلك الموظف. أي ولأنه بموقع سلطة فهو يبدأ بتحويل حياة الموظف إلى جحيم، ويعتمد أسلوب الإدارة العدائي، رغم أن المقاربة هذه قد تؤثر عليه هو أيضاً بشكل سلبي.
في حالة الشخصية الدافئة التي تملك المهارات فإن ردة فعل المدير كانت تحسين الأداء الشخص الخاص به.. أي عوض «دفع» الموظف إلى أسفل قام المدير بالارتقاء بنفسه إلى أعلى.
أي مدير أكثر عرضة لاختبار الغيرة؟
المدير بشر في نهاية المطاف، واختبار هذه المشاعر من الأمور الطبيعية. لا أهمية للمنصب الذي يشغله الفرد ولا حتى مكانته الاجتماعية أو وضعه المادي فإنه في مكان العمل كل فرد يدرك تماماً بأن هناك شخصًا ما «أفضل» منه.. وبهذه الطريقة يصبح ذلك الشخص مهم جداً للمدير، وبالتالي إما يكون سبباً للارتقاء أو الانحدار. مقارنة النفس بالآخرين أمر طبيعي يقوم به الجميع، حتى الذين يملكون كل شيء.
طالما المشاعر تحت السيطرة ويتم توجيهها بشكل إيجابي يمكنها أن تخدم هدفاً يعود بالفائدة على الجميع. لكن أحياناً الأسباب نفسها قد تحول ما هو إيجابي إلى ما هو سلبي.
المشكلة الأساسية تظهر مع «مدير الصدفة» أو مدير بالحظ.. الذي لا يملك المهارات ولا خصال القيادة، وبالتالي ردة فعله سلبية على نحو مضاعف، لأنهم يقاتلون حتى الموت من أجل فرصة حصلوا عليها لن تتكرر.
التأثيرات الإيجابية والسلبية على المؤسسة
على الجهات العليا في أي مؤسسة كان التعامل مع هذه النقطة بجدية، في الواقع ربما عليهم الاعتراف بها أولاً ثم البدء بالتعامل معها تالياً. التأثير السلبي الأهم هو أن الموظف الذي ما يدرك بأن المدير هذا أو ذاك يحسده ويغار منه، سيبدأ بإخفاء خصاله الإيجابية وموهبته ومهاراته.
لكن، وهذه نصيحة لجميع الموظفين الذي يعانون من تداعيات غيرة المدير، لا يجب إخفاء المشاعر ولا الموهبة، والسبب هو أنه كما قلنا المدير يحسد الكفء الذي لا يظهر مشاعره، وبالتالي عندما تبدأ بإخفاء كل هذه الأمور أنت عملياً تجعل نسبة الغيرة التي يشعر بها المدير مضاعفة.
على المؤسسات تدريب المدراء على التعرف وفهم الغيرة كما يجب تعليمهم آلية التعامل مع المشاعر وما الذي يحفزها، بالتالي مساعدتهم على توجيه المشاعر السلبية نحو تحسين الذات.