هل يلجأ لبنان لإستعمال احتياط الذهب؟

هل من أيام أسوأ من الحاضرفي لبنان لأ ستعمال احتياط الذهب ؟ مهنا يحبّذ بيع جزء منه لتأمين خطوط تمويل مباشرة لقطاعات واعدة
بالتزامن مع كل الاقتراحات المطروحة للنهوض بالاقتصاد ال​لبنان​ي والغاء التعثّر المالي ، وبانتظار ان تتم عملية استرداد الاموال المنهوبة ، اقفال المعابر غير الشرعية، معالجة قضية الاستملاكات البحرية والنهرية ، معالجة التهرّب الجمركي وموافقة ​صندوق النقد الدولي​ على امداد لبنان بالقرض اللازم ، لا بد من اللجوء الى احد الحلول القابلة للتنفيذ بسرعة ، وهي تشكّل منفذا لتأمين ​السيولة​ وضخّها في السوق اللبناني وهي مرتبطة باستعمال احتياطي ​الذهب​ الذي يملكه لبنان .

يصفه البعض بانه “القرش الابيض لليوم الاسود “. وبالطبع، ليس هناك من سواد اكثر من سواد هذه الايام التي تجاوزت فيها نسبة الفقر في لبنان ال 50%، وحلقّت البطالة الى اعلى مستوى في تاريخ لبنان ، فوقفت المجاعة على ابوابه المفتوحة على مصراعيها لتدخل بدون اذن و استئذان الى حياة الآلاف من العائلات .

امتلك لبنان الذهب للمرّة الأولى عام 1948 بمقدار 1.5 طن وفق بيانات مجلس الذهب العالمي، بعد انضمامه إلى صندوق النقد الدولي عام 1947 والاعتراف بالليرة اللبنانية كعملة مستقلّة، بحيث تمّ فكّ ارتباطها بالفرنك الفرنسي، وحدّدت قيمتها بما يوازي 0.455 ملغ من الذهب، وسعر صرفها تجاه ​الدولار​ بـ2.20 ليرة.

نتيجة ذلك، شرعت الحكومات المتتا لية الى شراء الذهب لزيادة ​احتياطات​ المصرف المركزي. وكان لصدور أول قانون نقد لبناني عام 1949 دور أساسي في زيادة شراء الذهب، خصوصاً بعدما حدّد شروط إصدار العملة، على أن يكون 50% من قيمة ​النقد المتداول​ مغطّى بالذهب و​العملات​ الصعبة و50% منه بأوراق حكوميّة مختلفة، ونصّ على رفع نسبة التغطية الذهبيّة من 10% إلى 30% بين عامي 1949 و1952، فنشطت عمليّات شراء الذهب، وتجاوز معدّل التغطية الذهبية للنقد المتداول المعدّل المُحدّد قانوناً وبلغ نحو 90% عام 1954.

ترافق ذلك مع تحرير نظام القطع المُعتمد للعملات الأجنبيّة من أي ​رقابة​ عام 1952. واصبحت كل المعاملات بالعملات الأجنبية تجري بأسعار السوق الحرة، وبات نظام الصرف خاضعاً لعمليات العرض والطلب على العملة في السوق. في غضون ذلك ، لم يتخلَّ لبنان عن سعر الصرف الرسمي المربوط بالذهب الذي تم توافق عليه مع صندوق النقد الدولي، فيما اقتصرت استعماله على معاملات الدولة فقط. كما لم يتوقّف عن شراء الذهب إلّا في عام 1971 حين وصل مخزون الذهب إلى 286.5 طناً، أي بعد القرار المنفرد الذي اتخذته ​الولايات المتحدة​ والمعروف بـ”صدمة نيكسون” وقضى بفكّ ارتباط كلّ العملات العالمية بالذهب وفرض الدولار بديلاً للذهب كاحتياطي يغطّي قيمة العملات الأخرى . حينها صدر قرار عن المصرف المركزي قضى باعتماد سعر صرف متحرّك لليرة يجري تحديده نهاية كل شهر وفقاً للسوق، ويُستخدم لاحتساب مداخيل الدولة وإنفاقها بالعملات الأجنبية كافة. وحدّد سعر الليرة مقابل كلّ العملات الأجنبية باستثناء الدولار الذي ثبّت سعر صرف الليرة تجاهه بـ1507.5 منذ عام 1999.

لاشك ان قيمة الذهب العالية تعتبر اكثر ثباتاً من العملات الورقية المعرّضة لمخاطر تقلّبات أسعار الصرف، ما يجعله ملاذاً آمناً للأفراد والدول الذين يمتلكونه.

هل حان الوقت لاستعمال الذهب الي يمتلكه لبنان لحل جزء من التعثر المالي ؟وهل هو مسموح ؟ هل من حاجز امام ذلك ، خصوصا ان البعض تحدث عن منع ​اميركا​ لهذه الخطوة كما حصل في بلدان اخرى ؟ هل كل الذهب اللبناني موجود في اميركا ؟ لمن يعود قرار استعماله للحكومة بشكل مستقل ام لموافقة ​مجلس النواب​ ايضا ؟ في حال اتخذ القرار هل تستغرق ​آلية​ التنفيذ مدة طويلة؟

مهنا

​الخبير الاقتصادي​ والعميد الجامعي د. روك انطوان مهنا يقول ” للاقتصاد “: يحلّ لبنان بين الدول العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذاً على الذهب، فهو يملك نحو 286.6 طناً. وبسعر سوق الذهب الحالي تقريبا 16 مليار دولار .

كان استعماله يتم كضمانة للمودعين ، خصوصا قبل السبعينات ، عندما كانت العملات الوطنية تثّبت مقابل الذهب ، او قبل اتفاقية” بريتون وودز ” التي ثبتّت عملات أجنبية مقابل الدولار، وتم تحديد الدولار بسعر 35 دولاراً مقابل أونصة من الذهب .

اما اليوم ، فانه يشكّل دعما للثقة بقيمة العملة الوطنية كما يلعب دورا كعامل نفسي . وعام 1986، صدر قانون رقم 42 عن ​مجلس النواب اللبناني​ ، ينصّ على: “منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، بصورة استثنائية، مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة “، بهدف حماية الذهب ومنع وضع اليد عليه.

واليوم ، اي خيار لاستعمال الذهب او جزء منه ، او الأقتراض او الأستثمار بواسطته لمكافحة الانهيار المالي يتوّجب قانونا في مجلس النواب ، اي قانون جديد .

ويلفت الى ان جزءا كبيرا من الذهب موجود في “فورت نوكس” في ولاية كنتاكي في الولايات المتّحدة الاميركية ، وثمة معلومات انه بقيمة نحو 60% ، حيث نقل اليها لدواعي امنية بعد بداية الحرب الاهلية في لبنان عام 1975.

ويؤكد على امكانية استعماله ، واقراضه وفق احد الخيارات :

مقابل رهن دين تكون الفائدة مخفضّة بنسبة 1 % او نصف بالمئة.

تبادل عمليات مالية SWAP او التعامل به كأي عملة اجنبية .

وضعه كوديعة لدى ” بوليون بنك” Bullion Bank او Bank of International of Settlements مقابل فائدة مع توفير كلفة التخزين التي يتكلفها المقترض.

بيع جزء منه وهو الاجراء الأهم . الا انه لايجوز بيعه ليذهب هدرا بل من المفترض معرفة كيفية استعماله . وليس من المرّجح ابدا احتجازه . والمعلومات حول احتجازه في ​الولايات المتحدة الاميركية​ ليست دقيقة .

فالقانون يمنع حجزه لعدة اسباب :

اولا: يعتبر الذهب من ضمن الأصول السيادية ،والقانون اللبناني يمنع الاستيلاء عليها محليا او حتى دوليا .

واذا كان السبب هوعدم تسديد ​الدين الخارجي​ باليوروبوندز ، فمصرف لبنان يملك فقط نسبة معينّة بحدود 5 مليارات دولار من ال 3، 31 مليار دولار ، اما في الواقع ، ف​المصارف​ اللبنانية تملك النسبة الكبيرة من سندات اليوروبوندزاكثر من الضعفين . وهنا اذا ارادت هذه المصارف بامكانها رفع الدعوى .

ويشرح مهنا صعوبة احتجازه لأن المحاكمات في الأمور السيادية تستغرق اعواما طويلة .

فمثلا عام 2013 ، في ​الارجنتين​ صدر عن المحكمة قرار بعدم الاستيلاء على ذهب الارجنتين لأنها غير خاضعة لهذه الظروف .

ويسأل مهنا: لماذا لبنان اليوم وهو في اصعب ازمة مالية منذ انشائه لا يستعين بالذهب خصوصا وأن وجوده مخصّص لظروف مماثلة ؟ وهو خيار جيّد وهذا لعدة أمور منها :

ان مسألة الاقتراض او الاستثمار بموجبه تكون بفائدة واحد او نصف بالمئة . وهو ممكن بقسم معّين . وانا اؤيده.

ان بيع جزء منه ، وانا مع هذا الاتجاه ايضا ، بنسبة 10% لمدة 3 سنوات ، كل سنة بنسبة 10% من الستوك الموجود في الولايات المتحدة الاميركية لتأمين زهاء مليارونصف المليار دولار سنويا ، شرط ان تكون المبالغ خطوط تمويل مباشرة Credit Lines لقطاعات واعدة تساهم في تحفيز التصدير حيث يتم شراء ​الأسمدة​ ، والبذور لزراعات من خلال خط تمويل مباشر مع ​ايطاليا​ . وايضا ، شراء معدات وآلات ومستلزمات للصناعة عبر خط تمويل مباشر مع ​المانيا​ . هكذا نؤمن مليار ونصف المليار دولار مع دعم قطاعات انتاجية زراعية وصناعية وتكنولوجية وحتى سياحية ، سيما وانها قطاعات توّفر امولا من الخارج من خلال الصادرات اوالسياحة . كما يمكن تأمين جزء من ​الأمن الغذائي​ الوطني الى حين النهوض بالاقتصاد ،شرط مواكبة هذه الاجراءات مع خطة اقتصادية للنهوض وعملية اصلاحات جدية تضمن استعادة الثقة بما يؤمن الحصول على ​المساعدات​ الخارجية المضمونة . وبدون ذلك ، لا فائدة ابدا من بيعه لأنه سيذهب هدرا . والتجارب السابقة اثبتت ان كل ماتم بيعه ذهب الى زواريب ​القطاع العام​ بحكم ​المحاصصة​ .

اللجوء الى الذهب خيار سليم

وفق المواقف المسجلّة، يجمع معظم خبراء الاقتصاد على اهمية بيع احتياط الذهب في لبنان او حتى جزء منه ، في خطوة على طريق معالجة خدمة ​الدين العام​ المتفاقم .

ومن المعلوم ا ن تجميد ​احتياطي الذهب​ وقت ارتفاع أسعاره عالميا حرم لبنان من سداد جزء كبير من ديونه الخارجية.

كما أن قرار التجميد الذي صدر في 1986 حرم الدولة من التخلص من حوالي 98% من قيمة الدين العام في العام 1993 حين بلغ مستوى الدين قرابة 50 مليار دولار، فيما لا يغطي مخزون اليوم الا جزء قليل من إجمالي الدين العام.

قد يكون من اسباب التردد والتخوّف من ان تمسك المحاصصة على آلية البيع ،ولكن ذلك يوازي الخوف من الافلاس ايضا. فهل من يجرؤ على هذه الخطوة ؟

مصدررولى راشد - النشرة الاقتصادية
المادة السابقةأبو فيصل​: لإلغاء الرسوم الضريبية على المنتجات الغذائية المصنعة محليا
المقالة القادمةهذا سعر صرف الدولار في السوق السوداء