البيان الصادر صباح أمس عن نقابة الصرافين عن استمرار التداول بالدولار بأكثر من 4000 ليرة برغم اقفال كافة شركات الصرافة الشرعية، جاء متلازماً مع إعلان حاكم مصرف لبنان عن تأثر الدولار بعوامل العرض والطلب، ما طرح التساؤلات حول مدى قدرة السلطة النقدية (والامنية) على لجم السعر، ومدى إمكانية تطويق سوق الصرافة، والأهم: هل يمكن إقناع المودعين بصرف دولاراتهم خارج السوق الشرعي أو غير الشرعي، بدلاً من صرفها لدى المصارف التي تحتاج إلى المزيد من الدولارات لا سيما امام «القروض المتعثرة» في التحصيل أو المنخفضة في القيمة لا سيما بالدولار. علماً ان مجموع القروض العائدة للقطاع المصرفي بالدولار باتت كما يلي:
1 ـ دين للمصارف على الدولة يوروبوندز بـ15 مليار دولار هبطت قيمتها الى أقل من النصف.
2 ـ للمصارف لدى مصرف لبنان بالدولار 52 مليار شهادات ايداع و18 احتياطيات الزامية.
3 ـ تسليفات بالدولار للقطاع الخاص بـ30 مليار دولار.
موقع «لومبرغ» نقل عن مصدر حضر تداولات رجال المصارف مع المدعي العام التمييزي، رأى في التعديلات الرسمية على أسعار الصرف محاولة من الحكومة لمحاصرة «السوق السوداء» وجزءاً من خطة اعادة هيكلة الدين العام. ولو ان وزير المال سبق أن قال لـ«رويترز» «أن الحكومة ستُبقي على السعر الحالي كإحدى وسائل السيطرة على التضخم، مع امكانية النظر في اعتماد سياسة نقدية مرنة مستقبلا». في حين قالت وكالة التصنيف الدولي Moody`s Investor Service في تقريرها «أنها بصدد تقييم حجم الضغوطات على الليرة اللبنانية لمعرفة مدى امكانية وتأثيرات وقف دعم السعر الرسمي الحالي» (1507,50)، بينما اعتبر موقع «BloomBerg» أن وقف الدعم قد حصل عملياً بالفعل بدليل ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الموازية الى حدود كسرت أخيرا حاجز الـ4000 ليرة وبرغم كل الملاحقات الأمنية للصرافين غير الملتزمين بالسعر الذي تحدده تعاميم مصرف لبنان.
لكن ما هي تداعيات تعديل سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة؟
بعض أصحاب الودائع الدولارية حتى الكبيرة منها قد يبيعون دولارهم بالسعر المعتمد من المصرف بدلا من بيعه للصرافين. لكن البعض الآخر قد لا يكتفي بهذا المعدل ويستمر في بيع الدولار للصرافين (لا سيما لغير المرخصين) بالسعر الأعلى من السعر الرسمي المصرفي المقترح. حتى ان بعض الصرافين – وبعض المصارف – أمام شدة المنافسة، يخزنون المزيد من الدولارات للمضاربة بها مستقبلا بربح أكبر، وباللحاق بالسعر المتحرك دائماً صعوداً في السوق السوداء، وبما يعطل خطة مصرف لبنان بسعر أقل ورغم الرقابة والملاحقات. حيث منطق السوق، ولو كانت «سوداء»، هو الأقوى، لا سيما بغياب كميات كافية من الدولارات تمكن مصرف لبنان، من فرض سعر محدد كما هي العادة قبل الأزمة المصرفية الأخيرة، عندما كان مصرف لبنان يتدخل في السوق مدافعأً عن السعر المستقر عند الـ1507,50 ولو بأكلاف عالية كان يراها أقل من كلفة أي اضطرابات في سعر الصرف تلحق اضرارا بالغة بالقوة الشرائية للبنانيين، لا سيما ذوي الدخل المحدود منهم، وهي القوة التي ضمرت بسبب النقص المتواصل في وفورات الدولار لدى المصارف ومصرف لبنان.
مع أن هناك من يرى ايجابيات في تحرير سعر الصرف أو تعديله بما يوازي أو يقترب من السعر في السوق الموازية، منها ازدياد الطلب الخارجي على الصادرات وعلى الاستثمارات المالية والعائدات السياحية. وهذه مسألة أخرى حيث الصادرات الى الخارج، والاستثمارات والسياحة الى الداخل، ليست في لبنان بالحجم الكافي لتحقيق ايجابيات تصديرية او سياحية تفوق سلبيات انهيار سعر صرف الليرة امام الدولار وتأثيراته على القوة الشرائية المعيشية.