حدثان اقتصاديان شغلا أمس اللبنانيين، أضيفا الى همّ أمنهم الغذائي المهدّد جراء الحرب الأوكرانية. أولاً ارتفاع سعر صرف الدولار بقيمة نحو 3 آلاف ليرة بعد استقرار دون الـ21 ألف ليرة لأسابيع عدة، ما أثار المخاوف من وقف مصرف لبنان العمل بالتعميم 161 أو بدء رفع يده عن التدخل للجم ارتفاع الدولار، الأمر الذي سارع مصرف لبنان إلى نفيه، بالتوازي مع تأكيد مصادر مصرفية لـ”نداء الوطن” أن الدولار ومعه “صيرفة” (التي بلغت 20550 ليرة لبنانية) ارتفعا نسبة الى حجم التداولات التي جرت أمس ومن الممكن أن يعاود السعر تراجعه. أما الحدث الثاني، فتمثل بقرار هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بعد اجتماع عقدته الطلب “من جميع المصارف العاملة في لبنان ان تسلمها لوائح تتضمن أسماء من التزم من فئة الأشخاص المعرّضين سياسيًّا “PEP” من العملاء بالتعميم 154 وأعاد الى حساباته المصرفية في لبنان النسبة المطلوبة من الاموال في الخارج حسب التعميم المذكور”.
ويبدو ان هذا القرار وفق مصدر اقتصادي، جاء كنتيجة مباشرة للزيارة التي قام بها وفد الخزانة الأميركية الى لبنان منذ اسبوعين وتشديده على ضرورة التزام المصارف اللبنانية ومصرف لبنان بالقوانين الأميركية لجهة مكافحة تبييض الأموال وتطبيق قانون الإمتثال الضريبي للحسابات الخارجية (FATCA)، ووضع حدّ للاستنسابية في التحاويل الى الخارج.
فالتعميم رقم 154 الذي صدر في 27/8/2020 اي منذ عام ونصف العام لم يكتب له النجاح، اذ إنه لم يكن له الصفة الإلزامية، إنما اكتفى بحثّ المودعين الذين حوّلوا ما يزيد على 500 ألف دولار إلى الخارج، قبل 3 سنوات من تاريخ صدور التعميم (أي العام 2017)، على إعادة نسبة 15% منها إلى لبنان، وتجميد قيمتها لمدة خمس سنوات بحسابات خاصة منفصلة، على أن ترتفع هذه النسبة إلى 30% في حال كان المودِعون من بين رؤساء وأعضاء مجالس إدارة البنوك، أو من بين الـ (PEPs)، وهذا الشق لم تتعاون معه المصارف.
الى ذلك طالبت هيئة التحقيق في بيانها أن “يتم تبليغها بأسماء الممتنعين عن الالتزام بالتعميم 154 في فترة اقصاها نهاية شهر آذار 2022. وهذا يشمل أيضاً الايداعات النقدية التي تمت في الفترة الممتدة من تموز 2017 ولغاية نهاية شهر كانون الأول 2020 اذا كان المستفيد مصنفاً PEP”.
وعزا المستشار المالي والإقتصادي غسان شماس خلال حديثه الى “نداء الوطن” دواعي صدور هذا القرار اليوم عن هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان الى أمرين: مكافحة الفساد واستعادة بعض من التحويلات التي خرجت من البلاد، خصوصاً وأنه أتى على ذكر مكافحة الفساد، وهو مطلب من مطالب صندوق النقد الدولي.
والسبب الثاني، أنّ هذا التدبير في حال تم الالتزام به من شأنه أن يزيد الإحتياطيات لدى المصارف خصوصاً اذا كانت تلك الأموال التي ستعاد الى البلاد “كاش دولار”، مشيراً الى أن مصرف لبنان يضخّ يومياً ملايين الدولارات عبر “صيرفة” بنسبة وصلت الى اكثر من 90 مليون دولار ويحتاج بالتالي الى النقد بالعملة الصعبة للتداول بها”، ولفت شماس الى أن “كل من لا يمتثل ويردّ نسبة من الأموال التي حوّلها إلى الخارج بموجب نصّ التعميم سيحال الى لجنة مختصة للتحقيق بشبهة تبييض أموال”.
الى ذلك، قرّرت هيئة التحقيق في بيانها “تحديث بيانات الـ “KYC” للعملاء المعرضين سياسياً “PEP” بتاریخ 3 آذار 2022. وعلى المصارف ابلاغها اذا كانت هناك شكوك تستوجب الابلاغ عنها.
كما ستطلب هيئة التحقيق الخاصة من مؤسسات مختصة ان تقوم بتدريب موظفي “وحدات الامتثال” لدى المصارف اللبنانية مع التأكيد على ضرورة تعاون ومشاركة المصارف في الدورات التدريبية. وذكّرت بضرورة استيفاء التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان المعايير المطلوبة عالمياً، كما أكدت أنّ مصرف لبنان سيصدر تعميماً لتحديث مؤشرات الفساد وتحديد إجراءات إضافية على المصارف لاتخاذها بالنسبة الى العملاء المعرّضين سياسياً والذين يحوزون صفة الموظف العمومي، ما يعطي دفعاً للمصارف في الإبلاغ عن الإشتباه بالعمليات المرتبطة بالفساد في القطاع العام.