هيكلة القطاع العام… خفض الموظفين إلى الثلث

يترقّب اللبنانيّون التشكيلة الحكومية الجديدة وما تحمِله من أسماء، مُعوّلين على أنْ تكون على مستوى طموحاتهم وتحديداً في ما يتعلّق بالوزارات التي يُمكن توصيفها بالوزارات الخدماتيّة، نظراً للتخبّط الدائم طيلة العهود الماضية في تأمين متطلّبات واحتياجات المواطن عبر هذه الوزارات.

يصعب التنبؤ بمسار الأمور في المرحلة المقبلة على المستوى الاقتصادي، ولو أن العناوين التي طرحها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، وتلك التي أثارها رئيس الحكومة المكلف عقب تكليفه، تدعو إلى التفاؤل المبدئي، لكن ينبغي الانتظار إلى حين اختيار الوزراء المعنيين بالاقتصاد والبدء بالعمل على أرض الواقع، للحكم على الأمور بوضوح أكثر. ويتساءل البعض هل يكفي اختيار شخصيات مرموقة لكي نطمئن إلى أن الأمور ستمضي في مسارها الصحيح؟ وهل نستطيع أن نراهن على أن الحكم الجديد سينجح حيث فشلت الحكومات السابقة، لجهة إعادة هيكلة القطاع العام، وتحويل الإدارة إلى إدارة رشيقة ومنتجة؟

يرى الوزير السابق فادي عبود أنّ “الرئيس المكلف يتمتّع بالخبرة المطلوبة والتأييد الرسمي والشعبي غير المسبوق مؤخّراً، وبالتالي علينا انتظار الاتجاه الذي ستسلكه الحكومة. في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قمنا بتجربة ما يُسمّى بالتكنوقراط، لكن ما كانت النتيجة؟”، لافتاً إلى أنّه “لا يؤمن بالإدارات الاقتصاديّة بل نحتاج إلى وزراء اقتصاد وصناعة ونقل، لديهم الخبرة الميدانيّة ويعلمون كيفيّة دفع الرواتب في نهاية الشهر، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، يتعاملون مع الضمان الاجتماعي ويدفعون المتوجبات عليهم، يشترون ويصدّرون، لا وزراء يعيشون المشاكل نظريّاً”، موضحاً أنّنا “نعيش في بلد يصنّف نفسه كبلد ذي اقتصاد حرّ، لكنه يحوي على أعلى النسب في العالم من الاحتكارات على أشكالها وأنواعها، رسمية وخاصة. في مرفأ بيروت لجنة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت عمرها 35 سنة، تتقاضى ضرائب سياديّة وتصرفها كما شاءت دون أنْ تمرّ عبر وزارة الماليّة. نريد وزيراً يفهم أنّ هذه التركيبات لا يجوز أنْ تستمرّ”.

“وزراء تجارب”

ويتحدّث عبود عن تجربة سابقة له، “عملنا لسنوات وقمنا بـ “لوبيينغ” لتغيير قانون الوكالات الحصريّة. غيّرنا القانون وصدر قانون جديد، لكنه لم يُنفَّذ بل زاد الحصريّات ولم يُنقصها. ولذلك، إن لم يصل إلى القطاع العام أشخاص مُجرّدون ومجربون وناجحون في الشؤون الاقتصادية، أعتقد أننا لن نخلق فرقاً ولن ننجح. يجب أن نتعاون معاً بكل ما أوتينا من قوة لإنجاح هذا العهد وإنجاح رئيس الحكومة المكلف الذي يثق به الجميع، لكن دولة الرئيس ليس رجل اقتصاد، لذلك نتمنى في الشأن الاقتصادي أن يتم تعيين وزراء لديهم التجارب المطلوبة”.

“الحكومة الإلكترونيّة” و “الاقتصاد”

ويشير عبّود إلى أهميّة “الحكومة الإلكترونيّة”، مُعتبراً أنّ “على الحكومة الإلكترونيّة أنْ تشمل القوى العسكريّة والمدنيّة وكل مُوظفي الدولة على حدّ سواء، وأنْ يُصار مثلاً إلى تجديد جواز السفر في المطار بسهولة إلكترونيّاً وكذلك الأمر بالنسبة لسجل العدل وغيرها من الوثائق الرسميّة. كل الإجراءات الإداريّة المعتمدة عثمانية، أضاف عليها الفرنسيون لاحقاً تحسينات طفيفة، وتحتاج إلى تغيير سريع وعندها فقط يمكن البدء بتقليص عدد موظفي القطاع العام المدني والعسكري”.

وعمّا توفرّه هذه الخطوة اقتصاديّاً، يجيب: “يجب أنْ نقلص عدد الموظفين إلى الثلث، وهذا لا يحصل بين ليلة وضحاها. لكن يمكننا الاستفادة من خبرة الإمارات في هذا المجال لتعديل كل الإجراءات الإداريّة والذهاب باتجاه الحكومة الالكترونية، وعندها يُمكننا التحدّث جديّاً عن عملية توفير. في المقابل، المطلوب رفع رواتب من يبقى من الموظفين في القطاع العام لأنها بحاجة إلى إعادة نظر. المطلوب تخفيف العدد من جهة وإراحة الموجودين في القطاع العام وتغيير كل الإجراءات المعتمدة إلى إجراءات إلكترونيّة تمنع السرقة”.

ماذا عن البطالة؟

هل من المُمكن أن يؤدّي هذا الإجراء إلى البطالة، يُجيب: “نتحدّث عن اقتصاد جديد وتنميَة الاستثمار وخلق ثورة اقتصاديّة جديدة، ثورة صناعيّة. وبالطبع فتح ثلاثة مطارات مثلاً، وإنشاء شركة طيران منخفضة الأسعار وخلق صناعات جديدة وإنتاج كهرباء بكلفة معقولة وإيقاف محاربة الصناعة، هذه جميعها ستؤدّي حتماً إلى خلق فرص عمل”.

ماذا عن المواقع الشاغرة في الوزارات؟ يُجيب عبود: “المطلوب الشروع بإجراءات جديدة ومن ثم الحديث عن الشغور. عندما تتحوّل الوزارات إلى إلكترونيّة، يمكنها عندئذ أنْ تعمل بربع عدد موظفيها الحالي. مسألة الشغور مبنيّة على إجراءات إدارية عفا عنها الزمن”.

العلاقات مع الدول الخليجيّة

وأمّا في الشق المتعلّق بعودة العلاقات بين لبنان والدول العربيّة والخليجيّة، والتي تُعتبر أساس وعصب الاقتصاد اللبناني في المستقبل، والتي يُبنى عليها الكثير من الآمال، يُشدّد عبود على أنّ “هذه العلاقة هي أساس في مستقبل لبنان الاقتصادي. مرفأ بيروت مثلاً مع إقفال باب المندب، يجب أنْ يكون المرفأ المُعتمد من كل دول الخليج لصادراتهم واستيرادهم من وإلى أوروبا. يجب أنْ تنتقل هذه البضائع إلى لبنان برّاً، أكان للتصدير أو الاستيراد، وهذا أساس في إعادة تكوين اقتصاد منتج في لبنان. لدى الرئيس المكلف خبرة دبلوماسيّة واضحة، وبالتالي أعتقد أنّه يُمكنه أن يلعب دوراً قويّاً وسريعاً. حتى اليوم بالرغم من تغيّر النظام في سوريا لم تحل مسائل رسوم الترانزيت، والتأخير ما زال قائماً وبالتالي من المُفترض على وزير النقل الجديد أنْ يسعى عاجلاً إلى حلها”.

أخيراً، يرى عبود أنّ “علينا أن نفهم كلبنانيين بكل طوائفنا ومذاهبنا وأحزابنا أنّ المقاطعة من أي جهة كانت ولأي فريق لن تنفع، ليس هكذا تُبنى الأوطان. من المُفترض أنْ نحل كل هذه المشاكل وننتقل حقيقة إلى ورشة إعادة إعمار بكل ما في الكلمة من معنى. طبعاً هناك أمل وهذا شعب لبناني لا يموت”.

مصدرنداء الوطن - رماح هاشم
المادة السابقةخارطة طريق تُعزّز الشراكة بين لبنان وفرنسا
المقالة القادمةقرض البنك الدولي… مسار طويل قبل الإقرار