ينهض لبنان أخيرًا من أزمته بعد وقف إطلاق النار والعودة إلى الحياة مجددًا. فبعد محاولات إسرائيل الفاشلة بزرع اليأس في قلوب اللبنانيين، تردّد على ألسن العديد من المواطنين العزيمة والنهوض والإصرار للحياة. وفي الوقت الذي استهدفت فيه إسرائيل العديد من البلدات اللبنانية، تسترجع مناطق أخرى قوّتها وعزيمتها للبقاء، تمامًا كأسواق بعلبك وزحلة والبترون. ما سيؤدي إلى التخفيف من حدّة المخاوف الجيوسياسية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي منذ اندلاع الصراع عام 2023.
ويعتقد محللون أنّ تهدئة الوضع بين إسرائيل ولبنان، يمكن أن تهدئ الوضع العام في الشرط الأوسط ككلّ، ممّا قد يفتح جهودا ديبلوماسية أوسع، خاصّة في ظل المبادرات الدولية لإعادة ترتيب الأولويات الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
المصانع تعرضت لأضرارٍ كبيرةٍ
وفي السياق، يؤكد نقولا أبو فيصل رئيس تجمّع الصناعيين في البقاع للدّيار، أنّ معظم المصانع قد تعرّضت لأضرارٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ نتيجة القصف، ما يؤدي إلى إغلاق بعضها بشكل مؤقت أو دائم، مما يؤثر في ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا في منطقة البقاع اذ يوجد حوالى 1100 مصنع تشكل 65% من إنتاج الغذاء المحلي في كل لبنان.
كذلك أثّرت الغارات الجوية في البنية التحتية وسلاسل الإمداد، ما أدّى إلى تعطيل الإنتاج في مصانع عديدة كانت تواجه صعوبات بالفعل. وقد أُجبر العديد منها على إيقاف عملياتها بسبب الظروف الأمنيّة وانقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، وإغلاق المعابر الشرعية بين لبنان وسورية في مناطق المصنع والجوسة وفليطا، مما زاد من تعقيد استمرارية العمل في هذه المنشآت.
أمّا المصانع التي استطاعت الاستمرار، فهي تعمل بطاقات إنتاجية منخفضة بسبب تعقيد سلاسل الإمداد، وفقدان اليد العاملة واستبدال عمّال لبنانيين بعمّال سوريين نتيجة نزوح المواطنين من قراهم، وارتفاع تكلفة النقل والمواد الخام، بالإضافة إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.
الأزمة تشمل التجارة والصناعة والسياحة
بحسب “الدولية للمعلومات”، خسرت المؤسسات التجارية والسياحية والصناعية نحو 520 مليون دولار، بينما تكبد القطاع الزراعي خسائر بقيمة 920 مليون دولار. أمّا الخسائر غير المباشرة للحرب والناتجة من تراجع الاقتصاد، قُدّرت بنحو 4.2 مليارات دولار. كما تضرّرت حوالي الـ15 ألف مؤسسة بشكل جزئي أو كليّ يعمل فيها نحو 250 ألف موظف وعامل توقفوا عن العمل، وهؤلاء قد يعودون الى العمل في المؤسسات التي ستعود اليها الحياة، بينما يجب الانتظار لأسبوعين على أقل تقدير لإجراء المسح ببقية المؤسسات والعمال.
وبحسب آخر دراسة أجرتها صحيفة “فايننشال تايمز البريطانية”، فإنّ معظم قطاعات الاقتصاد اللبناني قد توقّفت عن العمل، وإذا استمر الصراع لنهاية 2025 هناك توقعات بانكماش بنسة 20% في العام المقبل.
ويلفت التقرير إلى أنّ لبنان منذ عام 2019، عانى من انهيار بنسبة 98% في قيمة العملة المحلية وأزمة مصرفية وفساد وسوء إدارة مالية وكورونا وانفجار مرفأ بيروت. وبدلًا من النمو بنسبة 0.9% الذي توقه البنك الدولي سابقًا، يتوقع البنك الآن أن ينخفض نمو النتاج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% هذا العام. وكان النتاج المحلي قد انكمش بالفعل بنسبة 34% عاك 2019.
ووضّح التقرير أنّ المنطقة الأكثر تضررًا، هي جنوب لبنان. وهي غنية ببساتين الزيتون والموز وأشجار الحمضيات. ويقدّر البنك الدولي خسائر القطاع الزراعي في لبنان بنحو 1.1 مليار دولار.
الاقتصاد اللبناني في حالة احد الخبراء الاقتصاديين ، يؤكد في حديثه للدّيار، أنّ الاقتصاد اللبناني أصبح في حالة الانهيار والإفلاس في أواخر العام 2019. وأعلنت الدولة اللبنانية في آذار 2020 التوقف عن دفع ديونها، وبالتالي أصبح لبنان بحكم الدولة المُفلسة. وتراكمت المشاكل خلال هذه السنوات، أي ما قبل اندلاع الحرب، بحيث إنّ الحكومة المسؤولة بدل أن ترسم خطّة للهروب من الانهيار بقيت في موقع “المتفرّج”.
وأمضينا خمس سنواتٍ تقريبًا من دون أي خطة للحدّ منها، وبالتالي كانت الأزمة في حالة تفاقُم وكنا في حالة تضييع فرص النمو والإزدهار. ولا يزال البلد حتّى الساعة من دون قطاع مصرفي. هذا القطاع الذي كان يعمل في الحدّ الأدنى، لكنه لا يمارس دوره الطبيعي على أيّ حال وحجم الناتج المحلي انخفض بحوالى الـ55 مليار دولار قبل الانهيار عام 2019 ما يوازي الـ 20 او الـ21 مليار دولار قبل اندلاع الحرب.
ما بعد اندلاع الحرب…
ويتابع: لمسنا الانهيار الكامل مع اندلاع الحرب، وشهدنا تداعياتها من حيث الخسائر والأضرار الكبيرة التي تسببت بها. وحجم الاقتصاد ممكن أن يكون انخفض بنسبة تتراوح ما بين الـ15 والـ20% بما يعني أنّه من الممكن أن يكون حجم اقتصادنا اليوم 18 مليار دولار وهذا الحجم يعتبر بمنزلة الكارثة لأنه لا يستطيع أن يخدم الدولة لكي تقوم بواجباتها. وهنا المشكلة الكبيرة.
ويشير إلى أنّ مستقبل الاقتصاد اللبناني برتبط ارتباطًا وثيقًا بالمشهد السياسي الذي سيرتسم بعد انتهاء الحرب، سيّما أنّ اتفاق وقف النار له مدّة صلاحية. فكيف ستسير الأمور؟
إذا وصلنا إلى مشهد دولة ذات سيادة مكتملة، وإلى مشهد دولة تكافح الفساد وتنجز الاصلاحات المطلوبة، من البديهي أنّ اقتصادنا بلحظة سريعة سيمد جسوره مع الدول العربية بما في مقدمتها الدول الخليجية، وسيضمن المساعدات المالية من الدول الاوروبية. وحينئذ سنكون بمكان آخر اقتصاديًا من هنا لـ3 سنوات.
أما في حال بقي الوضع سيئا كما هو اليوم، سيبقى مناخ الفساد كما هو عليه اليوم، وبالتالي لا مساعدات من الخارج وسنشهد انهيارًا ماديًا مع تداعيات الحرب الكبرى.