وثائق مسرّبة تكشف أزمة ثقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول ملفات جلّها اقتصادية

تظهر برقيات دبلوماسية مسربة، حصلت عليها صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، تراجع ثقة الاتحاد الأوروبي، برئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون. ويتزامن ذلك مع إعادة فتح مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في لندن، فضلاً عن التحذير الذي وجّهته، أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية إلى بريطانيا لاحترام القانون الدولي.
وبينما كان مكتب رئيس الوزراء يكافح يوم الاثنين، للسيطرة على الأضرار الناجمة عن هذه الإفصاحات، التي تشير إلى أن بريطانيا تتراجع عن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها العام الماضي، لتجنب الحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا، نشرت رئيسة المفوضية الأوروبية على موقع تويتر: “أثق بأن الحكومة البريطانية ستنفذ اتفاقية الانسحاب، وهو التزام بموجب القانون الدولي وشرط أساسي لأي شراكة مستقبلية”.

وأضافت: “بروتوكول أيرلندا / أيرلندا الشمالية ضروري لحماية السلام والاستقرار في الجزيرة وسلامة السوق الموحدة”.

وبموجب بروتوكول أيرلندا الشمالية، سيتعين على هذه المقاطعة البريطانية اتباع بعض قواعد الاتحاد الأوروبي بعد الفترة الانتقالية اللاحقة لبريكست من أجل ضمان عدم وجود حدود مادية وتجنب عودة التوتر في هذه المنطقة التي شهدت نزاعا دمويا استمر ثلاثة عقود.
ويأتي هذا الخلاف حول الخطط التي يمكن أن تقوّض القوة القانونية لأجزاء من البروتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية، في الوقت الذي كشفت فيه البرقيات المسربة التي اطلعت عليها صحيفة “ذا غارديان”، الشكوك المتزايدة في بروكسل، بشأن دوافع واستراتيجية بريطانيا. حيث قالت المصادر، إنها تضرّرت بشكل أكبر جرّاء التطورات الأخيرة.
وتشتبه البرقيات التي أرسلت إلى عواصم الاتحاد الأوروبي من بروكسل في الأيام الأخيرة، بأن جونسون امتنع عن التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا الرئيسية العالقة، المتعلقة بمصايد الأسماك ومساعدة الدولة وحل النزاعات، بهدف المقايضة في اللحظة الأخيرة.

وقد وصف المسؤولون في فريق كبير مفاوضي بريكسيت، ميشيل بارنييه، هذه الاستراتيجية بأنها “مثيرة للقلق” نظرا لتعقيد القضايا. وقال مسؤول في المفوضية لدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، إنّه لن يكون من السهل تسوية هذه النقاط، بمجرد مكالمة هاتفية بين القادة، وعلّق :”لقد فات الأوان”.
كذلك، تضمنّت البرقيات، قلق المفوضية الأوروبية، من وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، من احتمال محاولتها الالتفاف حول بروكسل، لفتح مفاوضات جانبية بشأن الأمن الداخلي. وذلك بعد دعوة وزراء من أكبر خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اجتماع في لندن في 22 سبتمبر/أيلول. لذلك، طلب مسؤولو المفوضية من هذه العواصم، عدم الموافقة على أي مقترحات بريطانية يتم تقديمها هناك.
واتُّهمت المملكة المتحدة مؤخرًا، “بإدخال مفهوم جديد” في المفاوضات، حول الوصول إلى المياه البريطانية لأساطيل الصيد الأوروبية، التي بموجبها تم تصنيف “80% من المخزونات المشتركة” على أنها “مخزون ذو أولوية”، مما يسمح للصيادين البريطانيين، بالحصول على الحصّة الأكبر.
ولفتت البرقيات أيضاً إلى شكوك المفوضية، أن يكون داونينغ ستريت (مقر رئاسة الحكومة البريطانية)، وراء سلسلة المقالات المناهضة للاتحاد الأوروبي في الصحافة البريطانية. واستشهدت بتقارير تتهم بروكسل بالتعنّت مباشرة قبل الجولة الأخيرة من المحادثات. ووصفت اللجنة المحادثات الأخيرة بين بارنييه وكبير المفاوضين البريطانيين، ديفيد فروست ، بأنها “مخيبة للآمال”.
وعلى ما يبدو، لا تبشّر هذه الاكتشافات، بإيجابيات للجولة الأخيرة من المفاوضات، التي تبدأ في لندن اليوم الثلاثاء، حيث أكد فروست مساء الاثنين أنه يجب على الجانبين “إحراز تقدم هذا الأسبوع، إذا أردنا التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب”.
وعلى الرغم من أن فروست، حثّ الاتحاد الأوروبي على إظهار المزيد من الواقعية حول وضع بريطانيا كدولة مستقلة، بيد أنّه عشية المحادثات، هيمنت عليها تداعيات المقترحات الواردة في “مشروع قانون” السوق الداخلي للحكومة، المقرر نشره يوم الأربعاء.
ويواجه مشروع القانون، الذي يزعم معارضوه، أنه سيلغي أجزاء رئيسية من اتفاقية الانسحاب، أصواتاً معارضة، انضمّ إليها حديثاً، المستشار السابق عن حزب المحافظين، فيليب هاموند، ووزير العدل السابق ديفيد جوك.
وقال جوك، إن الحكومة ستتخذ مخاطر غير عادية، إذا سعت لتغيير البروتوكول من جانب واحد من خلال مسودة قانون، من المقرر نشرها يوم الأربعاء.
كما حذر قادة الأعمال التجارية، من أن الاتفاق على صفقة مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ضروري لعودة الانتعاش الاقتصادي لبريطانيا وحمايته من تفشّي فيروس كورونا، ولتجنب ارتفاع الأسعار في المتاجر على المستهلكين البريطانيين.

علاوة على ذلك، حذر المصنّعون من أن مخزونات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد استنفدت خلال فترة الإغلاق بسبب كوفيد 19، وأن العديد من الشركات نفدت من السيولة والوقت، للاستعداد لمغادرة الاتحاد الأوروبي. كما حذر تجار التجزئة من أن أسعار المواد الغذائية والمشروبات، قد ترتفع بسبب الاضطراب على الحدود وفرض الرسوم الجمركية وتراجع الجنيه الإسترليني.
وفي هذا السياق، قال، أندرو أوبي، مدير الغذاء والاستدامة في اتحاد التجزئة البريطاني: إن مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، سيكون أسوأ نتيجة للمستهلكين، لأنّه سيضيف مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من الرسوم الجمركية على تكلفة المواد الغذائية في المتاجر البريطانية، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويضر بشكل غير متناسب بالأسر الأكثر فقرا.
وانخفض الجنيه الإسترليني يوم الاثنين، بنحو 1% مقابل الدولار الأميركي، ليتداول دون 1.32 دولار، وانخفض بمقدار مماثل مقابل اليورو إلى ما دون 1.12 يورو في أسواق العملات العالمية.

وطالبت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بالتحلي “بمزيد من الواقعية” قبل بدء مفاوضات حاسمة بشأن العلاقة التجارية بين الجانبين لمرحلة ما بعد بريكست الثلاثاء، في ظل أجواء عكّرت صفوها التقارير التي تفيد بأن لندن تريد إعادة صياغة اتفاق وقعه الطرفان في وقت سابق.

وقال ديفيد فروست كبير مفاوضي رئيس الوزراء بوريس جونسون “علينا إحراز تقدم هذا الأسبوع” إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية الفترة الانتقالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أفاد قبل المحادثات المقررة الثلاثاء مع كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن ملف بريكست ميشال بارنييه في لندن “نحتاج إلى رؤية المزيد من الواقعية من الاتحاد الأوروبي بشأن وضعنا كدولة مستقلة”.

وأضاف “إذا لم يتمكنوا من القيام بذلك في الوقت المحدود للغاية المتبقي لدينا، فستكون التجارة بيننا مبنية على شروط كتلك التي بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، ونحن نعمل على تكثيف استعداداتنا لنهاية العام”.

ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود منذ أشهر بسبب مسائل مثل مدى وصول الاتحاد الأوروبي إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة ومساعدات الدولة وشروط التنافس العادل. ويقول الجانبان إنه يجب التوصل إلى اتفاق خلال قمة الاتحاد الأوروبي في منتصف تشرين الأول/أكتوبر.

لكن ساد قلق في بروكسل بعدما أوردت صحيفة “فايننشال تايمز” أن الحكومة البريطانية ستقدم الأربعاء مشروع قانون “من شأنه أن يلغي” النطاق القانوني لبعض أجزاء الاتفاق الذي حدد الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني/يناير، بما في ذلك القواعد الجمركية في أيرلندا الشمالية.

وخرجت المملكة المتّحدة رسميّا من الاتّحاد في 31 كانون الثاني/يناير، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء تاريخي طبع نهاية حوالى خمسين عاما من العضوية في التكتل، لكنّ القواعد الأوروبية لا تزال تُطبّق في المملكة حتّى 31 كانون الأول/ديسمبر، في وقت يحاول الطرفان التوصّل إلى اتّفاق للتجارة الحرّة.

مصدرالعربي الجديد - كاتيا يوسف
المادة السابقةبدء التشغيل التجريبي لأكبر مركز لوجستي متكامل في السعودية
المقالة القادمةنعمة: الاسعار ستنخفض بشكل قوي في الفترة المقبلة