كثرت عمليات سرقة الفيول من منشآت نفط طرابلس، من دون اتخاذ الجهات الوزارية والقضائية تدابير الحماية، رغم علم الجميع بتكرار هذه العمليات، وباحتمالات حصول أخرى في المستقبل. ومع أن وزارة الطاقة هي المسؤول الأوّل عن المنشآت بوصفها وزارة الوصاية، تقول بشكل غير مباشر، بأن المسؤولية تقع على جهات أخرى، ومنها مجلس الوزراء ووزارة الدفاع والنيابة العامة المالية والنيابة العامة التمييزية. ففي بيان للوزارة، يوم الأربعاء 16 تشرين الثاني، كشفت الوزارة عن جملة من الكتب والشكاوى القضائية التي لم تأتِ بأي نتائج إيجابية.
متورّطون جدد
قرَّرَ وزير الطاقة وليد فياض إقفال المنشآت إثر حادثة سرقة المازوت الآخيرة. واعترض موظّفو المنشآت على القرار الذي يظهرهم وكأنهم متّهمون بالسرقة التي حصلت خارج حرم المنشآت، “وحتى وإن لم يوجّه الوزير اتهامه للموظفين بشكل مباشر، فإن الإقفال من دون إجراءات تحمي محيط المنشآت وخطوط الأنابيب، هو اتهام غير مباشر، لأن المشكلة خارج المنشآت، فيما اللوم بنظر الوزير، يقع على الداخل”، وفق ما تقوله مصادر في المنشآت، والتي تضيف في حديث لـ”المدن”، أن الوزير “لم يقم بإجراءات عملية، رغم تقديم الموظفين اقتراحات له، من بينها تغيير طريق مرور الأنابيب، من البداوي إلى دير عمار”، ولم يبت بالأمر.
ومع ذلك، حسناً فعلت الوزارة بجرِّ كل الجهات المعنية إلى المستنقع، رافضة تحميلها منفردة مسؤولية السرقات وإيجاد الحلول. وأوضحت أن قرار الإقفال أتى “بعد انعدام السبل أمنياً وقضائياً، لإنهاء ظاهرة التعدي على المنشآت وسرقتها، وبعدما تبين أن كل التدابير والشكاوى التي اتخذتها حتى الآن، لم تنهِ ظاهرة التعدي المتواصل وربما المنظم على المنشآت ومحتوياتها وسرقتها، وكان آخرها سرقة 95 ألف ليتر من مادة الديزل أويل الأسبوع الماضي”.
لا إجراءات للحماية
لفت النظر الذي قامت به الوزارة إلى احتمال وجود اعتداءات منظّمة على المنشآت، يعني وجود مَن يحمي المعتدين. وبالتالي، فإن الاجراءات القضائية والأمنية، بعيدة المنال.
ولإحراج الجميع ودفعهم للتحرّك، كشفت الوزارة أنها “لم تتردد في تقديم عشرات الشكاوى القضائية منذ 21 تشرين الأول 2021 وحتى اليوم”. ومن بين الخطوات “كتاب صادر إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء طالباً تأمين الحماية الأمنية لخطوط منشآت النفط حتى الحدود السورية وذلك في 21 تشرين الأول 2021. كما تم إرسال كتب على مدى الأشهر اللاحقة إلى وزارة الدفاع الوطني والأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، وصولاً إلى صدور قرار عن مجلس الوزراء في 10 آذار 2022 بتشكيل لجنة برئاسة وزير الدفاع الوطني لوضع تصور لخطة حماية المنشآت”.
على أن الاجتماعات مع الجهات الأمنية، خلصت إلى عدم القدرة على تغطية كامل المساحة وإجراء الحماية لفترات طويلة.
النيابتان العامتان التمييزية والمالية كان لهما حصة من الشكاوى. فالمديرية العامة للنفط “تقدمت بشكوى مباشرة أمام النيابة العامة التمييزية في شباط 2022. وكذلك “تم التقدم بشكاوى بموجب محاضر فورية بإشراف النيابة العامة الإستئنافية في الشمال وبلغ عدد الشكاوى 16 شكوى. وتم تقديم 5 شكاوى أمام النيابات العامة الاستئنافية والمالية بجرم التعدي على الأنابيب وإحداث ثقوب وسرقة محتوياتها والخلع والكسر وسرقة محروقات، ومن ضمنها سرقة 94 ألف ليتر ديزل أويل بين 1 و6 تشرين الثاني 2022، بعد سرقة نحو 126 ألف ليتر من المادة نفسها في أواخر تشرين الأول 2022، فضلاً عن احداث ثقوب في أنابيب 8 إنش وسرقة نحو 155 ألف ليتر مازوت منها”.
أيٌّ من الجهات المذكورة لم يتحرَّك في السابق. فوجدت وزارة الطاقة أن القرار الأنسب هو إقفال المنشآت “ريثما تتخذ اجراءات أمنية اكثر فعالية لحمايتها”. لكن مَن لم يتّخذ اجراءات في السابق، مَن سيلزمه على اتخاذ إجراءات في حاضر لا ينتظم فيه عمل أيّ سلطة؟ تتخوَّف المصادر من أن يطول أمد الإقفال ويتأثّر عمل المنشآت سلباً. لكنها في الوقت عينه، لا تقفل الباب أمام “تسوية من نوع ما، تقضي بتهدئة التعديات والتخفيف من حدّة التجاذبات السياسية حول المنشآت وعملها”. وتلك التسوية المفترضة، لن توقف السرقة، ولذلك، فإن قرار الوزارة بالإقفال المؤقّت، ربما ضروري، لكن ارتداداته السلبية -للأسف- أكثر من الإيجابية.