وزارة الماليّة تعيد حساباتها: التصحيح الضريبي متسرّع

لم يكن هناك مهرب من إجراء التصحيح الضريبي، المتصل بأسعار صرف الدولار الجمركي وضريبة الدخل. فتسديد هذه الرسوم على سعر الصرف الرسمي القديم كبّد الخزينة على مدى السنوات الثلاث الماضية خسائر كبيرة، كما حال دون رفع مداخيل الدولة بالعملة المحليّة، بالتناسب مع تراجع قيمة الليرة في السوق الموازية. ولهذا السبب، ينطوي التهجّم على أصل فكرة التصحيح الضريبي على شعبويّة وخفّة في مقاربة هذا الملف، خصوصًا إذا جاء هذا الهجوم من بعض شرائح التجّار، الذين استفادوا من تسديد الضريبة للدولة وفق سعر الصرف الرسمي، مقابل تحصيلها من الزبائن كنسبة من أسعار السلع بالدولار.

لكن في الوقت نفسه، بات من الواضح أن وزارة الماليّة ارتكبت بعض الأخطاء في طريقة تطبيق هذا الإجراء، وخصوصًا في ما يتصل بكيفيّة تحديد شطور ضريبة الرواتب المدولرة. وهذا تحديدًا ما دفع الوزارة للعودة إلى مراجعة قراراتها المتصلة بضريبة الدخل، في ضوء مفاوضات تجري مع الاتحاد العمّالي العام.

كما كان من الواضح أن ثمّة ثغرات كبيرة انطوت عليها طريقة تعديل الدولار الجمركي، بفعل الضغوط التي مارسها المستوردون خلال فترة إعداد الموازنة. إلا أنّ هذه الثغرات سترافق تطبيق سعر الصرف الجمركي الجديد، إلى حين إعداد موازنة 2023، بغياب أي توجّه لإعادة النظر بهذا الجانب من القرارات الضريبيّة الأخيرة.

ثغرات تعديل سعر صرف ضريبة الدخل

كما بات معلومًا، أعدّت وزارة الماليّة شطورًا جديدة لضريبة الدخل، تبدأ من حدود ال4% وترتفع لغاية 25%. كما قررت الوزارة اعتماد سعر صرف المنصّة لتسديد قيمة ضريبة الدخل على الرواتب المدولرة، بدل اعتماد سعر الصرف الرسمي القديم كما كان يجري سابقًا. إلا أنّ القرار يشوبه اليوم بعض الثغرات، التي يجري التفاوض حولها بين وزارة الماليّة والاتحاد العمّالي العام، ومنها:

– تم إعداد الشطور، التي سيتم على أساسها تحديد نسبة الضريبة التصاعديّة، بالليرة اللبنانيّة. فيما سيتم تقدير قيمة الرواتب المدولرة بالليرة، وبحسب سعر المنصّة، من أجل تحديد الشطر ونسبة الضريبة المتوجبة على الراتب. بهذا المعنى، سترتفع قيمة الرواتب المدولرة، عند احتسابها بالليرة، بمجرّد تسجيل أي انخفاض إضافي في سعر صرف المنصّة. وهكذا، سيكون راتب الموظّف قد انتقل إلى شطر أعلى، ونسبة ضريبة أعلى، دون أن تكون القيمة الفعليّة للراتب بالدولار قد سجّلت أي ارتفاع فعلي.

– سيُفرض على العامل تسديد ضريبة الدخل وفقًا لقيمة الدولار، بحسب منصّة صيرفة، وبعد التصريح عن كامل قيمة الراتب لوزارة الماليّة. إلا أنّ الإجراءات الجديدة لا تفرض على أرباب العمل تصحيح القيمة المصرّح عنها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي يسدد على أساسها أرباب العمل الاشتراكات للصندوق.

– بعض شطور ضريبة الدخل على الرواتب المحدودة تتحمّل نسبة ضريبة مرتفعة، تفوق مثيلتها بالنسبة لأرباح الشركات، والمثبّتة عند حدود ال17%. مع الإشارة إلى أنّ نسبة هذه الضريبة بالنسبة للشركات تبقى عند هذا الحد، حتّى لو سجّلت الشركة أرباحًا بملايين الدولارات شهريًّا.

– سيتم تحميل قيمة الرواتب ضريبة الدخل وفقًا لسعر المنصّة، فيما سيتم تحميل المستوردين وأرباب العمل الدولار الجمركي وفقًا لسعر لا يتجاوز الـ 15 ألف ليرة للدولار (نصف سعر صرف ضريبة الدخل للرواتب).

تعزيز العمالة غير النظاميّة

من المعلوم أن السوق اللبنانيّة تعاني من اتساع رقعة العمالة غير النظاميّة (غير المصرّح عنها للسلطة الضريبيّة)، والتي تتجاوز نسبها في سوق العمل حدود الـ 80%، فيما يسهّل توسّع الاقتصاد غير الشرعي ارتفاع هذه النسبة بشكل إضافي. مع الإشارة إلى أن هذه النسبة ارتفعت مؤخرًا بفعل تراجع القيمة الفعليّة لتغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتهاوي قيمة تعويضاته، ما أفقد العمّال والموظفين الحافز الأساسي للتصريح عن رواتبهم والبقاء في صفوف العمالة الشرعيّة.

أمّا اليوم، ومع تطبيق هذه الزيادة الضريبة، دون ربطها بتصحيح رسوم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ودون ربطها بخطّة لإعادة الانتظام لميزانيّة هذا الصندوق، فمن المتوقّع أن تكون النتيجة المزيد من التهرّب الضريبي، عبر نزوح نسبة إضافيّة من العمال إلى نطاق العمالة غير المنظمة. كما ستساهم جميع الثغرات الموجودة في هذه القرارات، ومنها عدم عدالة الشطور الضريبيّة، بتعزيز هذا التوجّه.

المصادر المتابعة لمفاوضات وزارة الماليّة والاتحاد العمالي العام تشير إلى أن التوجّه هو لتعديل الشطور الموجودة في القرارات، عبر توسعة نطاق كل شطر وتخفيض الضريبة المطبّقة عليه. وبهذه الطريقة، لن يسهم أي تدهور في سعر صرف المنصّة بارتفاعات سريعة في نسبة الضريبة المطبقة على الراتب، كما هو الحال اليوم، وفقًا للقرارات التي تم إصدارها حتّى اللحظة.

ثغرات الدولار الجمركي

بالنسبة للدولار الجمركي، تبدأ الثغرة الأساسيّة بطريقة اعتماد سعر صرف الـ 15 ألف ليرة، والذي لا يتجاوز نصف سعر الصرف المعتمد لاستفاء الضريبة على الرواتب المدولرة. مع الإشارة إلى أنّ سعر الصرف هذا سيكون مجرّد سعر صرف انتقالي، قبل رفع الدولار الجمركي مرّة جديدة بعد تطبيق موازنة العام 2023. وهذا تحديدًا ما سيعني العودة إلى تجربة تخزين السلع، بانتظار رفع سعر صرف الدولار الجمركي مجددًا، تمامًا كما جرى قبل رفع سعر صرف الدولار الجمركي إلى حدود الـ 15 ألف ليرة. وهنا، يُطرح السؤال عن سبب الخضوع لضغط الشركات المستوردة، التي رفضت مقترح وزير الماليّة باعتماد سعر المنصّة لاحتساب الرسوم الجمركيّة، بعد مرحلة انتقاليّة تتدرّج خلالها وزارة الماليّة في رفع سعر صرف الدولار الجمركي.

مع الإشارة إلى أنّ العديد من الشركات المستوردة والتجار يقومون حاليًّا بزيادة الضريبة ضمن تسعيرة السلع المباعة، وكنسبة من السعر المقوّم بالدولار الأميركي. أي أن المواطن يدفع هذه الضريبة وفق سعر صرف السوق الموازية، بينما يقوم التجار بسداد الرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة بسعر صرف 15 ألف ليرة لبنانيّة للدولار، بحسب قرار وزارة الماليّة الأخير. وبذلك، تكون السوق قد تحمّلت نسبة الضريبة على أساس سعر السوق، دون أن تستفيد الدولة من هذه الرسوم فعليًّا.

الثغرة الأكبر والأهم، ستبقى تطبيق سعر الصرف الجديد للدولار الجمركي، دون أن يتوازى ذلك مع إجراءات رادعة لمسألة التهريب، ما يعني أن اعتماد سعر الصرف الجديد سيؤدّي إلى رفع نسبة البضائع المهرّبة في السوق، وحرمان الدولة من عائداتها الجمركيّة. أمّا بخصوص الرسم الحمائي بنسبة 10%، الذي سيفرض على السلع التي يوجد بديل محلّي لها، فلن يتم تطبيق هذا الإجراء على المدى المنظور، بانتظار حسم لوائح السلع المعفاة من هذا الرسم، وتلك التي سيتم إخضاعها له.

كل ما سبق يؤكّد أن التخبّط والتسرّع حكم طريقة تنفيذ هذا التصحيح الضريبي، ما أدّى إلى ثغرات ستترك آثار عكسيّة سلبيّة على الميزانيّة العامّة والأوضاع الاقتصاديّة، وهو ما قد يفرغ هذه الخطوة من آثارها الإيجابيّة المرجوّة. وإذا كان من المتوقّع أن تتم معالجة بعض الإشكاليّات التي أحاطت بمسألة سعر صرف سداد ضريبة الدخل، خلال الأيام المقبلة، سيتعيّن على الجميع انتظار موازنة العام 2023، للتعامل مع الثغرات المرتبطة بسعر صرف الدولار الجمركي والضريبة على القيمة المضافة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةخبراء المحاسبة: قرار الرسوم الجمركية وفق 15000 ليرة “ارتجالي”
المقالة القادمةقرار بالتريث في تطبيق ضريبة الدخل… “تخدير المعترضين”!