وزير الأشغال يخطط لـ”تنظيف” المرفأ بغياب هيئة الشراء العام

تتحضّر وزارة الأشغال العامة والنقل “لإعداد دفتر شروط إزالة الركام ومخلّفات الانفجار من على أرض مرفأ بيروت”. وعُقِدَ لهذا الغرض، اجتماعان حتّى اللحظة، حضرهما إلى جانب الوزير علي حمية، المدير العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني ووفد من شركة خطيب وعلمي. واللقاءات تهدف إلى “وضع الإطار لإعداد دفتر الشروط”. وإزالة الركام الذي يشغل مساحة واسعة من المرفأ، تؤدّي، حسب الوزير، إلى “الاستثمار الأمثل لتلك المساحة”. والأهم، أن المزايدة ستجري وفق “ثابتتين”، هما “رفد الخزينة بإيرادات جديدة. ولا تكلفة مالية على الدولة”. على أن النقاش حول المزايدة يحصل من دون علم هيئة الشراء العام الذي ينيط بها القانون الذي دخل حيّز التنفيذ في 29 تموز الماضي، إجراء الرقابة على هذا النوع من التلزيمات. ولا يمكن لأي جهة رسمية الاستناد إلى قرارات مجلس الوزراء التي تجيز للوزارات إجراء استدراج عروض، للالتفاف على هيئة الشراء العام، لأن القانون أقوى من القرارات.

استبعاد هيئة الشراء

تغيب هيئة الشراء العام عن الاجتماعات، فيما تحضر شركة خاصة “كإستشاري لوضع دفتر الشروط مع الوزارة”، وفق ما أكّدته مستشارة الوزير، جهاد العشّي، التي أشارت في حديث لـ”المدن”، إلى أن المجتمعين “وضعوا المخطط لما سيبدو عليه المرفأ بعد إزالة الركام. أما وجود شركة خطيب وعلمي، فهو بدعوة من الوزير، وليس بين الوزارة والشركة توقيع عقد تقديم خدمات استشارية، بل إن الوزير هو مَن تواصل معهم”. وحسب ما سيرشح عن اللقاءات التي ستتكرّر تباعاً، هو “وضع دفتر شروط تزيل بموجبه الشركة الرابحة الركام والحديد والخرسانات، وتحصّل الدولة من المزايدة إيرادات مالية”.

دعوة هيئة الشراء العام إلى الاجتماعات، غير مُلزِمة للوزير “لكن بما أن الوزير دعا شركة خاصة للوقوف على رأيها، كان الأجدى به دعوة هيئة الشراء بشخص رئيسها جان العلية أو بمن ينتدبه للحضور، خصوصاً وأن هذه المزايدة تمثّل اختباراً عملياً لتعامل الوزارات مع الهيئة بعد نفاذ القانون، ويستوجب ذلك الحرص على إنجاز الخطوات الأساسية بكل دقة وشفافية تحت مظلة قانون الشراء العام”، على حدّ تعبير مصادر متابعة للملف.

وتقول المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “القانون يلزم الوزارة بإرسال المعلومات إلى هيئة الشراء العام التي ليس لها أن توافق أو ترفض المشروع، وإنما لها الحق بالتدخّل بموجب ما يرد في الملف المرسَل ومن ضمنه دفتر الشروط. وأمام الهيئة ثلاثة خيارات، إما عدم التعليق إذا كانت الإجراءات سليمة. أو التعليق ووضع الملاحظات حول الخلل في حال وجوده بصورة طفيفة، أو كتابة تقرير وتوصيات في حال وجود مخالفات كبيرة، وتبلّغ النيابات العامة والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة”.

علامات استفهام

تفضّل المصادر عدم استباق الأمور والدخول في دوامة التكهّنات حول تفاصيل المشروع “فلا يمكن اتخاذ أي إجراءات ما لم يصدر قرار نهائي عن الوزارة ويتم وضع دفتر الشروط. وقد تبلّغ الوزارة هيئة الشراء العام بكل التفاصيل في وقت قريب. فإجراء التلزيمات العمومية تحت مظلة قانون الشراء العام ما زال جديداً وعلى الوزراء اعتياده. ومع ذلك، فإن طرح علامات الاستفهام، جائز. فمن ناحية ثانية، وبما أن القانون الجديد بات ملزِماً، فالأجدى دعوة العلية إلى الاجتماعات منذ انطلاقها، فأولاً هو رئيس هيئة الشراء العام، وثانياً هو مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، أي أن حضوره ضروري”.

وعن وجود شركة خطيب وعلمي في الاجتماعات، تقول المصادر أن “في الدولة لا وجود لتبرّعات وخدمات استشارية مجانية. والتجربة تؤكّد في أكثر من قطاع ووزارة، أن الاستشارات التي تقدّمها شركات خاصة، تتكشّف بعدها صلات الشركات بالمشاريع. ولا يعني ذلك اتهام هذه الشركة بالذات، وإنما هذا هو العُرف الذي دأبت عليه الوزارات والشركات المتعاونة معها”. وأملت المصادر أن تُوضَع النقاط على حروفها بالشكل القانوني الصحيح”.

تحايل على القانون

من ناحية ثانية، تفتح مزايدة إزالة الركام باب النقاش حول اختتام التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ. فإزالة الركام تعني تنظيف مسرح الجريمة في وقت لم يصدر فيه أيّ قرار ظنّي يحدّد هوية المسؤولين عن التفجير وكيفية حصول الجريمة. إلاّ أن وزير الأشغال يقارب الملف من زاوية “إعادة إعمار المرفأ وعدم السماح بتركه رهن التجاذبات السياسية الداخلية والخارجية”. ولأن إعادة الإعمار “خيار لا رجعة فيه”، فإذا لم تتقدّم الشركات العربية والأجنبية للمشاركة في هذه العملية، فإن “الإيرادات الداخلية قادرة لوحدها على تغطية تكلفة الإعمار خلال السنوات الثلاث المقبلة”.

كلام حمية يحمل ظاهرياً إيجابية مطلوبة تجاه المرفأ والقدرة الداخلية على إعادة الإعمار، لكن نجاح هذه الخطة، مرتبط بالشفافية وحسن التنفيذ، بغض النظر عن رغبة سياسية لمحو آثار الانفجار-الجريمة بأسرع وقت. ويحصل ذلك من خلال الالتزام بالقوانين، وأوّلها قانون الشراء العام. على أن ما يجري حتّى الساعة، يشي باحتمال تجاوز هيئة الشراء العام والتذرّع بالقرارات الحكومية والقوانين التي سبقت إقرار قانون الشراء العام. وهذه المحاولات (إن حصلت) لن تنحصر بمزايدة مرفأ بيروت، بل تتعدّاها إلى مشاريع أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، “المناقصة العمومية التي أعلنت عنها مؤسسة كهرباء لبنان، لتقديم الخدمات الكهربائية ضمن حدود نطاق امتياز زحلة سابقاً. فالإعلان بقي بلا تاريخ عند صدوره، وهي خطوة تشي بتجهيزه وتصويره بأنه صدر قبل نفاذ قانون الشراء العام، وبالتالي لا يخضع له، وهذا تحايل على القانون”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةميقاتي “يقبل” هبة الفيول الإيراني!
المقالة القادمةأصحاب المولّدات يرفضون تسعيرة الدولة: العتمة الشاملة في أيلول