الكلمة التي القاها وزير الاقتصاد منصور بطيش في مؤتمر التيار للبلديات:
يَتَمحورُ عُنوانُ نَدوتِنا حَولَ البَحثِ في تأثيرِ النُزوحِ على البلديّات، لكنني أستميحُكم عُذراً بأن أُوَسِّع “البيكار” قليلاً لأُضيء على بعضِ تداعياتِ هذا النُزوحِ على لبنان عُموماً، وعلى إقتِصادِه بشكلٍ خاص.
فارتداداتُ هذا التأثير تُهدّدُ اللبنانييّنَ جَدّياً في استقرارِهم الاقِتصادي والمالي، وحتّى الاجتِماعي.
وللمُشَككِّين، أترُك للأرقامِ أن تَقطعَ شَكَّهُم باليَقين. فبِحَسَب أرقام البنك الدولي ودراساتٍ أُخرى مُوَثَّقة:
– يُقارِبُ عَددُ النازحين السورييّن في لبنان المليون ونصف المليون.
– تراكمت الأعباء على الاقتِصـاد اللبناني جَراّءَ النُزوح، فَبَلغَت منذ العام 2011 حتى آخر العـام 2015، حوالي 18 مليار دولار بحسب البنك الدولي، وهو ما يَسمَحُ لِلخُبراء بِتقديرِها بأَكثرِ من 25 مليار دولار إلى اليوم.
– مُعدَّلُ البَطالة هو بحدودِ ال25 بالمئة على الصعيدِ الوطني و35 بالمئة من فئةِ الشباب.
– يُقدَّرُ مُتوسِّطُ عددِ الوِلادات السوريّة في لبنان بِــــ3126 مَولوداً شهريّاً، أي ما يفوق ال37 ألف مولودٍ سنويّاً.
– 200 ألف لبناني تمَّ دَفعُهُم تحتَ خطِّ الفَقر لِغاية 2015، ليُضافوا إلى مليون آخرين. ومذّ ذاك، هذا العَدد في ازدياد مُطَّرِد.
– يَنخفِضُ معدّلُ النُمو بحوالي 2،9 بالمئة في كلٍّ سنة تستمر فيها الازمة السوريّة بإلقاءِ تَبِعاتِها على لبنان.
وفي لُغةِ الأرقام أيضاً، طَلَب لبنان2،7 مليار دولار لتأمينِ الحدِّ الأدنى من المُساعدات الانسانيّة والاقتصادية التي كانت ضرورية عام 2018 بِحَسَب “خُطّة الاستِجابة للأزمة” وَفق البنك الدولي.
فَعَلى ماذا حَصَلَ لبنان؟
حَصلَ لبنان على ما يَلي:
– استمرارُ الانخفاضِ الحادّ بالنموِّ الاقتِصادي دونَ أيِّ تعويض
– عَجزٌ تراكميٌ في ميزانِ المدفوعات الخارجيّة، تَسَبَّبَ بخسارةِ لبنان ما كان قد سَجَّلَهُ من فائضٍ خلال 5 سنوات ما بين 2006 إلى 2010 ضِمناً
– زيادةٌ متواصلةٌ في عجزِ الميزانِ التِجاري
– كُلفةٌ اضافيّة في استهلاكِ الكَهرباء، تتجاوزُ نحو 300 ميغاوات مَدعومةً من الدولة، أَضَافَت أعباءً على أعباءِ هذا القِطاع.
ولَن أتوسّعَ في سائرِ القِطاعات التي ازدادَ حَجمُ تضييقِ الخِناقِ عليها من التعليمِ إلى البيئةِ، من المنافَسةِ غير المشروعةِ للشركاتِ الصغيرةِ والمتوسِّطةِ الى التداعياتِ الاجتماعيّةِ والأمنيّةِ وغيرِها… ويُمكِنُ تَعدادُ وتفصيلُ الكَثيرِ الكَثير….
أيُّها الاصدقاء
نحنُ اليومَ هُنا، وهذا هو واقِعُنا. فَما العَمَل؟
كيف يُمكنُنا أن نتعاونَ كوِزاراتٍ وبَلديّاتٍ وبَلداتٍ مِن أجلِ الحَدّ مِن الآثارِ السلبيّةِ لِلنزوح والتخفيفِ مِن تَداعياتِه على اقتصادِنا المُنهَك؟
يَقولُ الانجيل:
“إنَّ المدينة أو البَيت الذي يَنقَسِم على نَفسِه يَخرَبْ”. وبالتالي، فإنَّ وِحدتَنا هي مُنطلقُ الإنجاز.
وكَمْ يبدو صَغيراً ومُعيباً أن نُدخِلَ قَضيَّةً بِمِثلِ هذه الدِّقةِ والخُطورةِ في زواريبِ المُناكفاتِ السياسيّة حيناً والتَجاذُبات المَصلَحيّة أو الفِئَويّة حيناً آخر.
فَتَداعِياتُ أزمةِ النُزوحِ السوري تَطالُ كلَّ بلدةٍ وبَيتٍ ومؤَسَّسة، كلَّ حِزبٍ وطائفةٍ وجَماعَة. والاقتصادُ الذي يَتَرنّحُ تَحتَ ضَرَباتِ هذه الأزمة المُوجِعَة، لَن يَسقُطَ، لا سَمَحَ الله، في مِنطقةٍ دونَ أُخرى أو لَدى طَرَفٍ دُونَ آخر.
هذا ما تَحَسَّسَه مَجلِسُ الوزراء، فأصدرَ قراراً بِتاريخ 21 أيار 2019 طَلَب فيه من “الإداراتِ المعنيّةِ إتّخاذَ الإجراءاتِ القانونيّة وإقفالَ المؤسّساتِ التي يَستَثمِرُها أجانب بِشكلٍ مُخالِف للقانون أو تِلكَ التي تَستَعينُ بعُمّالٍ أجانب لا يَحوزونَ إجازاتِ عملٍ قانونيّة…”
وهو ما تَـلـقّـَفـَتــه وِزارة الاقتِصاد والتِجارة وكـَثـَفَّــت مِن دَوريّات حِماية المُستهلكِ، التي تَهدُف إلى ضَبطِ العَمالة الأجنبيّة غَيرِ الخاضعةِ لِلقوانين، وحِمايةِ اليَدِ العامِلة اللبنانيّة. فما من بلدٍ في العالم يَرضى بِعَمالةٍ أجنبيّة فيه غَيرِ مُنَظَّمة .
ومع تَمَسُّكِنا بشُرعَةِ حُقوقِ الانسان التي ساهَم لُبنان في صِياغَتِها، وحِرصِنا على توفيرِ حياةٍ كريمةٍ لكلّ مُقيمٍ على الأراضي اللبنانيّة، إلا أنَّ لأبنائِنا أيضاً حَقٌّ مُوازٍ على الأقلّ، بِمِثلِ هذهِ الحَياة الكَريمة.
لِذا، ومِن على هذا المِنبَر أُكرٍّرُ دَعوتي للوِزاراتِ المَعنيّة وتحديداً وِزارتي الداخليّة والبلديّات ووِزارةِ العَمَل، إلى التَعاونِ عَمليّاً في ضَبط واقِعِ النُزوح السوري الى لبنان.
كما أَنَّ للبلديّاتِ الدَورُ الأهمُّ في هذا المَجال، ليسَ فقط كَونَها السُلطة المحليّة، إنما خُصوصاً لأنّها قادِرة على إجراءِ مَسحٍ شاملٍ في القُرى والبلداتِ اللبنانيّة يَسمَحُ بِمعرفةٍ دقيقةٍ لأَعدادِ النازحين وأعمالِهم . وقَد لَحَظَ مَجلسُ الوزراء في مشروع موازنة2019 الطَلَب من البلديّات إجراء مِثل هذا المَسح.
وبديهيٌ القَولَ أَنّ الحِسَّ الوَطني مَطلوبٌ من كلِّ أفرادِ المُجتَمع. فلا يَجوزُ لأصحابِ المُؤَسّسات استِبدالُ اليدِ العاملةِ اللبنانيّة بأُخرى أجنبيّة، توفيراً لِمبالغَ زَهيدةً تَرتَدُّ عَليهِم سَلباً على المُستوى الاقتِصادي الأَعَمّ.
فتشغيلُ اليدِ العاملةِ اللبنانيّة يعني أنَّ ما يَجنيهِ هَؤلاء العُمّال يبقى في البَلدِ تَنشيطاً للحَركة الإقتصاديّة إستهلاكاً أو إستِثماراً.
ولا نَنسى تشَظّي العائلات اللبنانيّة جَرّاء هِجرةِ أبنائها بَحثاً عن فُرصِ عَملٍ في الخارج عِوَضَ أن يَستفيدَ لبنان مِن طاقاتِهم.
أيُّها الحُضور الكريم
تَحدّثتُ عن واقعِ النُزوحِ من وُجهةِ نَظرٍ غَلَبَ عليها الطَابَعُ الاقتِصادي، لكنّني مُتمسّكٌ بأَنْ أَختُمَ بعنوانِ المؤتمَر “وطنُكُم بِحاجةٍ لِعودَتِكم”.
نَعم، أقولُها لإخوانِنا السورييّن، وَطَنُكم بِحاجةٍ لِعودَتِكم. أقولُها من مُنطلَقِ ما اختَبرنَاه كلبنانييّنَ من آثارٍ سلبيّة لِنزوحِ أبنائنا وهِجرتِهم.” فإنْ لَم يَبنِ رَبُّ البَيتِ، فباطِلاً يَتعَبُ البَنّاؤون “. لِينصَرِفَ كُلٌّ منّا لِبناءِ وطَنِه بِزُنودِ أبنائِه وإرادتِهم، ولِنُعيدَ معاً إلى هذا الشَرقِ الجَريح الاستقرارَ والإزدِهار.