مع تشكل الحكومة الجديدة، تباطأ عدّاد الدولار وانخفض. إنخفاض لمسناه خجولا وطفيفا جدا في ميدان السلع الإستهلاكيّة. فما لاحظه اللبنانيون في تسوّقهم في أيّ من تعاونيات لبنان، هو أنّ أسعار المواد الغذائية والإستهلاكيّة لم تنخفض بمستوى انخفاض الدولار، علما أنّها كانت تسابقه حينما كان يرتفع، والأغرب أنّ بعضها اليوم يستمرّ في الإرتفاع!
حول أسباب تفلّت الأسعار وصعودها الجنوني، والذي لا يلتقي أحيانا مع صعود الدولار، يوضح وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام لـ «الديار» أنّ ارتفاع الاسعار يتزامن مع إرتفاع سعر صرف الدولار ورفع الدعم عن المحروقات.
وعن عشوائيّة تسعير السلع، واذا كان من دور لوزارة الإقتصاد والتجارة في تحديد أسعار السلع؟ يجيب الوزير سلام أنّ للوزارة دورا في تحديد أسعار بعض السلع الأساسية مثل «الفروج» والخبز، أمّا فيما يتعلق بباقي السلع، فلبنان يعتمد الإقتصاد الحرّ.
ينصّ القانون في لبنان، على أن تتولّى وزارة الإقتصاد والتجارة مهمّة مراقبة سوق السلع، وهناك آلية لهذا الدور الرقابيّ، وشكل معين للعقوبات لمن يخالف، الوزير سلام يوضح أنّ دور الوزارة يتمثّل في تسطير محاضر ضبط وفقاً للقانون، وهذا يتمّ يوميّا، وتُحال المحاضر إلى القضاء الذي يبتّ بها، ولفت قائلا:»من هنا نرفع الصوت لنطالب بتعديل بعض فقرات قانون حماية المستهلك».
الإقتصاد المهترىء والمنهار في لبنان، ليس وليد اللحظة، وعلاجه ليس بكبسة زر، والتخفيف من الفوضى الحاصلة على مستوى الأسعار، أو القضاء عليها أشبه بمعجزة، مع الإشارة إلى خطوات لافتة قام بها وزير الإقتصاد الجديد في بعض الملفات، أمّا عن النهج الجديد للوزارة في الإستحقاقات المعيشية الحاليّة، أوضح الوزير سلام لـ «الديار» أنّ الوزارة أصدرت قراراً يُجبر أصحاب المولدات على تركيب العدّادات للمشتركين خلال شهر من جهة، ومن جهة أخرى تتواصل مع كلّ النقابات ليكونوا شركاء لنا في الحفاظ على الأمن الغذائي. أمّا للتواصل فيمكن للمواطنين إرسال شكواهم على التطبيق الخاص بالوزارة: consumer protection Lebanon أو على الخط الساخن 1739 أو عبر الـWhatsApp على الرقم: 909022-70
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برّو يرى من جهته أنّ ارتباط الأسعار بالدولار أمر نظري، بدليل سعر السلع المتداول بالسوق الذي يتراوح بين العشرين والثلاثين ألف ليرة للدولار الواحد، في الوقت الذي انخفض فيه سعر الصرف في بعض الأوقات لنحو 17.500 ليرة، وذلك يعود لتأقلم السوق اللبناني تدريجيا مع إنهيار الليرة، حيث يتّم رفع الأسعار تدريجيا، إلّا أنّها لا تنخفض مجدّدا، إلا في حالات إستثنائية تقفز بعدها من جديد، مشيرا إلى أنّ عشرات السلع إستمرت بالإرتفاع رغم انخفاض الدولار، فيما تبرير البائعين هو أنّهم يشترون كلّ شيء بالدولار، لافتا إلى حدوث ذلك تاريخيا في لبنان وليس فقط اليوم، وأنّ لبنان أغلى من محيطه بنسبة 30% ، وأحيانا 100% في بعض السلع.
وتطرّق إلى أسباب الإنهيار الإقتصادي ككلّ، وأرجعها إلى الإحتكارات والمحاصصة وغياب دولة القانون، واصفا أنّنا أمام شكل «مافياوي» من الإقتصاد ونشوء ثروات من خلال النفوذ السياسي الطائفي والعائلي وليس من خلال إنتاج إقتصادي وعلميّ متين، واعتبر أنّ ما يجب علاجه ليس النتائج وأن نلاحق هذا التاجر أو ذاك، وأنّ نستنكر ونصرخ كما يفعل العدد الأكبر من اللبنانيين اليوم.
وقال :جمعية المستهلك كانت مدركة لموضوع الإنهيار منذ البداية، و بأنّ المستفيد من الدعم هم التجار والأفران وليس الفقراء، موضحا أنّ الجمعية أعلنت في 21 كانون الثاني 2020 عن خطة متكاملة عنوانها وقف الدعم بكافة أشكاله ودعم العائلات فقط، ولكن السلطة وبهدف تهريب الأموال للخارج وتوزيع الحصص على تجّارها، لم توقف حينها الدعم، بل نجحت في الخلط بين دعم التاجر ودعم الفقير و»ضيّعت الطاسة».
«سميّنا عملية الدعم جريمة»، هذا ما وصف به برّو عمليّة دعم السلع الغذائيّة، وقال: إن الكلّ كان مقتنعا ان كلام الجمعية صحيح بما فيهم حاكم مصرف لبنان الذي كان يدير اللعبة، وكان الخيار دعم السياسيين وتجّارهم، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب معالجته، فيما ملاحقة الأسعار ومطالبة وزارة الإقتصاد بتنظيم محاضر ضبط، مهزلة وكذبة كبيرة على حد وصفه، فمنيجب أن يحاسب هم السلطة السياسية وزعماء الطوائف والمجلس النيابي والقضاء، والأهم إنشاء سلطة جديدة تتوافق عليها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
ولفت برّو إلى أنّ المسألة الأخطر هي عدم وجود مؤسسات يمكن الوثوق بها في لبنان اليوم، تضمن حقوق الشعب اللبناني، وهذه هي المعضلة الرئيسية التي يجب ايجاد الحلول لها، واعتبر أنّ المسؤولين إذا لم ينجحوا بإيجاد حلول للأزمة، فهم معرضون لإنفجار حقيقي في البلاد، حيث كلّما تأخر الحلّ لهذه المشاكل سيدفعون ثمنها ذات يوم، وأيّ شعوب حيّة قد تلجأ لأساليب عنفية للتخلص من ظالميها، وختم:» أنا أتأمل أن نصل لهذا الوعي غير المتوفر حتى الساعة».
الإطاحة بسلطة فاسدة أمر يستحيل حاليا، وإحياء ضمير التجّار أمر يستحيل لاحقا، ورغم الدور الرقابيّ لوزارة الإقتصاد والتجارة لردع جشع التجّار و التخفيف عن كاهل الناس، تبقى الكلمة الفصل للقضاء الذي يجب أن يحاسب المخالفين، ولكن في لبنان قد يموت المواطن قبل أن يولد الحكم القضائي، وربّما يموت القاضي والمواطن، ويبقى التاجر حيّا على قيد الظلم والإستغلال!