وزير المال: العائق الأهمّ تعدّدية أسعار الصرف | موازنة الـ«لا تصحيح»

في السنتين الماضيتين، وما قبلهما أيضاً، كانت إدارة النموذج بيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كانت الحكومة ووزير المال هامشيين في رسم السياسات. وكانت مهامهما محصورة بالأعمال الزبائنية لتغذية استمرارية النظام والقوى السياسية الحاكمة. هيمنة السياسات النقدية على القرارات المالية والاقتصادية لم تتغيّر، حتى في عزّ إدارة الأزمة في السنتين الماضيتين. فغالبية عمليات الدعم السابقة، مثلاً، كانت تنظّم بتعاميم مصرف لبنان الذي واصل خلال هاتين السنتين القيام بدور الناظم الوحيد لها. واليوم، لا يظهر «مشروع» الموازنة، كما وصفه وزير المال في تقرير الموازنة (الفذلكة)، أي أثر لانتقال دفّة إدارة الأزمة من مصرف لبنان إلى الحكومة، أو حتى التوافق على هذه الإدارة بين السياسة المالية والسياسة النقدية، ويكاد لا يظهر أيّ أثر لوزير المال في اقتراح معالجة الإشكالات الطارئة كتوحيد سعر الصرف، ومواجهة الفقر المتنامي، ومعالجة إفلاس الضمان، وتصحيح رواتب العاملين في القطاع العام، وكبح تدهور المستوى التعليمي… كل ذلك جرى اختزاله بزيادة موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية بقيمة 105 مليارات ليرة، وبزيادات خجولة لتغطية الاستشفاء والدواء ضمن مختلف الصناديق الضامنة، وبـ«مكرمة» زهيدة لموظفي القطاع العام مموّلة من الزيادات الضريبية.

كلام الخليل مثير للذهول. فهو يقرّ مسبقاً بأن كل الإجراءات التي سترد في الموازنة ليست مستدامة طالما أن هناك سعر صرف متقلّباً ومتعدّداً. وحتى لا يتم تحميل الرجل كل الآثام التي ارتكبها مصرف لبنان بحقّ سعر الصرف وخلق تعدّديته، فإن الإشارة إلى الخطيئة لا تغسل يديه منها إلا إذا اقترنت بأفعال. الفعل الوحيد الذي يرد في الموازنة، بهذا الخصوص، هو احتساب متوسط سعر الصرف في السنوات الماضية. في عام 2019 بلغ المعدل الوسطي 1584 ليرة لكل دولار، وفي عام 2020 بلغ 3945 ليرة، ووصل في 2021 إلى 10083 ليرة. ومن أجل احتساب وتقدير الأرقام في مشروع موازنة 2022، اعتمد خليل متوسط سعر الصرف للفصل الأخير من عام 2021 والبالغ 20 ألف ليرة مقابل الدولار.

هكذا اختار وزير المال أن يقف في موقع المتلقّي، واستمرار هيمنة السياسات النقدية على السياسات المالية. قد يقال إن السياسة النقدية هي التي تحدّد سعر الصرف، لكن هذا الأمر فيه الكثير من الخطأ. فالاقتصاد هو الذي يحدّد سعر الصرف، ولا سيما سعر الصرف العائم.

رغم ذلك، تأتي الموازنة وفق رؤية محاسبية بحتة. فالتصحيح يرد من منظور محاسبي للتوازن. وحتى التوازن لم يكن موجوداً في مشروع الموازنة. فالعجز سيبلغ 15250 مليار ليرة، أي أن وزارة المال ستقترض من مصرف لبنان هذا المبلغ وتضخّه في السوق. وبمعزل عن أهمية العجز كمؤشّر يطلب صندوق النقد الدولي التعامل معه، إلا أن وزير المال يصف الموازنة بأنها «غير تضخمية».

إذاً، الأولوية في إدارة الأزمة لا تكمن في توحيد سعر الصرف، ولا في إنعاش الاقتصاد، بل في إزالة الأعباء عن كاهل النظام. لكن هذا لا يعني أن كل ما ورد في مشروع الموازنة لا قيمة له، بل على العكس هناك إجراءات تعدّ جيّدة مثل الضريبة على شغور العقارات التي تدفع تجار العقارات إلى تأجير ما هو شاغر في ملكياتهم، أو تسديد ضريبة كبيرة. إجراء كهذا سيدفع كلفة الإيجارات وأسعار العقارات إلى الانخفاض، لكنه ليس سوى إجراء بسيط لترقيع ثقب واسع.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةوزير الطاقة وقع مع نظيريه الأردني والسوري اتفاقيتي تزويد ونقل الكهرباء من الأردن وسوريا
المقالة القادمةتوقيع إتفاقية شراء الطاقة من الأردن… ماذا عن التمويل؟