وسط فلتان الدولرة الجزئية: لبنان بين مطرقة «الليرنة» وسندان «الدولرة الشاملة»

منذ العام 1997 وحتى العام 2019 اعتاد السوق اللبناني على التعامل مع الدولار الأميركي بموازاة الليرة اللبنانية كأنهما عملتان مرتبطتان بسعر صرف أزلي غير قابل للتغيير كحقيقة مثبتة مطلقة ويتم على أساسها القيام بالتزامات بإحدى العملتين من قبل العملاء الاقتصاديين، أفراداً ومؤسسات، بغضّ النظر ما إذا كان مردودهم فقط بالليرة اللبنانية، لا بل أن الدولة نفسها اتخذت هذا النهج وزادت استدانتها بالدولار من دون أي هاجس أن لا مردود لها سوى بالعملة الوطنية وكأنّ مخاطر فرق العملة لا تنطبق في لبنان!

وما ان بدأ يتبلور انهيار الوضع الاقتصادي-المالي-النقدي-المصرفي منذ خريف 2019، حتى بدأت بالهمس التساؤلات بين من يخشى فلتان منحى الدولرة الجزئية غير الرسمية التي بدأت عفوية كخيار القطاع الخاص منذ الأزمة النقدية في الثمانينات الى أن أنشأ مصرف لبنان غرفة مقاصّة للشيكات بالدولار وسمح بعدها بتعبئة أجهزة الصراف الآلي بالدولار الأميركي الى جانب الليرة اللبنانية، في ظاهرة لا تشبه إلا نفسها عالمياً بكل ما تحمل من مخاطر مضاربة وتنشيف السوق من الدولار النقدي في أي لحظة خاصة في ظل اقتصاد مفتوح وبعد أزمة النزوح التي شهدها لبنان بعد اندلاع الحرب في سوريا، حيث استمر السماح لأيّ مقيم في لبنان لأن يفتح حساباً جارياً بالليرة ويضع فيه مثلاً 150 ألف ليرة لبنانية ثم يطلب من الصراف الآلي إعطاءها له 100 دولار اميركي اوتوماتيكياً ومن دون أي مراقبة ولا تدقيق عن الأسباب والنتائج والمخاطر…

من المعروف أنّ الدولرة الجزئية كما هي الحال في لبنان منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، مرتبطة من ناحية بعمليات التضخم المفرط الناتج عن طباعة النقد تلبية للحاجات التمويلية لا سيما للقطاع العام في ظل ضعف سائر مصادر التمويل، ومن ناحية أخرى نتيجة التضخم «المستورد» بفعل تدهور سعر الصرف واعتماد الاستهلاك بشكل أساسي على البضائع المستوردة، في الواقع، تتطلب الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان من الاقتصاد اللبناني أن يحرّر نفسه أقلّه من إحدى القيود الرئيسية الثلاثة للسياسة النقدية التي سبق ذكرها: تثبيت سعر الصرف والدولرة والدين العام.

علماً أنّ الدولرة يمكنها أن تتخذ عدة أشكال مختلفة بين درجة الدولرة الجزئية والكاملة وبين الدولرة الرسمية وغير الرسمية الناتجة عن خيار عفوي وحر من القطاع الخاص. ومن المفيد التمييز بين ثلاثة أنواع من الدولرة في هذا الإطار:

• دولرة المدفوعات: يستخدم الدولار في المقام الأول كوسيلة للدفع.
• الدولرة المالية: السكان لديهم أصول مالية بالدولار؛
• الدولرة الحقيقية: الأسعار المحلية و/أو الأجور ثابتة بالدولار.

يبقى القول إنه إذا كانت لـ»الليرنة» والتخلي القسري عن الدولار نظراً لافتقاده مخاطر خسائر جسيمة وفقدان ما تبقى من الثقة باستعادة دور لبنان المصرفي حتى على المدى المتوسط، فإنّ محاذير الدولرة الشاملة تتطلّب أقلّه توفّرها للتداول.. ولكن قبل البَت باتجاه أو بآخر لا بد من البدء بتوحيد سعر صرف الدولار الى الليرة لمعرفة على أي أساس يمكن الليرنة أو الدولرة الشاملة.. فهل من إمكانيات وكمية دولارات للتدخّل لحسم استقرار وتوفّر السيولة في السوق لأيّ من الاتجاهين؟

 

مصدرجريدة الجمهورية - د. سهام رزق الله
المادة السابقةما قصة ودائع السوريين في لبنان؟
المقالة القادمةالأسواق… الضروريات للبناني والكماليات للسائح