مع نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شهر تموز المقبل، يكون عُمر “المركزي” قد ناهز 60 عاماً، تربّع سلامة على 30 منها حاكماً أوحد.
سلامة هو الحاكم الوحيد المقبل من عالم المضاربة والمال من بين جميع الحكّام الذين تبوّأوا هذا المنصب، فيما البقيّة كلّهم كانوا رجال قانون. فهل يؤول هذا المنصب من Golden Boy في “وول ستريت” إلى رجل قانونٍ مجدّداً؟
ليست الإجابة على هذا السؤال واضحة حتى اللحظة، فيما السيناريوهات المطروحة كلّها أشبه بعملية “ضرب في الرمل” على يد منجّمين. أكثر السيناريوهات جدّيّة إلى اليوم هو تسلّم نائب الحاكم الأوّل الدكتور وسيم منصوري هذا المنصب على الرغم من كلّ ما يطفو من تسريبات من أنّ ثنائي الحزب وحركة “أمل” الشيعي لا يريد تلقّف كرة النار (ولو برفض أقلّ من الحزب)، لكن في نهاية المطاف يبدو أنّ منصوري سيكون آخر الخيارات الباقية.
سيعني وصول منصوري إلى الحاكمية بموجب المادة 25 من قانون النقد والتسليف، ولو مؤقّتاً، أنّ الحاكمية انتقلت إلى دكتور مخضرم في مجال القانون (الدستوري خصوصاً)، ومحامٍ يفهم أصول العمل القانوني. لكن على الرغم من ذلك ثمّة إشارات تدل على أنّ منصوري قد لا يقبل بتولّي هذه المهمّة إلّا بشروط!
تقول المعلومات إنّ منصوري كان يمكن أن يتسلّم الحاكمية لو جرى بالفعل توقيف سلامة أو إقالته. فهو لن يهرب من هذه المسؤولية، ولن يرضى أن يُشار إليه بالسبّابة بأنّه ترك الحاكمية في ظروف صعبة كهذه وولّى مدبراً.
لكن يُنقل في المقابل عن أوساطه أنّه يرفض تسلّم الحاكمية في حال بقي الحاكم حتى نهاية ولايته في تموز من دون أن تحرّك السلطة ساكناً، باعتبار أنّ تلك السلطة التي تعجز عن إدانة سلامة وتخجل في الوقت نفسه أن تدافع عنه، لا يمكن الوثوق بها كجهة صالحة لحسن التصرّف. فهل يُعقل مثلاً أن يدعو مجلس النواب سلامة إلى الاستقالة، بينما هو، أي مجلس النواب، السلطة التشريعية في البلاد القادرة على إقالته أو سنّ قانون يسهّل تعيين بديل عنه بقانون من سطرين؟
منصوري ليس متحمّساً
عليه، قد لا يبدو منصوري متحمّساً للوقوف “في بوز المدفع” بالنيابة عن الحكومة ومجلس النواب فيما هما يتفرّجان، على الرغم من الرضى الأميركي عن تولّيه هذه المسؤولية في هذه المرحلة الانتقالية، وهو ما أبلغوه إيّاه شخصياً، بحسبما تفيد المعلومات.
تتحدّث الأوساط نفسها عن أنّ انتخاب رئيس للجمهورية قد يكون فرصةً أو شرطاً مقبولاً لدى نائب الحاكم من أجل الموافقة على تولّي هذه المهمّة في الوقت المستقطَع، باعتبار أنّ وجود رئيس في بعبدا قد يسدّ جزءاً من “المرجعية المفقودة”، ويجعل الأفق أكثر وضوحاً: انتخاب رئيس، ثمّ تشكيل حكومة، ثمّ انتخاب حاكم جديد وفق الأصول.
يمكن في هذه الحالة لنائب الحاكم المكلّف بتولّي صلاحيّات الحاكم أن يركن إلى الرئيس الجديد وينسّق معه في ما يتّصل بالإجراءات إلى حين تعيين حاكم أصيل يكون للرئيس نفسه “كلمة عليا” في تعيينه. وهذه قد تكون شروطاً دنيا ربّما يقبل بها وسيم منصوري.
أمّا إذا لم يتمّ انتخاب رئيس خلال شهر حزيران، وهي المهلة التي تحدّث عنها الرئيس نبيه بري للوصول إلى توافق على اسم الرئيس العتيد، فإنّ تسلّم منصوري قد يبدو متعذّراً إلّا إذا استطاعت السلطة توفير “عُدّة الشغل” التي يعتبرها نائب الحاكم ضرورية من أجل تسيير أموره.
شروطي “صلاحيّات استثنائيّة”
“عُدّة الشغل” هذه قد تتضمّن بعض الصلاحيّات الاستثنائية من أجل ترميم ما بقي من القطاع المصرفي، أو استئناف سنّ قوانين تأخّرت الحكومة ومجلس النواب بالتكافل والتضامن في بتّها، مثل قوانين “الكابيتال كونترول” و”الانتظام المالي” و”هيكلة المصارف”. فوجود هذه القوانين يعني أنّ الحاكم البديل قد يكون قادراً على التحرّك والاستناد إلى أرضيّة واضحة يمكن البناء عليها لتسيير حسن العمل داخل “المركزي”، خصوصاً أنّ لمصرف لبنان تجربة مع الحكومة تخصّ التعميم 154، الذي وضع المصارف على سكّة الهيكلة، وألزمها بتعزيز ملاءتها ضمن شروط، لكن جاءت “خطة الحكومة” لتشطب رساميل المصارف، وتعيد كلّ ما بناه “المركزي” إلى المربّع الأوّل.
تقول مصادر داخل مصرف لبنان لـ”أساس” إنّ المركزي كان بصدد إصدار تعميم جديد أو Version 2 من الـ154 للضغط على المصارف من أجل استكمال إجراءات التعميم السابق، تمهيداً لتعديل التعميم 158 أيضاً، لجعل دفعتَيْ الـ400$ بالليرة وبالدولار دفعةً واحدةً تراوح بين 500 و600 دولار بالدولار الفريش فقط، حرصاً على أموال المودعين.
لكنّ خطّة الحكومة نسفت كلّ شيء، وأعادت المصارف إلى حال من التريّث والترقّب لمصيرها المجهول. هذه التجربة بحسب أوساط مصرف لبنان تنمّ عن عدم تنسيق بين الحكومة و”المركزي”، وهو ما لا يشجّع على العمل المشترك والتنسيق.
ربّما هذا ما يدفع منصوري إلى المطالبة بتلك “الصلاحيّات”، إن جاز القول، ومن دونها قد يكون نائب الحاكم مضطرّاً إلى أن يكون “رياض سلامة” آخر يصارع السلطة المتعنّتة التي تفرض عليه شراء الوقت “بلا أفق”، وهذا ما يرفضه منصوري… على ما يبدو.