في حزيران 2019، أحبط مصرف لبنان وجمعية المصارف بالتعاون مع لجنة تقصي الحقائق النيابية خطة حكومة حسان دياب للتعافي المالي. لم يكن الأمر مجرّد صراع سياسي انتهى بتغلّب طرف على آخر، بل كان الأمر أشبه بجريمة مالية تهدف إلى التخلص من أي مشروع لتوزيع الخسائر بطريقة عادلة واستبداله ببرنامج يقوم على بند وحيد هو تحميل الخسائر كلها إلى المودعين والمواطنين على حدّ سواء. مذذاك، تستتبع أكبر عملية نهب للأموال بالتوازي مع تذويب خسائر مصرف لبنان والمصارف للهروب من أي عملية مساءلة أو تحمل للمسؤولية. كان أمام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خياران:
1- الانخراط في خطة علمية لإعادة إنهاض القطاع المصرفي يبدأ بإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف ثم استرداد الأموال المهربة والمنهوبة وأموال المودعين للوصول إلى حلّ عادل يقضي بتحميل البنك المركزي والمصارف ومجالسها والمساهمين فيها كما الـ1 في المئة من أصحاب الثروات جزءاً يسيراً من وزر هذه الأزمة.
2- تطوير مخطط الاحتيال حتى اختلاس آخر دولار في أصغر حساب مصرفي. ولأن حاكم مصرف لبنان هو نفسه الذي تسبب وغذّى انهيار الليرة اللبنانية وتلاعب بسعر الصرف وواكب انهيار القطاع المصرفي وميزان المدفوعات، ويعاني «مصرفه» من فجوة فادحة تلامس الخمسين مليار دولار، إضافة إلى خسائر متراكمة في ميزانية «المركزي».
«لا صندوق النقد، ولا برنامج إيمانويل ماكرون، ولا تدقيق جنائي»، تلك اللاءات هي النقاط الرئيسية في خطة سلامة «الإصلاحية»، مع استثناء بسيط يقضي بـ«استخدام» صندوق النقد للمساعدة على مفاوضة الدائنين أو للحصول على «ميني برنامج» يفرض فيه رؤيته المالية والاقتصادية. وبحسب مسؤولين رسميين، أضاف الحاكم نقطة أخرى تُعنى بالقطاع العام، وبكيفية استيعاب الموظفين الرسميين نتيجة تراجع القدرة الشرائية لرواتبهم التي بات بعضها يساوي أقلّ من 100 دولار. اقترح سلامة سلوك الطريق نفسها التي سلكها مصرف لبنان والمصارف، أي تحويل رواتب القطاع العام إلى الدولار ثم السماح لهم بتقاضيها على سعر صرف يوازي 3900 ليرة لبنانية، ما يعني عملياً مضاعفتها بنسبة 2.6 مرات.
في هذه الأثناء، يقول سلامة لمسؤولين رسميّين إن مسعاه لسدّ فجوة مصرف لبنان يتوقّع أن يدوم ما بين 7 سنوات و10 سنوات. تقوم خطة المصرف المركزي على تسديد الودائع وفقاً لسعر الـ 3900 للدولار الواحد (أو السعر الجديد الذي قد يعلنه قريباً)، بما يسمح ــــ مع استخدام الودائع لسدّ القروض ــــ بتذويب نحو 4 مليارات ونصف مليار دولار سنوياً. ذلك يعني طبع المزيد من الليرات. ولا يجد الحاكم أيّ مشكلة في زيادة النقد بالتداول، نهاية العام المقبل، إلى 80 ألف مليار ليرة، معتبراً أن وصول سعر صرف الدولار عام 2022، الى ما يقارب «35 ألف ليرة فقط» هو «إنجاز».
في السياق نفسه، يرى الحاكم أنه بعد «تذويب» الجزء الأكبر من الودائع، والتخلّص من ديون المصارف على «المركزي»، ينبغي التعامل مع ما يبقى من تلك «الديون» كدين أبدي عبر إصدار سندات دائمة (perpetual bonds) يدفع بموجبها فوائد للمصارف إلى ما لا نهاية
يُضاف إلى إنجازات الحاكم الذي تمكّن من خفض قيمة الخسائر التي راكمها على مدى 28 عاماً!
في بداية انهيار سعر الصرف، توقّع سلامة أن «الناس بكرا بيتعوّدوا». وفي الآونة الأخيرة، جدّد توقّعه. لكنه هذه المرة، قرّر أن «الناس بيتعوّدوا عالفقر». أتى ذلك في سياق حديثه عن تمكّنه، بعد الانتهاء من تطبيق «خطته»، من إعادة اللبنانيين إلى ما كانت عليهم حالهم عام 1990، مباشرة بعد انتهاء الحرب الأهلية. عندها سيكون الناتج القومي قد وصل الى ثلث مستواه السابق للأزمة، ويترافق مع هجرة ثلث اللبنانيين وتدنّي مستوى التعليم والنقل والخدمات الصحية، فيما عملية «الإصلاح» سيتحمّل وزرها المودعون الصغار والمتوسطون، وعموم سكان لبنان، ولن ينجو منها سوى أصحاب الثروات. لا ضير من ذلك، فسلامة واثق بأن الناس «ستتعود». وستحتاج البلاد، وفق تقديراته، إلى ربع قرن على الأقل، للعودة إلى ما كانت عليه قبيل تشرين الأول 2019!