يزور حالياً وفد اقتصادي لبناني مؤلف من مدراء عامين وممثلين عن كافة الوزراء المعنية المملكة العربية السعودية من اجل التحضير لإجتماع اللجنة العليا المشتركة اللبنانية – السعودية التي يترأسها عن الجانب السعودي وزير المالية محمد الجدعان وعن الجانب اللبناني وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش.
ويعول على هذه الزيارة الى حد كبير لمأسسة هذه العلاقات في محاولة لحمايتها من الاكتواء مجدداً بنار العوامل الخارجية التي اثرت سلباً على هذه العلاقات وطالت اقتصاد لبنان بتداعيات خطيرة.
دون شك، تعج اجندة الوفد بالكثير من البنود المهمة، فالعلاقات الاقتصادية على مختلف المستويات بلغت الحضيض خلال السنوات الاخيرة على الصعيد السياحي والاستثماري والتصدير. ويرافق المتوجهون الى السعودية منسوب تفاؤل كبير، فالبنسبة لهم لبنان لا يزال يملك كل الامكانيات الجاذبة للسائح السعودي. كما هناك تعويل كبير على جهود رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الهيئات الاقتصادية وزير الاتصالات محمد شقير لإستعادة الثقة بالإقتصاد اللبناني والتي خسرها نتيجة ازمات لبنان السياسية المتكررة وحالات الفراغ التي عاشها.
وتكمن اهمية الزيارة ايضاً في التحضير لإتفاقيات تعالج الكثير من الامور العالقة بين البلدين خصوصاً فيما يتعلق بالتبادل التجاري وكيفية تبادل المنتجات. ومن المفترض، ان يولي الوفد هذه النقطة اهمية كبيرة لا سيما ان اقفال معبر نصيب في السنوات السابقة اثر على تواجد المنتحات اللبنانية بعض الشيء في تلك الاسواق، كما ان الميزان التجاري بين لبنان والسعودية خاسر بشكل كبير (لصالح السعودية)، ففي العام 2018 بلغ العجز التجاري اللبناني مع السعودية 193.4 مليون دولار، وهو كان قد بلغ ذروته في العام 2011 حيث سجل 223.7 مليون دولار.
وتقف تساؤلات عدة خلف هذا العجز الكبير، لا سيما ان لبنان يسجل فائضاً مع دول عربية اخرى كسورية والعراق، وعلى سبيل المثال بلغ عجز الميزان التجاري اللبناني مع السعودية خلال الاربع اعوام الممتدة من عام 2014 الى عام 2017، 305 مليون دولار (لصالح السعودية)، فيما حقق فائضاً في الفترة نفسها مع سورية بقيمة 366 مليون دولار ومع العراق 799 مليون دولار (لصالح لبنان).
وعلى رغم التفاؤل الذي يعم الاجواء المواكبة للزيارة، يظهر بعض القلق في المقلب الآخر حول الجدوى منها. اذ جرى التأكيد في اكثر من مناسبة ان عودة هذه العلاقات الى طبيعتها تتطلب ايفاء القوى السياسية بوعودها عبر الاقوال والافعال معاً، فتضع الاقتصاد في سلم الاولويات وتذهب حقيقة نحو ارساء افضل العلاقات مع كل الدول التي تربطها بلبنان علاقات تجارية واقتصادية. وهنا يكمن الخطر الكبير، اذ ان الاجواء السائدة بين الافرقاء السياسيين اللبنانيين لا تبشّر فعلياً بالخير، ما يدفع الى الواجهة تساؤلات مقلقة حول اذ كانت اعادة تمتين العلاقات اللبنانية السعودية امر مضمون حقاً، وسط همس كثيف عن استحالة تغيير المواقف السياسية في لبنان لا سيما المصيرية منها ، والتي لم تتوافق سابقاً مع التوجه السعودي في المنطقة. كما ان الارتياح السعودي الذي ترجم مؤخراً برفع الحظر عن سفر المواطنين السعوديين الى لبنان، لم يواكبه انسجام حكومي بحت اذ اصطدمت الانطلاقة الحكومية ببلبلة خلقتها زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب الى سورية، وانطلاق معركة مكافحة الفساد بشكل صادم وسريع استدعى نوعاً من الاصطفافات.
ويستغرب بعض المراقبين التعويل الكبير على متانة هذه العلاقات التي اثبتت هشاشتها في وجه العواصف التي ضربت المنطقة، واصابت مقتلاً في الاقتصاد اللبناني خلال السنوات السابقة، مع غياب السياح والاستثمارات الذين احتضنهم لبنان لسنوات طويلة جداً، الا انهم استسهلوا مقاطعته وغض الطرف عنه.
انطلاقاً من مقولة “تفاءلوا بالخير تجدوه”، من الضروري عدم استباق اي عامل سلبي قد يؤثر على زيارة الوفد اللبناني الى السعودية والمساعي المتواصلة لرأب الصدع في العلاقات، على الرغم من الايمان العميق بان هذه المهمة ليست بالمهمة السهلة، ومن المبكر الحديث عن عودة هذه العلاقات الى عهودها السابقة في وقت قريب، فلا نتائج ستترجم على الصعيد الاقتصادي دون افعال، التي يبقى الخوف كل الخوف، ان تضيع مرة جديدة في متاهات الحسابات السياسية والضغوط الخارجية والدولية على لبنان، خاصة ان الظروف السياسية لكلا البلدين لم تتغيّر قط.