قد لا تجد صاحب محل لبيع لحوم الدواجن، أو صاحب مزرعة لتربية الدواجن، الا ويؤكد أن الدعم الذي يثقل كاهل خزينة وزارة الإقتصاد “لم ينالوا من جمله الا اذنه”، لأنّ الدعم المصروف على العلف كما باقي المواد الأساسية كالمازوت والسكر والبنزين، يهرّب الى سوريا عبر شاحنات يتخطى عددها يومياً الـ30 شاحنة وأكثر، تتراوح حمولة الواحدة منها بين الـ15 طناً الى 30 طناً، فيما الجزء الآخر من قيمة الدعم يذهب الى مخازن التجار وكبار مربي الدواجن الذين يقومون بتخزين العلف الى مرحلة ما بعد رفع الدعم. ولا يتبقى للبنانيين سوى النفايات والملوثات البيئية التي تصب في نهر الليطاني لتتحول الى سموم، بعدما توقفت غالبية المسالخ والمزارع عن معالجة نفاياتها، في المقابل يستمرون ببيع منتجاتهم بأسعار حرة. وفي هاتين المخالفتين، الخاسر الأكبر هو المواطن اللبناني الذي يدفع مرتين مرة ثمنها غلاء من جيبه وأخرى ضريبة.
وهذا ما يدل على أن حكومة حسان دياب تثبت يوماً بعد يوم فشلها في حل الأزمات، وتسرعها في اصدار قرارات شعبوية على حساب المال العام من دون ارفاقها بقرارات اجرائية، لضمان وصول الدعم للاسر الاكثر عوزاً..
“فبين حانا التهريب ومانا الاحتكار”، يضيع الدعم عبر تقاذف المسؤولية بين مستوردي العلف ومربي الدواجن. فالطرف الأول ينفي التهريب ويضع اللوم على “المربين الفجعانين”، الذين يخزنون البضاعة، فيما الثاني يعاجل الى المطالبة برفع الدعم، لأنه يتحوّل الى جيوب المستوردين والمحميات السياسية والحزبية وعصابات التهريب. هكذا، يتم استغلال حاجة السوق، ويصير المربون أصحاب المصالح المتوسطة والصغيرة الحجم (نحو ألفي عائلة يستفيدون من هذا القطاع) على شفير اقفال مؤسساتهم ليتسنى لمؤسسات النافذين التحكم بالسوق.
وبحسب المستندات الجمركية وشهادات مربي الدواجن، إنّ كل أنواع العلف التي يتم استيرادها مدعومة، وبالتالي أي علف يباع على أساس أنه حر هو سرقة موصوفة للمال العام، وان كميات العلف التي تضاعف استيرادها في الآونة الأخيرة حتى بلغت آلاف الاطنان تكفي السوق اللبناني لاكثر من ستة أشهر.
وتكشف مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” أن إحدى المؤسسات المشهورة بهذا القطاع، وبفضل ضغوط سياسية من رئيس تيار سياسي، استطاعت أن تستورد 90 ألف طن من العلف، بموجب اعتماد مصرفي مدعوم من مصرف لبنان على سعر 3900 ليرة أي بدعم نحو 16 مليون دولار، وهي لا تبيع غراماً واحداً من العلف للمزارعين انما تخزنه في مخازنها، فيما يبلغ سقف استهلاكها في وقت الذروة 120طناً. لذا استطاعت الشركة طرح البيض في السوق بسعر 12500 ليرة للكرتونة ليصدر وزير الاقتصاد راوول نعمة لائحة بالاسعار بناء على طلب “الهوا”، من دون دراسة تفصيلية متوافق عليها بين جميع اصحاب المزارع، للوصول الى آلية دعم تحرص على وصوله لصاحبه.
تم اعتماد المحسوبيات السياسية في توزيع الاعتمادات المصرفية، وعلى هذا الأساس حصل تجار مقربون من “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” على إعتمادات مصرفية للعلف. وتقول المصادر إن “هناك هجمة على استيراد الأعلاف بغية الاستفادة من الدعم قبل رفعه في نهاية العام الحالي ومطلع العام المقبل”.
مرزعة دواجن
التهريب
بحسب مصدر لـ”نداء الوطن” فإن كميات كبيرة من العلف خصوصاً الصويا وبزر القطن يتم تهريبها الى سوريا، عبر العديد من المعابر غير الشرعية، محملة بشاحنات تدخل الى سوريا عبر معبر قوسايا المستحدث منذ اربع سنوات من قبل أحد الاحزاب النافذة، وأيضاً من خلال معبري جنتا وحوش السيد علي في البقاع الشمالي.
ويؤكد أن سعر الذرة المدعومة لدى وصولها الى مرفأ بيروت يبلغ 170 دولاراََ، على أساس سعر صرف الدولار 3900 ليرة، فيما الوزارة تسجل سعره 235 دولاراً، اي ثمة ربح يصل الى 65 دولاراً للطن الواحد، ليتم بيعه في سوريا بـ235 دولاراً على أساس سعر صرف السوق السوداء. لذلك يمتنع التجار عن تسليم المزارعين العلف المدعوم فيضطرون لشرائه بالسعر الحر ليوقعوا على الجداول بالسعر المدعوم. وبسبب التهريب انقطع من السوق بزر القطن بشكل ملحوظ، بسبب الطلب السوري الكثيف والملحّ عليه.
ويتابع المصدر ان نسبة الارباح في الصويا وبزر القطن تفوق ضعف ثمنها الحقيقي، لتصل الى المزارع في سوريا بـ500 دولار فيما سعره على المستورد اللبناني 244 دولاراً مع ارباحه. ويدخل يومياََ من لبنان الى سوريا أكثر من 800 طن من العلف غالبيته من الصويا بحسب المصدر. ويشكل 47% من مجمل الاستهلاك العام الذي يصل الى 1800 طن يومياً حاجة دواجن لبنان.
إلتفاف على قانون “قيصر”
يكشف أحد تجار العلف السوريين أبو يزن الحمصي لـ”نداء الوطن” عن سبب ارتفاع اسعار البيض واللحوم في سوريا، وذلك لأن السوق السورية بحاجة ماسة لكميات كبيرة من علف الدواجن، وهذا ناتج من النقص الحاد وعدم قدرة الانتاج المحلي السوري على تلبية المداجن، وقال: “بسبب الأحداث والعقوبات تراجعت نسبة مربي الفروج والبياض هذا العام، وبنتيجته توقف العديد من معامل العلف المحلية عن العمل، هذا ما دفعنا لأن نستعين بالمستورد، ولأن جميع هذه الحبوب العلفية مستوردة من الولايات المتحدة وبسبب قانون “قيصر” يمنع استيرادها من قبل السوريين، لذا نستعين بشرائها من السوق اللبناني. لا هم لدينا إن كانت مدعومة او حرة انما المهم ان تبقى مزارعنا قائمة، رغم الكلفة العالية خاصة في الصويا وبزر القطن”.
ولا يخفي مصدر أمني أن ملف التهريب عبر المعابر غير الشرعية أصبح عبئاً ثقيلاً بعدما تحولت معابر التهريب عبر الدواب الى طرقات تعبر منها شاحنات وصهاريج، فيما توقيفها او منعها يحتاج الى قرار سياسي من قبل قوى الأمر الواقع. وأكد أن ملف التهريب بحجمه الضخم هو بحاجة الى توافق سياسي على ضبط الحدود ومنع عبور سيارات وشاحنات تتذرع انها بمهمات حزبية، وقال: “نكون كمن يغطي الشمس بغربال إن لم نقل الأشياء كما هي، ويزداد كل يوم التهريب وترتفع أعداد العاملين فيه بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، لا يمكن أن تتحمل المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية والجمركية كامل المسؤولية فلا يمكن ان نضع على طول الحدود مع سوريا عند كل متر جندياً، ما لم يكن هناك قرار بحماية تحركها لاقفال المعابر التي استحدثتها الاحزاب النافذة في المنطقة”.
احد العمال يضع العلف للدواجن
مربو الدواجن
لا ينكر المزارع داوود فيلو أحد كبار مربي الدجاج في البقاع أن العلف يتعرض الى نهب الدعم وبيعه الى المهربين، وقال: “انا أول من طالب وأطالب وزير الاقتصاد برفع الدعم عن العلف لوقف مزاريب السرقة والهدر”، باعتبار أن “الدعم لا يذهب الى المواطن ولا يصل الى المزارع من الجمل الا اذنه، بل الى المحاسيب والأزلام”.
وعن تخزين المزارعين لكميات من الاعلاف قال: “ليس للمزارعين قدرات مالية لتخزين كميات ضخمة، لأن أوضاعهم المالية لا تسمح لهم لما يتعرض قطاعنا للخسائر”.
وأشار إلى أن المشكلة بالمحسوبيات السياسية، “هناك مَزارع لإنتاج البيض والفروج نتساوى معها في الانتاج، ونتيجة نفوذ تيار سياسي حصلت شركة معروفة على موافقات باستيراد 90 ألف طن من العلف المدعوم، وآخرون حصلوا على 30 ألفاً وآخرون 50 الف طن، تم تخزينها في مستودعاتهم ولا يبيعون منها غراماً للمزارع الاخرى وهذا ما يهدد العشرات بالاقفال”، يتابع: “لا يعقل ان يستمر الدعم طالما سعر الصويا في سوريا 500 دولار، وعندنا في لبنان 244 دولاراً. من الطبيعي ان ينشط التهريب. في ظل فتح ابواب التهريب على مصراعيها واحتكاره لمن يستطيع تأمين اعتماد مصرفي مدعوم”.
يكشف فيلو: “عندي 240 الف دجاجة تبيض، تحتاج في الشهر 900 طن، حصلت على قسيمة لـ800 طن علف مدعوم، وبعد الضغوطات حصلت على 400 طن فقط، وأمنت الـ500 طن الباقية بسعر صرف السوق السوداء”.
لا يخفي أنه غالباً ما يشتري العلف المدعوم بسعر يزيد عن مليون وثلاثمئة ألف ليرة للطن انما يسجل على الجدول 900 الف ليرة للطن، بفارق 400 ألف ليرة عن سعره المحدد، عدا عن المتممات الغذائية التي لا يشملها الدعم، فتصبح كلفة الطن المخلوط 1575000 ليرة.
مستوردو الأعلاف
من جهته، المستورد شكرالله المعلوف يعتبر المشكلة التي تواجه المزارعين ناتجة من الآلية المعتمدة في التوزيع، نافياً أن يكون السبب التهريب الى سوريا بكميات كبيرة، وذلك بسبب كلفة النقل التي تجعل من سعر العلف موازياً لسعر المنتج السوري، وأردف ان وزير الزراعة يجب أن يولي موضوع الدعم اهتماماً أكبر. وقال: “يفرض علينا جدول نسلمه للوزارة، يدون فيه اسم المزارع، ورقم القسيمة واسم التاجر”، ليشرح أنه “ليس سهلاً التلاعب بكمية العلف المدعوم المباعة او المتبقية”. ويعتبر أن المشكلة تكمن في “المزارعين الفجعانين، يريدون كميات أعلاف مضاعفة للكميات المستهلكة يشترونها بسعر صرف مدعوم ويخزنونها لما بعد رفع الدعم، وهذا يضع السوق أمام شح يزيد الطلب ويرفع السعر”.
وفي هذا السياق، عقد وزير الزراعة في حكومة تصريف الاعمال عباس مرتضى اجتماعاً مع مستوردي الأعلاف المدعومة في اطار مساعي الوزارة لاعادة تنظيم الدعم لايصاله الى مستحقيه من مربي الماشية والدواجن. وتم التوافق خلال الاجتماع على وضع آلية جديدة تتضمن تحديد تجار الأعلاف في القرى والبلدات، الذين سيزودون المستوردين بأسماء المربين المستحقين الاستفادة من الدعم عبر بطاقات تعريفية جديدة ستصدرها وزارة الزراعة لهذه الغاية، على ان تتم احالة المخالفين الى النيابة العامة المالية.