وقف التعامل بالشيكات المصرفية؟!

من التبريرات الشائعة القول أن المصارف اللبنانية تعرضت لكمٍ هائل من الضغوطات على رأسها التراجع الإقتصادي الكبير، العجز في الموازنة العامة، جائحة كورونا، قرار وقف دفع سندات اليوروبوندز، الأزمة السياسية#0236 وغيرها. إلا أن جميع ذلك لا يعفيها من تحمّل قسم كبير من المسؤولية في الأزمة المصرفية، ولعل أبرزها وقوعها في مخاطر التركيز والطمع في الربح السريع.

فقد فضلت أكثر المصارف إقراض الدولة على تمويل القطاع الخاص بشقّيه الإستثماري والإستهلاكي، مُعتبرة أن المخاطر على القطاع الخاص كبيرة جدًا وبالتالي وعملاً بالنظرية المالية التي تنصّ على أن الدولة هي اللاعب الأكثر ملاءة، قامت بإقراضها بشكل مُفرط وغير مدروس! فبحسب أرقام كانون الأول 2017، أقرضت المصارف الدوّلة اللبنانية 14.18 مليار دولار أميركي على شكل سندات يوروبوندز. في المُقابل أقرضت هذه المصارف القطاع الخاص (بالدولار الأميركي) ما يُقارب الـ 41 مليار دولار أميركي من أصل 115.9 مليار دولار أميركي ودائع القطاع الخاص بالعمّلة الصعبة وإذا ما حسمّنا أيضًا الإحتياطي الإلزامي والبالغ 17.39 مليار دولار أميركي، فهذا يعني أن هناك 43.5 مليار دولار أميركي تمّ توظيفها خارج الماكينة الإقتصادية.

وبالنظر إلى هيكلية الدين الإجمالي للبنان أي دين القطاع العام إضافة إلى دين القطاع الخاص، نرى أن دين القطاع العام بلغ 150% من الناتج المحلّي الإجمالي مقارنة بـ 116% للقطاع الخاص (أرقام العام 2017). والمعروف أن نصف دين القطاع الخاص (أقلّه) كان على شكل قروض إستهلاكية، وإذا ما وضعنا جانباً القروض الإستثمارية التي دعمها مصرف لبنان ضمن رزمه التحفيزية، نستنتج أن المصارف اللبنانية أقحمت نفسها في موقف صعب مع تعرضها للنشاط الإقتصادي المُتردّي أصلاً وذلك على صعيدين: القطاع الخاص الذي يقترض بهدف الإستهلاك ويُسدّد من نشاطه الإقتصادي (المبني على الإستيراد)، والقطاع العام الذي يستدين لسد عجزه ويُسدّد من ضرائب على النشاط الإقتصادي.

فيما يخصّ شرط رفع رأس المال، تُشير المعلومات المتوافرة إلى أن مُعظم المصارف تقريبًا إستوفت هذا الشرط، إلا أن المُشكلة هي بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة وهو أمر صعب التحقيق بالنسبة للعديد من المصارف.

بالنسبة لحثّ الزبائن الذين حوّلوا أكثر من 500 ألف دولار في الفترة المُمتدّة ما بعد 2017/7/1، على إعادة 15% أو 30% (للمعرّضين سياسيًا)، يجب معرفة أن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد حرّ وبالتالي لا يوجد أي قانون يُلزم هؤلاء بإرجاع أموالهم أو قسم منها.

في هذا الوقت، أخذ بعض الصرافين الرئيسيين في بعض المناطق (نتحفظ عن ذكرها) بتعميم شائعات عن قرب وقف العمل بالشيكات المصرفية وبالتالي فإن نسبة الكاش إلى قيمة المبلغ ستُصبح 20% بعد أن كانت سابقًا 30% مما يعني زيادة أرباح بعض المضاربين! هذا الأمر يعني خلق فوضى في السوق خصوصًا أن بعض المودعين سيعمد إلى الإستعجال بسحب أمواله عبر شيكات مصرفية وبالتالي سيؤدي ذلك الى إرتفاع بسعر صرف الدولار في المرحلة المُقبلة وتسجيل خسارة كبيرة على المودعين!

إن وقف العمل بالشيكات هو قتل للقطاع المصرفي ومن خلفه الإقتصاد ومن بعده ضرب معيشة الناس! من هذا المُنطلق، المطلوب من الأجهزة الرقابية ملاحقة مُطلقي هذه الشائعات إضافة إلى تجّار الشيكات التي خلقت Arbitrage بحكم القيود على السحب.

ومن هنا لا بد للنظام المصرفي إذا ما أراد النهوض من جديد في ظل التعاميم التي تحاول جاهدة أن تحيي من جديد روح الثقة، ليس فقط أن تؤكد على أحقية قبض التحويلات الخارجية نقدًا، فهذا أضعف الإيمان، ولكن أن ترسم النظرة المستقبلية للودائع المحجوزة لديها، وإلا فما أدرانا أن الحساب «لفريش» الآن لن يتحول مع أي أزمة جديدة إلى فئة دولارية جديدة.

مصدرجريدة الديار - بروفسور جاسم عجاقة
المادة السابقةمع بداية الأسبوع.. كم يبلغ سعر صرف الدولار؟
المقالة القادمةالدولار الى أين… كيف… ومتى؟