وقف تمويل الدولة… لعبة عضّ أصابع خطيرة؟

دخل قرار وقف تمويل الدولة حيز التنفيذ منذ اليوم الاول لاستلام نواب الحاكم مهمّة الحاكمية، أي منذ الاول من آب. ويبدو انّ هذه الخطوة تشمل منصّة صيرفة، بدليل توقّف صدور البيانات اليومية عن مصرف لبنان التي تعلن فيها عن حجم حركة التبادل. عدا عن ذلك، نحن أمام استحقاقات مهمّة في الفترة المقبلة، إذ عدا عن الرواتب والاجور للقطاع العام والجيش والقوى الأمنية، هناك مستحقات الإنترنت ودعم أدوية الامراض المزمنة، وتحويل اموال الكهرباء من الليرة إلى دولار… مستحقات قدّرتها الدولة بـ 200 مليون دولار شهرياً.

يوحي حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ونوابه، بأنّ فصلاً جديداً من التعاطي بين المركزي والدولة قد بدأ، ومنذ اليوم الاول لتسلّمهم المهام أوقفوا تمويل الدولة، بما يؤكّد على جدّيتهم في العمل وإقران الأقوال بالأفعال، وبما يعني انّ الطابة اليوم في ملعب الحكومة. وقد تردّد أمس عن تكليف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير المال يوسف خليل بإعداد مشروع قانون اقتراض من مصرف لبنان، على ان يتشاور وزير المال في الصيغة مع الحاكم بالإنابة وسيم منصوري ونواب الحاكم الآخرين.

هذا من حيث الشكل، لكن في المضمون أسئلة مشروعة تُطرح:
– من ناحية الحاكم ونوابه، لا يجوز ان يتركّز عملهم على طلب إعطائهم قانوناً للإقراض فقط، بمعنى آخر «احمونا قانونياً لنصرف الاموال»، ففي هذا استكمال لسياسة المركزي السابقة مع فارق التغطية القانونية.

– لا يجوز ان ينصبّ الاهتمام اليوم على قانونية الإقراض انما المطلوب ايضاً الضغط من اجل إقرار الخطوات الاصلاحية المنتظرة منذ أكثر من 3 سنوات مثل الكابيتال كونترول وغيرها.

في المقابل، ماذا تنوي ان تفعل الدولة؟ هل ستقف موقف المتفرّج مجدّداً واضعة هذه المرة موظف القطاع العام والجيش والقوى الأمنية في وجه مصرف لبنان مثلما فعلت في السابق مع بداية الأزمة عندما وضعت المودع في وجه المصارف؟ كذلك من الواضح انّ احداً لا يريد ان يتحمّل مسؤولية مدّ اليد على اموال المودعين، لذا نرى تقاذف كرة القوننة ايضاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، رغم انّ الاجتهادات القانونية تؤكّد اصلاً انّه لا يجوز اصدار قانون يسمح بمد اليد على اموال المودعين.

في هذا السياق، يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية»: «من الطبيعي ان يكون لنواب الحاكم مقاربة قد لا تتطابق كلياً مع مقاربة الحاكم السابق رياض سلامة». ورأى انّ «ما من خطأ في ما يقوله النواب وما يفعلونه، لكن السؤال الى اي مدى يمكن للنهج الذي سيُتّبع ان يسيّر أمور البلد في خضم الأزمة التي يمر فيها والوضع غير الطبيعي؟».

وتوقف حمود عند كلام منصوري الاخير الذي قال فيه «أدّين الدولة وفق قناعاتي»، أي وفقاً لقانون يُحال من الحكومة الى المجلس النيابي، بما يعطي حق الاقتراض للحكومة وليس حق الإقراض من مصرف لبنان، فهو لم يطلب من الحكومة والنواب اصدار قانون حتى يتمكن من الاقراض، لأنّ في ذلك موافقة على كل المبالغ التي تطلبها الدولة. ولو كان منصوري يريد فقط هذا القانون نكون امام مصيبة كبرى».

ورأى انّه بقول منصوري: «أدّينها من ضمن قناعاتي والقانون» فهو يقصد بمعنى آخر: أوجدوا قانوناً للاستدانة مع معرفته المسبقة انّ قانوناً بهذا الخصوص لن يبصر النور»، وبقوله «ضمن اقتناعاتي» كان يقصد ضمن مبادئ أساسية يضمن من خلالها استرجاع هذه الاموال، وكأنّه يذكّر الدولة بطريقة غير مباشرة «بمصير اموال حقوق السحب الخاصة بلبنان SDR؟ وبماذا فعلت تجاه تخلّفها عن الدفع (default)؟ « وتالياً وأمام هذين النموذجين، كيف سنضمن انّ الدولة ستعيد الاموال التي ستتدينها؟

سيناريوهان في المرحلة المقبلة

ورأى انّ نواب الحاكم اليوم «بين شقوفين» فمن جهة الدولة بحاجة الى دولار ولا يمكنها من دونه، لكن من جهة أخرى هذه الدولة التي تعاني عجزاً بموازنتها امامها خيار من اثنين، اما طبع الليرة وشراء الدولار من السوق لتأمينه، أما ان تتدين الدولار الموجود في المصرف المركزي، أي من اموال المودعين.

وعن التخوف من ارتفاع الدولار في السوق الموازي في حال رفض المركزي مدّ الدولة بالدولار التي ستضطر الى طباعة مزيد من الليرات لتغطية نفقاتها قال حمود: «نحن اليوم امام خيارين: إما صرف 4 مليارات دولار على مدى 4 سنوات ريثما تنتهي ولاية نواب الحاكم وولاية المجلس النيابي، فيبقى لدينا 4 مليارات دولار «ومن بعدي الطوفان» لمن يستلم السلطة بعدها، وفي هذه الحالة على السلطة ان تواجه الناس وتقول: لا نريد ان نستدين بالليرة اللبنانية لأننا نعاني عجزاً في الموازنة والاستدانة بالليرة ستؤدي الى ارتفاع الدولار الذي لا بدّ من ان يترافق مع ارتفاع الاجور وتكبير كتلة التضخم…

أما الخيار الثاني فيكمن في استعمال اموال المودعين بطريقة مغايرة، على امل ان يعود الاستقرار إلى البلد وتنتظم الحياة السياسية وتُعاد بعدها اموال الناس للناس». وقال: «لا يجب ان تكون هناك خشية من ارتفاع الدولار انما من استنزاف كل مقومات الحياة في الدولة، فادخارات المواطنين اليوم هي ادخارات الدولة ولا يمكن تبديدها حفاظاً على استمرارية الدولة وكينونتها».

وعن التركيز اليوم على الاقتراض بدل الضغط باتجاه إقرار الاصلاحات يقول حمود: «لا شك انّ الاصلاحات مطلوبة انما هي مسار طويل سيستغرق سنوات قبل ان تظهر مفاعيله، بينما موضوع الاقتراض من المركزي آني أكثر، فنحن امام مشكلة مستعجلة تكمن في تأمين رواتب القطاع العام، والّا فإنّ عدم تأمينها سيؤدي الى انفجار اجتماعي». وأشار حمود إلى انّ الجزء الأكبر من الاموال التي تطلبها الدولة اي الـ 200 مليون دولار سيباع للمصرف المركزي كي يتدخّل في السوق للحدّ من صعود الدولار في السوق الموازي».

مصدرالجمهورية - ايفا ابي حيدر
المادة السابقةسباق مع الفوضى قبل أيلول
المقالة القادمةمنصوري وحيداً: فعلت المطلوب مني… ماذا عنكم؟