وقف دعم المحروقات لا يضمن اختفاء الطوابير

طوابير الانتظار أمام محطّات بيع المحروقات، وانقطاع الكهرباء، والتجارة في السوق الموازية، والتهريب عبر الحدود، ستستمر بعد رفع الدعم. هذه هي الخلاصة التي يجزمها عاملون في السوق ومسؤولون رسميون وخبراء اقتصاديون. فالعقدة ليست في السعر، بل في الكميات المتوافرة التي يتحكّم بها حاكم البنك المركزي، رياض سلامة. قبل يومين من نهاية شهر تموز الفائت، تراجع حجم الطوابير أمام المحطات، جزئياً، فكان يُمكن تعبئة البنزين من دون الانتظار لساعات. يوضح مصدر في وزارة الطاقة أنّه «يومها، انتشرت أخبار عن استمرار الدعم، فتراجع الطلب على البنزين للتخزين، وقام المُخزّنون ببيع جزء من الكميات الموجودة لديهم. انتهى هذا المخزون في أيام، وعادت بلبلة رفع الدعم، فتجدّد الضغط على المحطات». انطلاقاً من هنا، لا شيء يضمن أن يتوافر البنزين في المحطات والمازوت لدى كهرباء لبنان والمولدات الخاصة، حتى إن نفّذ سلامة تهديده وقرر زيادة سعر الدولار الذي يؤمّنه للمستوردين إلى سعر منصة «صيرفة» (نحو 16 ألف ليرة أمس) نهاية أيلول. واحد من المؤشرات على ذلك هو سلوك الحاكم حالياً.

يتحدّث مصدر في رئاسة الجمهورية عن «معلومات بأنّه طُلب من سلامة التوقّف عن دعم استيراد المحروقات لأهداف سياسية، ولكن يوجد سبب آخر يتعلّق بحساب التوظيفات الإلزامية لدى مصرف لبنان». في مقابلته الأخيرة على إذاعة «لبنان الحرّ»، أعلن سلامة أنّه يوجد 14 مليار دولار في هذا الحساب «لا تُمسّ». ولكن المعطيات، بحسب المصدر، تُشير إلى أنّ «المبلغ لا يتخطّى 6 مليارات دولار. هو غير قادر على تأمين الدولارات. والخطورة تكمن في إمكان أن يقرّر مدّ المصارف والسوق بالليرة اللبنانية، حتى تُستخدم لشراء الدولارات وتزيد الضغط على سعر الصرف».

وبانتظار حلّ هذه المعضلة، «إذا لم يكن الدولار متوفّراً لاستيراد المحروقات، حتى ولو كان المواطن يملك المال لشرائها فلن يجدها، لذلك رفع الدعم في هذه المرحلة لن يُخفّف من المعاناة»، يؤكد المصدر «الرئاسي». يُضاف إلى ذلك أنّ «حالة عدم اليقين عند الناس، وخوفها الدائم من انقطاع المحروقات، رفعا نسبة الكميات المطلوبة، لتصطدم بسياسة سلامة الهادفة إلى خفض الاستيراد لمعالجة الخلل في ميزان المدفوعات.

يقول مصدر في وزارة الطاقة إنّه «طالما بقي مصرف لبنان يتحكّم بالاعتمادات، ستبقى أزمة المحروقات مُستمرة». المفترض من السلطة السياسية «سحب ورقة الضغط هذه من يد سلامة، عبر اعتماد الحكومة آليات مختلفة مثل توزيع بطاقات لكل سيارة دفعت رسوم الميكانيك، بما يسمح لصاحب السيارة بأن يشتري 30 ليتراً من البنزين (على سبيل المثال)، في الأسبوع بسعر مدعوم. أما من يرغب بشراء المزيد، فالبنزين متوفر له بسعر السوق. وهذا الإجراء يؤدي إلى وقف التهريب، وخفض الاستيراد، من دون إحداث خضّات في السوق. يُضاف إلى ذلك وجوب تعزيز إنتاج كهرباء لبنان لتخفيف استهلاك مازوت المولدات. المطلوب استمرار الدعم الموجّه إلى مكانه الصحيح، يعني إجراءات تدعم استهلاك من يجب دعمهم، وليس دعم المستوردين».

تبدأ كلّ هذه الإجراءات، كما يقول أحد الخبراء الاقتصاديين، من «استعادة الدولة لدورها، وتُقرّر هي كم تبلغ الحاجات الاستهلاكية للمجتمع، وتفرض على مصرف لبنان فتح اعتمادات على هذا الأساس». يوجد خيارات سهلة «أبرزها عقد اتفاقيات من دولة لدولة، وهناك العديد من الدول المُستعدة لذلك». ولكن لا يُمكن رفع الدعم عن استيراد المحروقات «من دون برنامج اقتصادي شامل، في صلبه خطة متكاملة لقطاع النقل لتخفيف استهلاك السيارات الفردية، وبالتالي البنزين، وإلا يكون رفع الدعم قاتلاً لتسبّبه بزيادة التضخّم والأسعار والمزيد من انهيار العملة… واستمرار انقطاع المحروقات».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقةوأصبح لمحطات البنزين منصاتها
المقالة القادمةالباخرة الإيرانية تدخل المياه السورية