حافظت وكالة التصنيف الدوليّة ستاندرد أند بورز (S&P Global Ratings) في تقريرها المؤرَّخ في 1 آذار 2019 على التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملات الأجنبيّة والمحليّة للبنان عند “B-” و”B” بالتتالي مع تعديل النظرة المُستقبليّة إلى “سلبيّة”.
في التفاصيل، علّلت الوكالة إبقاءها للتصنيف السيادي بتقديرها أن تتعافى تدفّقات الودائع بعد أن تمّ تشكيل حكومة جديدة بتاريخ 31 كانون الثّاني 2019، وذلك بعد تأخيرٍ دام لمدّة تسعة أشهر، إضافةً إلى تعهّد قطر وربّما السعوديّة بدعم لبنان ودور مصرف لبنان في المساعدة في خدمة الدين، ممّا يمكّن الدولة من تلبية حاجاتها التمويليّة والعجز التجاري لمدّة إثني عشر شهراً. وقد أظهرت الحكومة الجديدة إستعدادها لتطبيق الإصلاحات التي تمّ التعهّد بِها في مؤتمر سيدر في العام 2018، كما ورَد في البيان الوزاري الذي سلّط الضوء على الإصلاحات الهيكليّة المنوي العمل بِها، إلاّ أن الوكالة أعربت عن إعتقادها بأنّ تطبيق تلك الإصلاحات غير مؤكّد. وتعتقد الوكالة أنّه إذا أجريت الإصلاحات وتمّ إقرار موازنة العام 2019، فإنّ ثقة المستثمرين سوف تتحسّن. بالأرقام، وبعد صدور بيانات إقتصاديّة رسميّة تشير إلى نموّ إقتصادي بنسبة 0.6% خلال العام 2017 (مقارنةً مع تقديراتٍ سابقة لنموٍّ بنسبة 1.4%)، قدَّرت ستاندرد أند بورز نسبة النموّ الإقتصادي الحقيقي في لبنان بحوالي 0.5% في العام 2018. في هذا السياق أشارت الوكالة إلى تراجع في مستوى الإستهلاك والإستثمار نتيجةً للزيادة الضريبيّة التي تمّ الموافقة عليها في العام 2018 والتجاذبات السياسيّة وإنخفاض حجم التسليفات العقاريّة المدعومة من قبل مصرف لبنان. كما أنّ الوكالة قد توقّعت أن يصل متوسّط النموّ إلى 2.5% مع حلول العام 2022، ليبقى بذلك أدنى من المتوسّط الذي تمّ تسجيله ما بين العامَين 2007 و2010، والبالغ حينها 9.2%. ويستَنِد هذا النموّ المتوقّع التطبيق الجزئي لمشروع الإستثمار الرأسمالي للحكومة(Capital Investment Program) الذي تمّ تحضيره بالتعاون مع البنك الدولي. كما يفترض هذا النموّ الضعيف وهناً في محرّكات النموّ التقليديّة في لبنان، أي القطاع العقاري وقطاع البناء والقطاع السياحي. أمّا على صعيد الماليّة العامّة، فقد قدّرت ستاندرد أند بورز صافي نسبة الدين العامّ من الناتج المحلّي الإجمالي عند 133% في العام 2018، وهي ثالث أعلى نسبة مديونيّة بين الدول التي تصنّفها الوكالة بعد فنزويلا واليونان. وقد أشارت ستاندرد أند بورز إلى أنّ الماليّة العامّة لا تزال رهينة الحجم الكبير والنموّ المستمرّ لكلٍّ من خدمة الدين (والتي توازي حوالي 50% من عائدات الحكومة، وهو أعلى معدّل بين الدول التي تصنّفها الوكالة) والتحويلات إلى شركة كهرباء لبنان (في ظلّ إرتفاع أسعار النفط). كذلك على صعيد الماليّة العامّة، فقد ذكرت الوكالة أنّ عجز الموازنة في العام 2018 قد بلغ 11% من الناتج المحلّي الإجمالي، مقابل 7.0% في العام 2017 مع توقّعها بأن يصل هذا العجز إلى معدّل 10% من الناتج المحلّي الإجمالي في الفترة الممتدّة بين العامين 2019 و2022. في هذا السياق، تعهّدت الحكومة الجديدة بأن تخفّض نسبة العجز ب1% سنويّاً خلال فترة الخمسة أعوام القادمين عبر إصلاح القطاع الكهربائي وتوقيف التوظيف، كون تخفيض العجز شرط أساسي للإستحصال على الأموال المتعهّد بها في مؤتمر سيدر. كذلك إعتبرت الوكالة أنّ القطاع المصرفي اللبناني لا يزال مصدر التمويل الرئيسي للحكومة، مع العلم أنّ التسليفات الممنوحة من قِبَل المصارف إلى القطاع العامّ تشكّل نحو 40% من الدين العامّ وأنّ حصّة البنك المركزي من سندات الخزينة اللبنانيّة تناهز ال50%. ومن المفترض أن يعود نموّ ودائع الزبائن إلى التحسّن بعد التراجع الذّي شهده في العام 2018، إلّا أنّ الودائع من قبل غير المقيمين قد لا تكون كافية لتغطية حاجات التمويل الخارجيّة، وذلك دائماً بحسب الوكالة. ومع ذلك، فقد أشار التقرير إلى أنّ أيّ سحب لودائع غير المقيمين من القطاع المالي اللبناني عبر التاريخ قد بقي مؤقّتاً وصغير الحجم حتّى عند أحلك الظروف (مثل حقبة إغتيال رئيس الحكومة السيّد رفيق الحريري في العام 2005 والحرب الإسرائيليّة على لبنان في صيف العام 2006). كذلك سلّطت الوكالة الضوء على الدور المهمّ الذي يلعبه مصرف لبنان في توجيه السياسة الإقتصاديّة والماليّة للبلاد، بحيث قام بإطلاق هندسات ماليّة منذ العام 2016 لتحفيز تدفّق الودائع من قِبَل غير المقيمين وزيادة الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة. أمّا فيما يختصّ بالتجارة الخارجيّة، فقد إرتقبت ستاندرد أند بورز أن يبلغ متوسّط العجز في حساب الميزان الجاري عند حوالي 22% من الناتج المحلّي الإجمالي ما بين العامين 2018 و2022، مع توقّع بأن يتراجع هذا العجز لغاية العام 2022 بفعل النموّ التدريجي في الصادرات بُعيَد إعادة فتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا. من جهةٍ ثانية، ذكرت الوكالة أنّ الحكومة اللبنانيّة على وشك البدء بإطلاق دورة تراخيص ثانية للنفط والغاز في المياه الإقليميّة اللبنانيّة، غير أنّها لم تأخذ بعين الإعتبار في توقّعاتها للنموّ الإقتصادي وللمؤشّرات الماليّة العامّة للبنان تداعيات أيّة إكتشافاتٍ نفطيّة محتمَلة. في هذا الإطار، شدّدت الوكالة على أهميّة تطبيق إصلاحاتٍ ماليّة وهيكليّة ترافقاً مع الزيادة في الإستثمار العامّ بهدف الحدّ من أيّ إزديادٍ إضافيٍّ في الدين العامّ. يجدر الذكر أنّ تحسين للنظرة المستقبليّة من “سلبيّة” إلى “مستقرّة” يعتمد على الإصلاحات التي سوف تجريها الحكومة ل”تحسين النموّ الإقتصادي وتخفيض الدين العامّ على الأمد المتوسّط”. في المقابل، حذّرت ستاندرد أند بورز من أنّ أيّ تفاقمٍ في الوضع السياسي والإقتصادي للبلاد الذي قد يؤدّي إلى إنكماشٍ ملحوظٍ في تدفّق الودائع إلى القطاع المصرفي اللبناني أو إلى تراجعٍ كبيرٍ في إحتياطات البلاد بالعملة الأجنبيّة، أو أيّ ضعفٍ في ربط العملة الوطنيّة، قد يدفع الوكالة إلى تخفيض تصنيفها السيادي للبنان. كذلك قد تقوم الوكالة بتخفيض تصنيفها السيادي للبنان في حال قرّرت الحكومة إعادة هيكلة الدين العام.