ولادة الموازنة متعسرة بين متاريس الحكومة ومتاريس النفايات!

 

في الوقت الذي تتهيب فيه الطبقة السياسية تجرّع “الكأس المرة”، أي الإقتطاع او التجميد من الرواتب.. كشفت المناقشات الماراتونية، شبه اليومية، عن خلل، في عمل المؤسسات الدستورية، عبّر عنها على نحو تلميحي، ذي دلالات الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر ان “الممارسة السياسية تقدم أحياناً صورة مشوهة عن الشراكة” التي اعاد تجديد مفاهيمها اتفاق الطائف..

ووصف ما يجري من مناقشات وتسريبات ومناكفات في مجلس الوزراء بأنه تعطيل للسلطة التنفيذية “عندما يتحول مجلس الوزراء الى متاريس سياسية”. محملاً المسؤولية للكل، يعني للكل، مؤكداً انه لا يمكن لأي “جهة على طاولة مجلس الوزراء ان تتنكر للقرارات التي تتخذ سواء بالتوافق أو بالتصويت”.

والأخطر في كلام الحريري في مأدبة الافطار غروب امس في السراي الكبير تحذيره من ان القرارات الملحة في ما خص البرنامج المالي، المرتبط بـ”سيدر”، يشكل فرصة للبلد، ويحتاج الى قرارات جريئة، وسيكون بلا جدوى اذا قررنا تأجيل القرارات الملحة ستة اشهر او سنة والقرار بأيدينا وشركاؤنا في مؤتمر “سيدر” ينتظرون وعلينا ان نبادر.

بموازاة ضغوطات حركة الشارع الآخذة بالاتساع مع تثبت النيات بـ”مدّ يد سيدر” على رواتب ومعاشات التقاعد للموظفين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين، في التعليم، او الادارة او القضاء، حتى الجمارك والعسكريين العاملين والمتقاعدين، الامر الذي دفع بخبراء ومحللين الى التساؤل حول تأثير الخلافات ليس فقط على العلاقة بين الدولة وموظفيها، بل ايضاً حول قدرة الحكومة الحالية على الاحتفاظ بالتماسك، في ظل احتدام الخلافات بين الفرقاء السياسيين.

الجلسة 14

واللافت ان مجلس الوزراء الذي استأنف امس درس مشروع موازنة العام 2019، في جلسة حملت الرقم التسلسلي 14، لم يصل بعد الى مقاربة الارقام في الموازنة الجديدة التي حملها وزير المال علي حسن خليل الى المجلس، ولم تقترب بشكل مباشر الى الملفات الحساسة، حيث اقتصر النقاش على ورقة وزير الخارجية جبران باسيل الذي كان قدمها الى المجلس بداية الاسبوع، وعكف على دراستها بنداً بنداً، مع العلم ان العديد من البنود والمقترحات المدرجة في الورقة تم التطرق اليها في وقت سابق، ما دفع عدداً من الوزراء الى اعتبار ما يجري بأنه نوع من المماطلة ما زالت تحكم جلسات مجلس الوزراء، بالرغم من بعض القرارات التي تتخذ سواء من صلب المشروع الاساسي للموازنة ام من خارجه، كذلك دفع الوزير خليل الى الاعراب عن استيائه من هذه المماطلة الناتجة عن طرح بعض البنود اكثر من مرة، او طرح مقترحات جديدة، وهو عبر عن ذلك بقوله للوزراء: “لقد اعدنا صياغة الموازنة والجداول اكثر من مرة، وهي باتت في صيغتها النهائية”.

وانسحب هذا الاستياء من المماطلة على وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية”، خاصة بعد استغراق المجلس مطولاً في تفاصيل ورقة باسيل، رغم ان الكثير من بنودها وارد في الموازنة.

وفي المعلومات انه ما زال امام المجلس مناقشة، الصفحة الاخيرة من تصور باسيل المكون من ست صفحات، على ان يكون ذلك في الجلسة التي تقرر عقدها ليل الاحد، قبل الانتقال لقراءة موازنة خليل الجديدة التي سلمها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء امس على CD لتوزيعها على الوزراء الذين يفترض ان يعكفوا على دراستها اليوم، خلال فترة الاستراحة، بعدما اصبحت في حوزتهم، قبل بحثها في جلسة الغد، واذا استدعى الامر عقد جلسة اخرى ظهر الاثنين للمتابعة.

وتضاربت توقعات الوزراء بالنسبة لموعد الانتهاء من درس الموازنة، فبينما توقع عدد منهم ان تكون جلسة الاحد ختامية اشار عدد آخر الى ان الامر لا يزال يحتاج الى جلسات عدة لانجازها، قبل الدعوة لعقد جلسة الاقرار النهائية في قصر بعبدا، وشكك مصدر وزاري مطلع بإمكان الانتهاء من الموازنة غداً الاحد.

على ان الجديد الذي سجل في الجلسة امس، هو الاتفاق على ان يتخذ المجلس الاعلى للدفاع القرار في شأن التدبير رقم 3 الخاص بالعسكريين، وجاء هذا القرار نتيجة الاجتماع الذي عقد قبيل الجلسة بين الرئيس سعد الحريري ووزيري الدفاع الياس بوصعب والداخلية ريا الحسن، وهو تتمة للاجتماع الذي عقد بين الوزيرين امس الاول في الدفاع، والذي وضع الوزير بوصعب الرئيس ميشال عون في اجوائه قبل وصوله الى السراي، على ان يتخذ القرار بصيغته النهائية في مجلس الوزراء بموجب مرسوم مستقل عن الموازنة.

ومن الجديد ايضاً طرح موضوع تخفيض بدل النقل لموظفي القطاع العام من ثمانية آلاف ليرة الى ستة آلاف، الا انه لم يتخذ قرار نهائي في شأنه.

وعلمت “اللواء” ان التخفيضات في وزارة الدفاع شملت ما يعرف بقانون التجهيز والمحروقات والصيانة والدورات والاتصالات وبلغ الوفر فيها 443 مليار على ان الرئيس عون الذي التقى الوزير بوصعب كرر ان لا مس برواتب وتعويضات العسكريين. اما بالنسبة الى التدبير 1و2و 3 فيعود الى المجلس الأعلى للدفاع البت به ووفق توجيهات رئيس المجلس.

وقالت مصادر مطلعة لـ”اللواء” انه لا يمكن الغاء هذا التدبير المتعلق بمهام أمنية. وكان مجلس الوزراء كلف الجيش بمهمة حفظ الأمن .

واعلن وزير الاعلام جمال الجراح بعد الجلسة: اتخذنا جملة اجراءات في ملف التهرب الضريبي والجمركي وتم تكليف وزارة الدفاع بوضع الية لمنع التهريب عبر المعابر غير الشرعية. واتخذنا قرارا بالزام البلديات أن تصرح عن الشركات والمؤسسات العاملة ضمن نطاقها لفرض الضريبة عليها وان يتم تصديق ميزانية الشركات والمؤسسات من وزارة المالية، وان تشمل الضريبة على القيمة المضافة الشركات التي يبلغ حجم اعمالها خمسين مليون ليرة بدل مائة مليون.

وكشف الجراح انه “تم طرح تخفيض بدل النقل لموظفي القطاع العام من 8 آلاف الى 6 آلاف ليرة”. لكن علم انه تم طرح امكانية خفض بدل الانتقال ايضا للقطاع الخاص لكن لم يتخذ قرار بالموضوع كون القطاع الخاص لم يستفد من سلسلة الرتب والرواتب، على ان تكون الاجراءات بهذا الخصوص وغيره ضمن سلة واحدة.

الحريري في افطار السراي

أما الرئيس الحريري، فلم يشأ في الكلمة التي القاها خلال مأدبة الافطار التي اقامها في السراي الكبير، الدخول في نقاش حول مسار مناقشات مجلس الوزراء، في خصوص الموازنة، والحراك الحاصل في الشارع، لكنه عبر عما يمكن ان يوصف بالامتعاض مما اسماه “المزايدات والسباق في ميادين الاعلام”. لافتاً الى ان هناك بياناً وزارياً جرى التوافق عليه فقرة فقرة، ولدينا برنامج توافقنا عليه وعرضناه في مؤتمر “سيدر”، وهو يشكل فرصة للبلد ويحتاج الي قرارات جريئة ولارادة من كل الشركاء لوقف النزيف الاداري والمالي. محذراً بأن ما “نتوصل اليه اليوم سيكون بلا جدوى اذا قررنا تأجيل القرارات الملحة ستة اشهر او سنة”، مؤكدا بأن “القرار بايدينا وشركاؤنا في مؤتمر “سيدر” ينتظرون، وعلينا ان نبادر”.

واكد الحريري على ان اتفاق الطائف اعاد تجديد العمل بالمفاهيم الكاملة للشراكة، لكن الممارسة السياسية تقدم احيانا صورة مشوهة عن الشراكة ونحن نريد ترجمة الشراكة من خلال المؤسسات الدستورية وتحديدا على طاولة مجلس الوزراء الذي يتصدى بكل مسؤولية للاصلاح الاقتصادي والمالي ولاسباب الهدر في الانفاق العام. وشدد على ان طاولة مجلس الوزراء، محكومة بان تكون طاولة للحوار المسؤول والقرارات المسؤولة، وخط الدفاع الاول عن تطبيق القوانين وحماية حقوق اللبنانيين، لافتا الى انه?”عندما يتحول مجلس الوزراء الى متاريس سياسية، على صورة العديد من التجارب السابقة، تتعطل السلطة التنفيذية وتتوقف الدولة عن العمل”.?وقال: “الكل في مجلس الوزراء مسؤول، يعني الكل مسؤول، وما من جهة على طاولة مجلس الوزراء تستطيع ان تتنكر للقرارات التي تتخذ، سواء بالتوافق او بالتصويت”.

الى ذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ”اللواء ان وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الذي التقى الرئيس عون على هامش تقديمه واجب العزاء بالبطريرك صفير استوضح مسار الاجراءات التي تتخذها الحكومة لوضع توصيات “سيدر” موضع التنفيذ مؤكدة انه اوحى بكلامه ان هناك انتظارا للأمور التي تمت الأشارة اليها في سيدر من دون ان يتم وضع موعد محدد او توقيت مستعجل من اجل “سيدر”.

وعلم ان الرئيس عون اكد ان الحكومة بصدد انجاز الموازنة الأسبوع المقبل وتضم إصلاحات ونقاطا تؤدي الى ضبط الانفاق من دون اي هدر وتساعد على تعزيز قطاعات الانتاج.

وافادت انهما أجريا جولة افق تناولت التطورات الأقليمية والوضع في سوريا، واكد الوزير الفرنسي بإسم الرئيس ماكرون وقوف بلاده الى جانب لبنان ودعمه في كل المجالات.

وعلمت “اللواء” من جهة ثانية ان زيارة الرئيس الفرنسي الى بيروت لا تزال قائمة في جدول اعماله.

الحراك الى الشارع

وقبل ان تعود الحكومة الى درس الموازنة في السراي، عادت القطاعات النقابية والعمالية والموظفون والمتقاعدون العسكريون الى الشارع، رفضاً للمس بحقوقهم ومكتسباتهم، واعلنت هيئة التنسيق النقابية الاضراب المفتوح وصولاً لكافة اشكال التصعيد وتعطيل الادارات والمؤسسات العامة ومقاطعة الامتحانات الرسمية والمدرسية، في حال اي مس بحق من الحقوق”، ودعت كل الاساتذة والمعلمين والموظفين الى الاضراب العام الشامل يوم الاثنين المقبل في 20 الحالي، والاعتصام عند الثالثة عصرا في ساحة رياض الصلح، “دفاعا عن الحقوق والمكتسبات”.

وكذلك دعا نقيب المعلمين في المدارس الخاصة الى الاضراب والتظاهر الاثنين المقبل، في وقت نفذ فيه الموظفون في الادارات العامة اضراباً شمل مختلف المناطق ملوحين بالاضراب المفتوح في حال تم اقرار الاقتراحات التي تسعى الى قضم الحقوق.

بينما نصب العسكريون المتقاعدون خيمة في ساحة رياض الصلح اطلقوا عليها اسم “خيمة شهداء الوطن” ورفعوا لافتات كتب عليها “حقوق العسكر خط احمر”، ووزع المعتصمون بياناً شددوا فيه على رفض فرض ضرائب او اقتطاع ليرة واحدة من رواتب العسكريين المتقاعدين او العسكريين في الخدمة الفعلية”.

اما القضاة الذين عقدوا جمعية عامة في محكمة التمييز في قصر عدل بيروت، بناء على دعوة مجلس القضاء الاعلى، فلم يصدر عنهم اي قرار بتعليق الاعتكاف او توقيفه ما يؤكد استمرار القضاة في الاعتكاف.

واكتفى بيان مجلس القضاء بأنه وضع القضاة بما آلت اليه، نتائج الاتصالات بخصوص ما هو متعلق باستقلال القضاء وصندوق التعاضد. واعلمهم انه جرى ادخال التعديل اللازم على مشروع قانون الموازنة بما يمكن صندوق التعاضد من المحافظة على الامان الاجتماعي للقضاة وعائلاتهم.. وجرت دعوة القضاة الى تحمل مسؤولياتهم وعدم تحميل المتقاعدين اعباء اضافية في هذه المرحلة الصعبة التي يمر فيها لبنان.

 

ومن جهته، ناشد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر الرؤساء والثلاثة التدخل السريع لانهاء الوضع المستجد، آملاً في “صحوة ضمير من الحكومة والوزراء”.

واعلن في مؤتمر صحافي عقده في مقر الاتحاد حول مناقشات الموازنة ان “الاتحاد لن يتوانى عن اتخاذ كل الخطوات الضرورية الضاغطة من الاضراب الوطني المتدرج وصولاً الى الاضراب الشامل والاعتصامات والتحركات الشعبية اذا لزم الامر”.

يشار الى ان مواقع التواصل الاجتماعي تناقلت امس كلاماً للاسمر وصف بأنه مهين بحق البطريرك صفير، فيما اعتبره رئيس الاتحاد العمالي بأنه “زلة لسان” واضعاً اعتذاره بتصرف البطريرك الراعي، لكن الاعتذار لم يكن كافياً، حيث اعلن وزير العدل البرت سرحان عن تحرك النيابة العامة التي كلفت قسم المباحث الجنائية مباشرة التحقيق ليبنى على الشيء مقتضاه، علماً ان مؤسسات مارونية عدة استهجنت كلام الاسمر وطالبت بتوقيفه او باستقالته او اقالته من الاتحاد.

مصدرجريدة اللواء
المادة السابقةتفاؤل بحري يسبق عودة ساترفيلد.. والموازنة أسيرة طروحات جديدة
المقالة القادمةبانتظار ساترفيلد: ماذا عن “نقطة “b1 والترسيم البحري؟