اعتبرت الحكومة اللبنانية قرارها بالموافقة على منح اتفاقية استكشاف وإنتاج في الرقعة رقم 8 في المياه البحرية اللبنانية مع ائتلاف «توتال انيرجي»، و»قطر للطاقة»، وENI الإيطالية، إنجازاً مهماً يُسجّل لها، على أساس أنها خطوة تُعيد تسليط الضوء على ملف الثروات الغازية والنفطية في المياه الإقليمية، وتُنعش الآمال بإمكان استثمارها مستقبلاً.
إلا أنه في المقابل ، هناك الكثير من الانتقادات والتساؤلات تناوالت مضمون الاتفاقية وتفاصيلها، التي ترجئ أعمال المسح الزلزالي لثلاث سنوات، وهذا يعني عملياً أن بئر التنقيب الأولى لن تُحفر قبل خمس سنوات وفق الخبراء.
وأيضاً يرى البعض أن هذا التأجيل قد يضعف قدرة لبنان على جذب شركات جديدة، ويعزز احتكار شركة “توتال» للبلوكات البحرية، في الوقت الذي وُصفت فيه الشروط التجارية المقترحة بأنها مجحفة بحق الدولة نتيجة انخفاض حصتها، وارتفاع سقف استرداد الكلفة مقارنةً بالبلوكات السابقة، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى توافق الاتفاقية مع المصلحة الوطنيّة.
ويُضاف إلى ذلك الإشكالية التي تربط الدولة اللبنانية اليوم مع شركة «توتال»، بعد تمنّع الأخيرة عن إصدار تقريرها التقني عن التنقيب في البلوك رقم 4 رسمياً، فضلاً عن تساؤلات تناولت قرار وزير الطاقة جو صدّي، يتعلق بحظر شركة TGS النروجية – الأميركية من القيام بعملها، بالرغم من حصولها على ترخيص لإجراء هذه المسوحات خلال عهدة الوزير السابق وليد فياض، الذي كان وقّع معها عقداً غير حصري في 4 كانون الأول 2024، ينصّ على إنجاز المسح خلال عام، كما ينص على تسويق البيانات والدراسات الخاصة التي تنتج من هذه المسوحات.
وهناك من يقول انه نزولاً عند طلب الشركة الفرنسية وابتزازها، تراجع الوزير الصدّي، مرتكباً مخالفات قانونية، عن السماح لشركةTGS النروجية الأميركية بإجراء مسح ثلاثي الأبعاد في البلوك الرقم 8.
لا ينبغي أساسا منح “توتال” حق الاستكشاف في البلوك رقم 8
في هذا الإطار، يقول الخبير النفطي ربيع ياغي في حديثه لـ «الديار»: في ما يتعلق بالبلوك رقم 8، كانت الحكومة السابقة قد قدمت نوعا من الوعد أو التأكيد لشركة توتال والائتلاف التابع لها، بمنحهم هذا البلوك، بهدف الاستكشاف والتطوير في حال تم العثور على النفط»، لافتاً إلى «أن هذا الملف يرتبط مباشرة بالحكومة السابقة، وقد تابعت الحكومة الحالية هذا التوجه، وهو أمر يمكن اعتباره ضمن الحدود المعقولة».
إلا أنه من المهم التساؤل يستدرك ياغي: «عما إذا كانت وزارة الطاقة قد راجعت الهدف من هذه الخطوة، خصوصا أن العلاقة مع شركة توتال منذ عام 2018 حتى عام 2025 لم تثمر عن أي إنجاز فعلي، فكل ما قدمته الشركة كان نتائج سلبية، وبعد جهود كبيرة، بشأن البلوك رقم 4 والبلوك رقم 9.»
اضاف: «من المعروف أن شركة توتال خلال تلك الفترة وحتى اليوم، تخضع لضغوط إسرائيلية تمنعها من القيام بأي نشاط بترولي جدي في الشريط البحري الجنوبي التابع للبنان، أي في البلوكات 10 و9 و8. لذلك لا ينبغي أساسا منح توتال حق الاستكشاف في البلوك رقم 8، إذ يعد ذلك خطأ قانونيا وتقنيا في الوقت نفسه. فالشركة لم تنجز شيئا يذكر في لبنان، ولا تستحق هذا الامتياز في الإستكشاف والتنقيب».
أما بالنسبة للقرار بمنح الامتياز لـ «توتال» فأشار إلى «أن الحكومة السابقة قد اتخذته، ممثلة بوزير الطاقة آنذاك وليد فياض، أو في الحكومة الحالية عبر الوزير جو صدي، وفي كلتا الحالتين، كان القرار خاطئا، إذ كان من المفترض منع توتال من الاستمرار في العمل في لبنان ، بعدما أظهرت استخفافا وعدم جدية خلال السنوات الـ 7-8 الماضية».
تمّ منح الامتياز لـ “توتال” من موقع ضعف
ولفت إلى «أن البلوك رقم 8 يعد بلوكا واعدا كانت «إسرائيل» متمسكة به حتى اللحظة الأخيرة، وكان من الواجب على لبنان أن يتعامل معه بحذر أكبر، والإجراء الصحيح قانونيا هو أن يقوم لبنان بإجراء مسح ثلاثي الأبعاد لهذا البلوك، وخصوصا أن «إسرائيل» كانت قد منعت في السابق الشركات العاملة في لبنان من الاقتراب من الشريط الحدودي، ما حال دون حصولنا على أي بيانات عن البلوك 8 ونصف البلوك 9 تقريبا».
وشدد على «ضرورة أن يمتلك لبنان البيانات الكاملة للمسح الثلاثي الأبعاد قبل منح أي امتياز، لأن توافر هذه البيانات في حال كانت النتائج إيجابية، يعزز الموقف التفاوضي للدولة مع الشركات الراغبة بالاستثمار، أما الآن فقد تم منح الامتياز لتوتال من موقع ضعف، فقط لتسجيل إنجاز إعلامي أو توقيع عقد شكلي في موضوع بالغ الأهمية لا يجوز التعامل معه بهذه الخفة».
أما في ما يتعلق بشركة TGS فيقول «من المعروف أن أعمال المسح الثلاثي لم تشمل الشريط الحدودي البحري، لأن إسرائيل كانت تمنع الشركات النرويجية العاملة آنذاك، مثلSpectrum وPGS النروجية، من الاقتراب من حدود البلوك 8 أو البلوك 9. وعليه، فإن لبنان بحاجة أولا إلى استكمال بيانات المسح الثلاثي الأبعاد في تلك المنطقة، ثم يمكنه بعد ذلك التفاوض مع توتال أو أي شركة أخرى من موقع قوة، لا من موقع ضعف كما حصل مؤخرا».
ويتساءل ياغي مستغرباً “على أي أساس تم إعطاء هذه الهدية لتوتال قبل حصولنا على البيانات الكاملة عن الـ 2D و3D، أي ثنائي وثلاثي الأبعاد المسح الجيولوجي الزلزالي، والأولى أن تتولىTGS المهمة قبل توتال»؟
داتا المسح الجيوليوجي
وحول موعد بدء عملية الإستكشاف قال: «لن تبدأ عملية الاستكشاف، قبل أن تحصل عملية المسح الزلزالي الجيولوجي للبلوك رقم 8 وثلاثي الأبعاد، لأنه يُعطينا دقة في النتائج أكثر من ثنائي الأبعاد»، لافتاَ الى ان «عملية المسح عادةً تتم خلال أشهر قليلة، لكن عملية تحليل النتائج وتحويلها إلى حقائق فعلية، قد يستغرق سنتين أو ثلاث سنوات».
وأكد أنه «لا يمكن لأي شركة أن تبدأ عملية التنقيب والاستكشاف، قبل أن يكون لديها داتا المسح الجيوليوجي، والتي في حال كانت إيجابية تبدأ فوراً عملية التنقيب والاستكشاف، أما في حال لم تكن النتائج واعدة وإيجابية فلن تبدأ عملية المسح».
ولفت ياغي الى «ان الشركات التي تقوم بعملية المسح لا تتقاضى من الدولة صاحبة الحق أي مبالغ مالية، بل على العكس لها الحق في بيع الداتا ، من أجل تغطية مصاريفها، وما يفوق على هذه المصاريف تتقاسمه مع الدولة صاحبة الحق كلبنان مثلاً»، موضحاً أنه «لا يجوز للشركة صاحبة الحق بالاستكشاف والتنقيب، أن تكون هي نفسها التي تقوم بعملية المسح الجيولوجي».



