تستمرّ حكومة تصريف الأعمال في الهروب إلى الأمام، وتمعن في المُماطلة بانجاز قوانين طلبها صندوق النقد الدولي ابرزها قانون إعادة هيكلة المصارف. ففي السلطة السياسيّة من هو متواطئ مع مصارف ما زالت تُراهن على الوقت وتضييع المسؤوليات، وهو ما يؤثّر سلباً على الوضع الإقتصادي والمالي الذي يزداد فداحةً يوماً بعد يوم.
لا استرداد للأموال
وأزيلت من النسخة الاخيرة لقانون اعادة الهيكلة، تحت ضغط المصارف ومن هو متواطئ معها من السياسيين، مواد اصلاحية بامتياز كانت تفرض على المصارف إجراءات تندرج في إطار المساءلة والمحاسبة وتحول دون الإفلات من العقاب. وللمثال لا للحصر، شطبت مادة عنوانها «استرداد الأموال» كانت تفرض على أي شخص و/أو كيان قانوني يشغل لدى أيّ من المصارف القائمة، منذ العام 2019، منصبَ رئيس أو عضو مجلس إدارة أو مدير كبير أو مفوّض بالتوقيع أو مفوض مراقبة لدى جميع المصارف القائمة، كما على الأطراف المرتبطة به، فطار مطلب استعادة 100% من الأموال التي كانوا حوّلوها الى الخارج من حساباتهم بدءاً من 17 تشرين الأول 2019، بعد استثناء أي مبالغ (مبرّرة) تمّ تحويلها مباشرة الى مؤسسات تربوية و/أو طبية.
كما تم شطب شرط اعادة 100% من الأموال التي كانوا حوّلوها الى الخارج من حساباتهم بين الأول من كانون الثاني 2019 و16 تشرين الأول، إذا كانت تفوق الـ 500,000 دولار (!) أو ما يعادلها بأية عملة أجنبية أخرى، بعد استثناء أي مبالغ (مبرّرة) تمّ تحويلها مباشرة الى مؤسسات تربوية و/أو طبية. وكان يجب ان يسري ذلك أيضاً على كبار المساهمين في أي مصرف قائم وعلى الأشخاص المعرضين سياسياً والأطراف المرتبطة بكلّ منهم.
رفض توزيع الخسائروفي مسألة توزيع الخسائر، على سبيل المثال، تقاوم المصارف بشدة امتصاص الأموال الخاصة أولاً (تشطب الرساميل). وتعترض على حق الهيئة المختصة باعادة الهيكلة الإيعاز بتعليق دفع أي أنصبة أرباح للمساهمين أو توزيع غيرها من الأرباح الرأسمالية، وأي نوع آخر من المدفوعات لأعضاء مجلس الإدارة والمدراء والمسؤولين، غير المخصصات الأساسية التي تدفع للمديرين أو المسؤولين لقاء خدمات مقدّمة للمصرف. كما تعترض على حق تلك الهيئة الايعاز باسترجاع أموال، بما في ذلك استرجاع المخصصات الشديدة التغيّر وأنصبة الأرباح، من المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة والأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية رفيعة لدى مصرف قيد إعادة الهيكلة.
صلاحيات المدير الموقت
كما يقاوم المصرفيون منح صلاحيات للمدير الموقت، في حال التصفية، تقضي بالتحقيق في أي سوء ممارسة حصل ويحصل في المصرف، ولا سيما إذا أفاد منه رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، كبار المديرين، المفوضون بالتوقيع ومفوضو المراقبة لديه وأقاربهم والأطراف المرتبطة بهم. ويرفضون رفضاً تاماً فرض حجز موقت على جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة في لبنان والخارج العائدة لهؤلاء الأشخاص ولأي شخص مرتبط بهم. علماً ان الحجز يبقى إلى أن تصدر محكمة خاصة (تنشأ بموجب هذا القانون) حكماً مبرماً بهذا الخصوص.
الى ذلك يتحايل المصرفيون لتعديل حق رفع دعوى أو الإيعاز الى المصرف أو المدير الموقت برفع دعوى أمام المحاكم اللبنانية المختصة وأي محكمة أجنبية مختصة في بلدان أخرى، ضدّ أي مسؤول كبير أو مدير في مصرف أو مفوّض بالتوقيع أو أي عضو مجلس إدارة، متى أُثبت أن أيّاً من هؤلاء الأشخاص متورط في مخالفةٍ معاقب عليها مدنياً أو جزائياً.
إلى ذلك هناك مقاومة شرسة في حال التصفية أيضاً وكان الحجز الموقت سينفّذ، وبناء على طلب المصفّي/لجنة التصفية، ان يفرض على رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف المعني وكبار المديرين والمفوّضين بالتوقيع ومفوضي المراقبة لديه، أن يزودوا المصفّي/لجنة التصفية، في غضون عشرة أيام عمل من طلب المصفّي/لجنة التصفية، لائحة كاملة ومفصّلة بجميع الأموال المنقولة وغير المنقولة في لبنان والخارج التي يملكونها والتي يملكها أي شخص مرتبط بهم، تحت طائلة السجن لمدة ثلاثة أشهر.
وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين
سبب اعتراض الوزير
وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين سجّل اعتراضه على مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، الذي كان مُدرجاً ضمن جدول أعمال إحدى جلسات مجلس الوزراء، مبرّراً موقفه هذا بأن «المشروع سيؤدّي إلى إفلاس المصارف وليس إعادة هيكلتها». سائلاً عن مصير تطبيق القوانين المرعية الإجراء المذكورة في المادة 38 من مشروع القانون المقترح، لا سيّما قانون النقد والتسليف، إلى جانب قانون إصلاح الوضع المصرفي رقم 110 تاريخ 1991.
كذلك، يرى شرف الدين في حديث مع «نداء الوطن» أن «تقييم أوضاع المصارف وتحديد المشاكل الأساسية التي تواجهها غير ممكنين من دون إحصاءات علمية تساعد على ايجاد المعالجات المناسبة لها، في حين لم نر أي إجراءات لجمع داتا الأرقام الأساسية لأي دراسة موضوعية للمشكلة والتي تسمح بالتوصل إلى حلول فعّالة. وان توفرت المعطيات على بعض المستويات تبقى ناقصة عموماً. فمثلاً، حين تم الطلب من المصارف الكشف عن الخسائر التي تكبّدتها نتيجة الأزمة، لم نسمع في المقابل أي تحقيقات حول الأرباح التي حققتها على مدى سنوات». هذا عدا عن «عدم إمكانية تقييم موجودات المصارف، كون ذلك مرتبط بتحديد مصير الودائع لدى المصرف المركزي والذي لا يزال مجهولاً»، دائماً حسب شرف الدين الذي يركّز في حديثه عن مصير الودائع على «نقطة شديدة الأهمية لا يلحظها مشروع القانون وهي موجبات الدولة تجاه مصرف لبنان، وبالتالي تجاه المصارف والمودعين».
خسارة الودائع؟يتخوّف شرف الدين من «تمرير المشروع بلا تعديل، لأن ذلك سيعني تدفيع المودعين الثمن. وفي هذه الحالة ستتم خسارة الودائع حتمياً مقابل إعادة هيكلة مصارف مفلسة قسراً، في سعي لتحرير الأخيرة من الأعباء المُلزمة بتعويضها بطريقة عادلة».
ويُفيد الوزير أن تسجيل إعتراضه في إجتماع مجلس الوزراء تبعه لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومستشاريه حيث تم إيضاح عدد من النقاط المرتبطة بأسباب رفضه للقانون، أبرزها أن «مخالفة قانون النقد والتسليف، ولا سيّما تعميم مصرف لبنان رقم 311 لسنة 2012 لجهة منع إستثمار أكثر من 20% من رأسمال البنك في مكان واحد، بينما نجد أن البنوك قد استثمرت لدى مصرف لبنان أكثر من 80% من موجوداتها. كذلك، يسري هذا القانون على 10% المتبقية لدى مصرف لبنان والمصارف ولا يتحدّث عن الـ 90% من سندات الخزينة».
القانون 2/67ومن أحد الأسباب أيضاً الدافعة للإعتراض، برأيه، هو أن «هناك قانون موجود يفي بالحاجة مع بعض التعديلات وهو القانون 2/67، لذا هذا المشروع المسمّى بالإصلاح مرفوض. كذلك، هناك مسؤولية على لجنة الرقابة التي يفترض أن تمنع المخالفة، وبقيت تلك اللجنة بحسب إقتراح المشروع بنفس الهيكلية القديمة أي أن الرئيس والأعضاء هم أنفسهم الخصم والحكم، كما حاكم مصرف لبنان بالإنابة وأحد نوابه».
وشرح الوزير لرئيس الحكومة أن «هذا القانون يضرب الأسُس في القطاع المصرفي من خلال فصل حسابات مصرف لبنان عن حسابات المصارف، إضافةً إلى إعفاء الإدارة المصرفية من مسؤوليتها الجنائية والتقصيرية. كما أن إقراره يعني ضرب حقوق المودع من خلال تجزئة الإيداعات».
ويكشف شرف الدين أن «الرئيس ومستشاريه استمعوا إلى ملاحظاته واقتنعوا كلياً بتجميد المشروع، والعودة إلى قانون 2/67 مع بعض التعديلات». وتمّ أيضاً خلال الإجتماع، حسب شرف الدين «وضع عدة مطالب أهمّها تشريع قانون حماية المودعين وإستعادة حقوقهم».
المصارف مفلسة ومن منظورٍ آخر فإنّ المدير التنفيذي لمبادرة سياسات الغد سامي عطالله، يرى ان المصارف أفلست، لكن الطبقة السياسية ترفض إعلان ذلك. وفي ظلّ المعطيات والتطورات الأخيرة، تدخّل صندوق النقد الدولي وطالب المسؤولين بإعادة هيكلة المصارف على إعتبار أنها مفلسة، للدفع باتجاه دمجها كي يكون لديها القدرة على أن تقوم بدورها المُنتج في الإقتصاد».
ويُلاحظ عطالله خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، أن «المصلحة الخاصة أي مصلحة المصارف والطبقة السياسية تقضي بحماية هذيْن الطرفين الشريكين، خصوصاً أن السياسيين ليسوا فقط أصحاب وشركاء للقيّمين على المصارف، لا بل النظام المصرفي يُمثّل مصالحهم بطريقة ما. لذا حماية المصارف تصبّ في مصلحة المسؤولين»، شارحاً أن «الحل لن يحصل إلا بالتنفيذ الفعلي وليس الشكلي للقانون. قانون إعادة هيكلة المصارف يضع الخطوط العريضة للإصلاح وتطبيقه بشكل صحيح وسليم سيسمح بدمجها، كما ان الحصول على معلومات وداتا أمر في غاية جداً الاهمية، إلا أن المصارف لا ترغب بكشفها كونها عبارة عن عيوب كثيرة لا تريد الإعلان عنها ولا تصحيحها».
عكس كل الإجراءات السليمةويرى عطالله أنّ «ما تقدّم هو أحد أسباب رفض لبنان عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو الإلتزام بالشروط التي كان من المفترض أن يلتزم بها – عددها عشرة – وأحدها «قانون إعادة هيكلة المصارف»، متوقعاً أن «لا يتم القبول بهذا القانون بأي شكل من الأشكال بل يحاولون تفريغه من مضمونه، لأن لا نية لدى الطبقة الحاكمة بالقيام بأي إصلاح، خصوصاً وأن لدى الطبقة السياسية مصلحة كبيرة بحماية نفسها ومصالحها وذلك على حساب المواطنين، في حين أنها المسؤولة الفعلية عن إفلاس المجتمع».
وما يحصل في لبنان على المستوى المصرفي يُعاكس كل الإجراءات وأساليب الحكم والإدارة المتبعة عالمياً، حسب عطالله الذي يوضح أن «في بلدان أخرى تتم السيطرة على المصارف ووضع اليد عليها، ويكون دور المصرف المركزي وضع إدارة جديدة لكل مصرف مفلس. لكن، ما حدث في لبنان معاكس تماماً. فعند الإفلاس والإنهيار المالي رمى المسؤولون كل كلفة الأخطاء والهدر والسرقة على المجتمع، وكانت النتيجة إفقار الشعب وتهجيره من دون المس بأي شخصية من الطبقة السياسية ولا حتى تمت محاكمة حاكم مصرف لبنان ولا مدير أي مصرف تجاري، فجميعهم ظهروا وكأنهم براء ممّا يحدث فتمّ تحميل المواطن وحده هذا العبء».
مسرحية مُركّبة وإجرام!ويلفت إلى أن « كل ما تقوم به الطبقة السياسية هو مساعدة المصارف من أجل الوقوف على قدميها وكأن شيئاً لم يكن»، معارضاً النظرية التي تقول إن «الحكومة تتعرض لضغط من قبل المصارف، لأنها بذلك تظهرهم على أنهم فريقان مختلفان، لكن في الواقع مصالحهما متشابكة. فالمصارف كانت تُشكل فريقاً واحداً مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وحتى مع وزير المال. وبعد انتهاء ولاية سلامة بدأت تروّج لأخبار بأن الحاكم هو من أجبرها على القيام ببعض الإجراءات وتنفيذ قرارات لا علاقة لها بها، فتبرّأت منه تحت إطار مسرحيّة مُركبّة».
ويختم عطالله «إن عدم المحاسبة وإتخاذ قرارات وسياسات تصب في منفعة خاصة على حساب المجتمع هو إجرام، ولا يوجد أي مسؤول لديه حس المسؤولية للقيام بدوره بشكل فعّال».