مع انتشار خبر اعلان إفلاس بنك سيليكون فالي، بدأت في لبنان المقارنة بين كيفية التعامل مع أزمة مصرف واحد في كاليفورنيا وبين طريقة مقاربة السلطات اللبنانية لأزمة المصارف منذ أكثر من 3 اعوام. وكثرت الانتقادات لدول كثيرة حول العالم من أميركا الى اوروبا الى الصين والهند لوضع خطة طوارئ بعد افلاس البنك وايجاد طريقة لحماية اموال المودعين، في حين ان لبنان لا يزال لغاية اليوم يفتقد الى خطة واحدة لمعالجة أزمته المالية، علماً ان 54 مصرفاً أفلس من دون الاعلان رسميا عن ذلك، ولا يزال البنك المركزي يواصل هدر اموال المودعين على سياسات لم تنجح، لا بل تزداد معها الخسائر التي بلغت تقريباً 77 مليار دولار!
المضحك المبكي
لكنّ اللافت في الامر ان من ساهم في الاطاحة بخطط الإنقاذ منذ اندلاع الازمة وتحديداً في لجنة المال والموازنة في تموز 2020 ولغاية اليوم، يجاهر أيضا، وبصفته التشريعية، بانتقاد الحكومات اللبنانية المتعاقبة حول حلولها، التي ارتكزت وفقا له ولعدد من اعداء توقيع اتفاق انقاذي مع صندوق النقد، على اعتبار ان في الودائع خسائر مع الاشارة الى «الشطب».
المضحك ان من بين ينتقد اليوم نواباً ومسؤولين حكوميين تقاعسوا عن تدارك تداعيات الازمة عند اندلاعها، وامتنعوا لمصالح معينة عن الاقرار بكامل الخسائر ارضاء لمصرف لبنان (وحاكمه) والمصارف (واصحابها)، كما تواطأوا مع من منع اقرار قانون الكابيتال كونترول فور اقفال المصارف في أواخر 2019، وسعوا جاهدين للاطاحة بخطة لازار في 2020، وعرقلوا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. هؤلاء هم انفسهم يعيدون الكرة اليوم ويتحايلون على اقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة، وينتقدون الحكومة علماً بأنهم ممثلون فيها. وبالتالي، يجدر السؤال: هل يحق لهؤلاء اجراء مقارنات مع ما يجري في اميركا لاحتواء افلاس بنك SVB، والاجراءات التي تقاعسوا عن، او تآمروا على تطبيقها خلال أعوام من اندلاع الازمة؟
الأكيد أن من يحق له المقارنة والانتقاد هم اصحاب الودائع الذين لم تعمل الطبقة الحاكمة سوى على تبديد اموالهم حاملة شعار «الودائع مقدسة» الفارغ المضمون، مع الامعان في الاقتطاع منها بنسب تخطت 80 في المئة من قيمتها الحقيقية، في حين عمل الحلّ الفوري الاميركي على حماية المودعين اوّلاً ومنحهم حق التصرف بودائعهم منذ يوم امس في SVB و signature bank الذي وضع الفدرالي الاميركي يده عليه أيضاً، وذلك من دون اللجوء الى أصول الدولة او ايرادات الخزينة بل بتحميل ادارة البنكين المسؤولية كاملة.
سروع: هناك اختلاف كبير بين الأزمتين
في هذا الاطار، اوضح الخبير المصرفي د. جو سرّوع ان أسباب أزمة بنك SVB مختلفة تماماً عن أزمة القطاع المصرفي في لبنان، «أوّلاً لأن قيمة ضمان ودائع الافراد في البنك الاميركي تصل الى 250 الف دولار في حين ان كافة حسابات الافراد تقلّ عن هذا المبلغ، وبالتالي لا توجد مشكلة في التعويض على هؤلاء المودعين. تبقى المشكلة في حسابات الشركات وفي علاقة البنوك الاخرى ببنك SVB، وهما الامران اللذان قد يؤثران على الاقتصاد لناحية تراجع قيمة الاسهم، واللذان هرعت السلطات لتدارك تداعياتهما. وشرح سرّوع لـ»نداء الوطن» ان المعالجة السريعة والاجراءات الاحترازية لعبت دوراً اساسياً، «فإعلان السلطات الاميركية وضع يدها على المصرف خلال عطلة نهاية الاسبوع، ساهم في تجنّب التهافت على البنوك الاخرى المرتبطة به. لافتا الى طريقة تعامل البنك الفدرالي الاميركي مع افلاس المصرف، حيث فتح خط ائتمان مباشرة لكافة المصارف المرتبطة بـSVB وأمّن لها السيولة المطلوبة لتلبية احتياجات المودعين لديها. وبدأ الاحتياطي الفدرالي فوراً دراسة ميزانية المصرف للتحقق من نسبة ملاءته وحجم السيولة لديه. كما بدأ على الفور تصفية وبيع وحدته في لندن امس الى بنك HSBC.
ولدى المقارنة، اعتبر سرّوع ان الازمات المصرفية تعالج على هذا النحو الفوري وليس بعد 3 او 4 اعوام! لافتاً الى ان وضع الفدرالي الاميركي يده على مصرف SVB لم يأت من فراغ بل بعد مراقبة جدية ووثيقة من قبله ومن قبل السلطات الفدرالية في كاليفورنيا لعمل المصرف، والتي سارعت الى التدخل للحفاظ على ملاءة المصرف قبل سعيه الى بيع مزيد من اصوله باسعار اقلّ بكثير من الرائجة في السوق وخلق حالة هلع وتهافت على المصارف المرتبطة به.
وقال: «في لبنان، بدأنا اليوم بعد اكثر من 3 اعوام على الازمة، الحديث عن افلاس المصارف. ولكن هل يعلم الجميع ان هناك اصولاً وقوانين لافلاس المصارف تنص على تعيين مدير مؤقت لتقييم اصول المصارف وموجوداتها؟ وان جزءاً كبيراً من اصول المصارف عالقة بين مصرف لبنان والدولة، وتستوجب المطالبة بها بالقانون؟».
شامي: لا تجوز المقارنة لأسباب مختلفة
من جهتها، رأت الباحثة والمستشارة المالية مرغريتا شامي انه لا تجوز المقارنة بين أزمة SVB وأزمة البنوك اللبنانية لان الاسباب مختلفة تماماً، «فمخاطر SVB مرتبطة باسعار الفوائد interest rate risk وتركّز الودائع concentration risk وعدم تنوعها وتركز مصادر التمويل وعدم تطابق الاستحقاق»، شارحة ان 90 مليار دولار من اصول المصرف هي عبارة عن سندات دين بضمان عقاري سكنية residential mortgage backed securities وغيرها ذات آجال طويلة تستوفى عند تاريخ الاستحقاق، مرتبطة باسعار الفوائد، التي إذا ارتفعت، تنخفض معها قيمة تلك السندات التي تشكل حوالى 77 في المئة من اجمالي استثمارات المصرف في الاوراق المالية والسندات المالية. وعندما تهافتت الشركات الناشئة لسحب ودائعها، لم يستطع البنك تلبية طلبها، مما اضطره لبيع السندات الطويلة الاجل باسعار أقلّ بكثير.
في المقابل، اشارت شامي لـ»نداء الوطن» الى ان طبيعة الازمة في لبنان مختلفة لان الازمة هي أزمة عملة، أزمة ميزان مدفوعات، وأزمة عجز مالي وديون غير مستدامة، ومشكلة ملاءة النظام المصرفي بأكمله، وتعرضه بنسبة 70% للديون السيادية (مصرف لبنان + الحكومة) من ناحية الأصول التي انخفضت قيمتها بشكل كبير وانتجت فجوة مالية لا تزال تتراكم بعد 3 الى 4 سنوات من عدم حل الازمة.
كما لفتت شامي الى ان حجم الخسائر في لبنان يشكل 5 اضعاف حجم الناتج المحلي($14 مليار). بالاضافة الى ذلك، فان خسائر القطاع المصرفي في لبنان مقوّمة بالدولار وليس بعملته المحلية في حين ان لا قدرة للبنك المركزي على طباعة الدولارات على غرار الفدرالي الاميركي الذي سيعمد الى تغطية الفجوة لتجنب انتقال عدوى الانهيار والافلاس الى الشركات والبنوك المرتبطة بـSVB.
التسلسل الهرمي لتوزيع الخسائر
واعتبرت شامي ان المفارقة بين المعالجة الاميركية واللبنانية للازمة، ان الفدرالي الاميركي لجأ الى حل فوري عبر اقصاء المساهمين وإقالة الإدارة العليا وحماية كامل المودعين لمنع المخاطر الممنهجة، وليس كما حصل في لبنان من تحميل الخسائر للمودعين عبر ليلرة الودائع مما اثر على التضخم وعلى جميع اللبنانين مودعين وغير مودعين على حساب اصحاب المصارف والمساهمين فيها.