اختَصر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مرحلياً حلول الأزمة المتفاقمة منذ أعوام، بضرورة تشريع مجلس النواب قانوناً لاستقراض الدولة من مصرف لبنان، لمواصلة الاخير تمويله لعجز الدولة وإلا «لا دواء ولا رواتب آخر الشهر إذا لم تقرّ الخطة التي تقدّم بها نواب حاكم مصرف لبنان والتي تتعهد بتأمين دولارات للحكومة بالحد الأدنى».
ولكن هل اصبح مصرف لبنان الباب الوحيد امام الحكومة لتمويل الدولة بقطاعاتها المتعددة؟ هل هذه هي سياسة الحكومة المالية للخروج من الازمة؟ وأين هو وزير المالية يوسف الخليل الصامت تجاه هذا النزاع راضياً بإعداد مشروع موازنة خال من اي اصلاح ضريبي حقيقي، يمكن ان يؤمن الايرادات اللازمة التي تخوّل الخزينة الاستغناء عن الاقتراض من مصرف لبنان؟ أكد صندوق النقد الدولي في تقرير له هذا العام أن النظام الضريبي اللبناني لم يعد صالحاً للتطبيق، ويجب إعداد نظام جديد كلياً، لكن لم يلحظ مشروع الموازنة أي اصلاح في هذا الاطار، رغم ان الصندوق أبدى ملاحظات كثيرة حول النظام الضريبي، معتبراً انه يصبّ في صالح الاغنياء واصحاب الرساميل وفيه معايير تفضيلية مفرطة في ما يتعلق بضريبة عائدات رأس المال. مطالباً بتحديث نظام الضريبة على دخل الشركات وفرض ضريبة على أصحاب المهن الحرة في نظام الأرباح الحقيقية.
فترة إعادة التوازن
في هذا الاطار، أوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر ان صندوق النقد الدولي ينصح خلال فترة اعادة التوازن للاقتصاد والتي تمتدّ حوالى عامين قبل الانطلاق بالاصلاحات الضريبية الفعلية، زيادة ايرادات الخزينة بشكل مضطرد لزيادة النفقات من خلال فرض ضرائب سهلة الجباية (easy to collect taxes) اي زيادة الضرائب غير المباشرة (زيادة الضريبة على القيمة المضافة، الرسوم الجمركية، رسوم الاستهلاك…)
ولكنّ ضاهر أكد انه خلال المباحثات مع الصندوق، عرضت الاطراف المعنيّة امكانية زيادة ايرادات الخزينة من دون فرض ضرائب جديدة، من خلال دمج الاقتصاد الاسود الذي يتخطى 50 في المئة من حجم الناتج الفعلي، بالاقتصاد الرسمي، بالاضافة الى مكافحة التهرب الضريبي الجزئي اي المرتبط فقط بالاقتصاد الرسمي.
توسيع قاعدة المكلّفين
وبالتالي شدد ضاهر على ضرورة توسيع قاعدة المكلفين من خلال تحقيق العدالة الضريبية العمودية اي زيادة الضريبة على من يستطيع تحمّل كلفتها من دون التأثير سلباً على الاستثمار والاقتصاد، وتطبيق الضريبة الموحدة على الدخل بشكل تدريجي من خلال تضمين الايرادات الخارجية او المستثناة بحوافز ضريبية غير مجدية، مثل التفرغ عن الاسهم بالشركات المساهمة التي تولد تهرباً ضريبياً من خلال تجارة العقارات، او الضريبة المقطوعة على رؤوس الاموال المنقولة والمحددة بنسبة 10 في المئة فقط علماً ان الضريبة على الرواتب والاجور تصل الى 25 في المئة.
كما أشار ضاهر الى العدالة الضريبية الافقية التي يجب تحقيقها وفق مبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور، شارحاً ان شريحة كبيرة من الافراد خارج اطار التكليف الضريبي نتيجة الاقتصاد الاسود او بسبب ممارستهم لانواع مختلفة من التجارة من دون التصريح (سنكرية، اعمال بناء، صيانة، مولدات كهربائية…)، بالاضافة الى فئة اخرى من المهن مسجلة لدى وزارة المالية ولكن لا تصرّح بشكل منتظم (أطباء، مهندسين، محامين…)
11 إصلاحاً ضريبيّاً ممكناً
وعدّد ضاهر بعض الاجراءات الضريبية الاصلاحية التي يمكن ان تؤمن ايرادات للخزينة منها:
1 – تعديل وتطوير نظام الاعفاءات والحوافز الضريبية المعمول به راهناً وجعله أكثر عدلاً وفعالية. ومن هذا المنطلق إلغاء إعفاءات غير مجدية وغير عادلة على غرار الاعفاءت الممنوحة لمؤسسات الملاحة الجوية والبحرية كما وللمؤسسات التعليمية الخاصة. بالمقابل، إستحداث إعفاءات مؤقتة وخاصة لتشجيع الاشخاص الطبيعيين والمعنويين لجهة المضي في بعض المشاريع الواعدة والحيوية التي تساعد على النمو و/أو التوظيف، وذلك في سياق سياسة ضريبية/إقتصادية/إجتماعية متكاملة ومتقدمة يتم تنفيذها على مراحل.
2 – إقرار حوافز مالية وضريبية تحت الباب الثالث لبعض التوظيفات المالية في القطاعات المنتجة و/أو الواعدة لتحفيز النمو.
3 – تأمين موارد ضريبية عن طريق تفعيل الالتزام الضريبي ومكافحة التهرب والتهريب بشتى الوسائل المتاحة ومنها: تعميم الرقم الضريبي الموحد لجميع المواطنين والمقيمين الاجانب على الارض اللبنانية وربطه برقم الهوية أو جواز السفر أو الاقامة (الأجنبي المقيم). وتساءل ضاهر لماذا يسمح لمليوني لاجئ سوري على سبيل المثال بممارسة مهن من دون تسديد ضرائب.
4 – تعميم موجب تعبئة التصريح ليشمل أكبر عدد من المكلفين حتى المعفيين ذوي الدخل المحدود.
5 – التصريح الشامل عن الاصول والايرادات في الداخل والخارج.
6 – فرض موجب التصريح عن النفقات لتتبع العمليات وتحليل وضع المكلفين بما يسمح بكشف المكلفين المتحايلين و/أو المكتومين.
7 – تطبيق قواعد الحكومة الرقمية government-e لتسريع المعاملات وتبسيطها وتفادي الرشوة والفساد.
8 – إعتماد نظام وتكنولوجيا قواعد البيانات المتسلسلة (Blockchain) لخفض إمكانيات التستر والتهرب وتعزيز الشفافية.
9 – الانتقال من نظام الضرائب النوعية (taxes scheduled) الذي يتيح للعديد من الاشخاص تفادي التصريح عن إيرادات مخفية ومستترة وغير ملحوظة في المنظومة.
10 – زيادة نسبة الضريبة على إيرادات الاسهم والسندات المالية الاجنبية وفوائد حسابات الادخار التي تؤول إلى المقيمين في لبنان من 10 إلى 25%، والابقاء على المعّدل المنخفض 10% بالنسبة للإيرادات المماثلة الناتجة على الارصدة والاموال المنقولة المودعة في لبنان أو الموظفة فيه.
11 – إعتماد الشطور التصاعدية في معدل الضريبة على إيرادات رؤوس الاموال المنقولة (بما في ذلك فوائد حسابات التوفير)، وإعفاء الحسابات المصرفية التي يتجاوز مجموعها مئة وخمسين مليون ليرة لبنانية.
جباية بالدولار قانوناً
وأكد ضاهر انه يمكن للدولة ان تجبي ايراداتها بالدولار وفقاً لما نصّ عليه مشروع موازنة 2022 في المادة 19 منه التي سمحت للدولة بفتح حساب في مصرف لبنان بالعملة الاجنبية لتلقي ايرادات وضرائب بالعملة الاجنبية، بالاضافة الى المادة 87 التي تسمح بتحصيل جزء كبير من الضرائب بالعملة الاجنبية، على غرار الضريبة على رؤوس الاموال المنقولة بالخارج والتي تتقاضاها وزارة المالية هذا العام بالدولار، وبعض رسوم المرفأ وغيرها… وبالتالي اكد ضاهر ان الدولة تستطيع الاستغناء عن الاقتراض لتسديد نفقاتها بالعملات الاجنبية.
لا جرأة لاتّخاذ القرار
وفي هذا السياق، اعتبرت مصادر مقرّبة من ممثلي صندوق النقد الدولي في لبنان ان المشكلة الاساسية هي عدم وجود الجرأة في لبنان لاتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة المطلوبة، رغم انها أثنت على تحوّل النقاش لاول مرّة بعد 3 اعوام، من الأزمة الاولى المرتبطة بالنظام المصرفي والودائع (والذي تمّ تجميده حاليا)، الى الأزمة الثانية المتعلقة بالاقتصاد الكلي وعجز الموازنة. مشددة على ان الحلّ الوحيد للازمة الثانية هو زيادة الضرائب لتأمين الايرادات اللازمة لتغطية النفقات وبلوغ نسبة صفر في المئة في عجز الموازنة، وبالتالي الاستغناء والتوقف عن طبع العملة، مما يؤدي الى استقرار نقدي. مؤكدة ان الطريقة الوحيدة لحماية الطبقة الفقيرة هو وقف انهيار الليرة اللبنانية.
17 اقتراحاً من صندوق النقد
وفيما شددت المصادر على ان كافة الاجراءات الضريبية المطلوبة لن تؤدي الى النتيجة المرجوة ما لم تتم مكافحة التهرب الضريبي، اشارت الى ان الاصلاحات الضريبية المطلوبة على المدى القصير والمتوسط لزيادة الايرادات قد حددها صندوق النقد الدولي في تقرير صادر اوائل العام الحالي، أبرزها:
1 – استخدام سعر صرف السوق لجباية الضریبة على القیمة المضافة (مع إمكانیة استخدام سعر منصة «صیرفة» أثناء الفترة الانتقالیة)
2 – اعتماد نظام الربط التلقائي بالتضخم عند إرساء حد التكلیف وغیره من قواعد ضریبة القیمة المضافة القائمة على القیمة الاسمیة حالیاً.
3 – اعتماد نظام یربط رسوم الاستلاك المحددة ربطاً تلقائیاً بمؤشر.
4 – التعدیل التلقائي لشرائح ضریبة الدخل تبعاً للتضخم.
5 – إدخال الكسب الرأسمالي المتحصل من بیع الأفراد للأسم في الشركات المسامة ضمن القاعدة الخاضعة للضریبة.
6 – إلغاء إعفاء توزیعات الأرباح للأفراد من الشركات القابضة والأوفشور من ضریبة الاقتطاع من المنبع.
7 – جعل الإعفاء من ضریبة الكسب الرأسمالي على بیع الأفراد للعقارات مقصوراً على مسكن رئیسي واحد.
8 – إلغاء المعاملة التفضیلیة لعائدات التصدیر في إطار ضریبة دخل الشركات.
9 – إخضاع الكسب الرأسمالي للشركات لمعدل الضریبة المتعارف علیها بالنسبة لدخل الشركات.
10 – استخدام سعر الصرف السوقي في كل ضرائب المعاملات العقاریة المقومة بالدولار.
11 – إلغاء الإعفاء التلقائي من الضریبة العقاریة الممنوح للعقارات الشاغرة والمعاملة التفضیلیة للعقار الثاني.
12 – توسیع نطاق رسوم التسجیل لتشمل تحویلات الأسم التي تستمد قیمتا في الأساس (50% أو أكثر) من العقارات بشكل مباشر أو غیر مباشر.
13 – إخضاع أصحاب المن الحرة لنظام الأرباح الحقیقیة واستخدام ضریبة تستقطع من المنبع على ما یتقاضونه من مدفوعات.
14 – إلغاء نظم شركات الأوفشور والشركات القابضة، مع السماح للمكلفین الحالیین بغلق منشآتم دون ضرائب.
15 – فرض ضریبة أشمل على الخدمات المالیة القائمة على الرسوم.
16 – النظر في توسیع قاعدة ضرائب العقارات المتكررة لتشمل الأراضي غیر المبنیة.
17 – إخضاع دخل الأفراد من الإیجارات لضریبة الدخل.