أمام مطالبات وشروط المجتمع الدولي والعربي والحراك الشعبي بإصلاحات تنقل لبنان من أزمته الاقتصادية والوبائية المستعصية الى بداية العلاج، كيف يمكن توقع نتائج إيجابية في هذا الاتجاه من حكومة يستدل من «التناتش»الحاصل بين الأوصياء السياسيين عليها انها ستكون نفسها «حليمة» التي تعود دائما لعاداتها السياسية القديمة بكل الامعان الذي درجت عليه في المحاصصات الغنائمية والزبانية، وبرغم الانهيارات التي تكاد لا تبقي رمقا كافيا لشعب يعيش أخطر أزمة اقتصادية في تاريخه منذ مجاعة الحرب العالمية الأولى.
في هذا الوقت ألقت ثلاثة تقارير دولية الضوء على الأوضاع الاقتصادية بدءا بتقرير CRI (THE CONSULTATION AND RESEARCH INSTITUTE) عن ارتفاع نسبة التضخم في لبنان في عام واحد من 1,2% أيلول ٢٠١٩ الى ١٠٧% أيلول ٢٠٢٠:
أيلول ٢٠١٩ 1,2% كانون(٢) ٢٠٢٠ 8,6%
حزيران ٢٠٢٠ 30,6% أيلول ٢٠٢٠ ١٠٧%
والتقرير الثاني عن THE ECONOMIST INTELLIGENCE UNIT الذي يتوقع المزيد من «انكماش» الاقتصاد اللبناني هذا العام الى ٢٠% إضافة الى استمرار تعرّض لبنان الى «عدم الاستقرار السياسي» طوال السنوات الخمس المقبلة وسط صعوبات في مواجهة عوامل الانهيار الاقتصادي والخطر الوبائي.
ويضيف التقرير أنه في الوقت الذي يحتاج لبنان الى اصلاحات تلبي مطالب الحراك الشعبي والمجتمع الدولي وشروط صندوق النقد للحصول على قروض، فان تغليب الطبقة السياسية مصالحها الخاصة SELF-INTEREST على المصلحة العامة ستزيد في عوامل الانكماش الاقتصادي لا سيما مع تداعيات جائحة الكورونا وانفجار ٤ آب في مرفأ بيروت.
ويتناول التقرير الثالث الصادر عن FITCH SOLUTIONS مخاطر الفجوة الحاصلة في القطاع الصحي في لبنان متوقعا ارتفاع الانفاق الاجمالي على هذا القطاع من 4,84 مليار دولار عام ٢٠١٩ الى 5,20 مليار دولار عام ٢٠٢٠ مشيرا الى النقص الحالي الكبير في الأدوية التي يعتمد لبنان على توفير الجزء الأكبر منها على الاستيراد ومنها أدوية «البراند» الأغلى ثمنا بالمقارنة مع أدوية الـ «جنريك» التي تشكّل ٥٠% من الاستيرادات حسب التقرير الذي يعطي احصاء عن نسبة الأدوية المستوردة ٩٥% مقابل ٥% من الأدوية المصنعة محليا وخلافا للاحصاءات المعتمدة في لبنان عن نسبة ٢٠% من الأدوية المصنعة مقابل ٨٠% للأدوية المستوردة. (علما ان من بعض الحلول المطروحة في لبنان خفض استيراد جزء كبير من انواع الادوية المتشابهة في العلاج بما يخفف العبء على فاتورة الاستيراد البالغة ١،٨ مليار دولار سنويا ومتوقع ارتفاعها حسب التقرير بمعدل ٧،٦ % العام ٢٠٢٤ ).
حساب الحقل والبيدر..
علما أن هذه الأرقام التي يتضمنها التقرير عن الاستيرادات الدوائية تعتبر أن المبالغ المطلوبة للاستيراد تتصور أنها ستكون جاهزة بالدولار وباستمرار، في حين أن المستوردين يشكون منذ الآن من تأخر القطاعين العام والخاص من دفع ما لهم من مستحقات، وتوقف المصارف عن التسليف وارتفاع الفوائد على القروض المستحقة عليهم، ومن عدم القدرة على دفع مستحقات مصدري الأدوية في الخارج. ويهددون بالحد من استيراد الأدوية بما فيها أدوية الأمراض المستعصية المعرضة للتخزين منذ الآن بكميات كبرى سواء للحاجات الشخصية أم للاغراض التجارية.
وكما الدواء هناك المشكلة نفسها في استيراد المستلزمات الطبية التي اعترضت نقابتها أخيرا على تعميم مصرف لبنان الذي يفرض على شركات الاستيراد تسديد الحصة المتوجبة عليها بالليرة اللبنانية من أصل فاتورة الاستيراد المدعومة نقدا بدل الشيكات والحوالات المصرفية. وفي حين كان هدف مصرف لبنان من التعميم امتصاص فائض السيولة النقدية بالعملة المحلية من الأسواق للحد من التضخم، يصفه المستوردون بأنه «مفاجأة غير منتظرة» بسبب صعوبة الحصول على المبالغ النقدية نظرا لتقنين المصارف السحوبات بالليرة من الودائع. ويهددون بوقف الاستيراد مع أن المخزون الحالي لا يكفي الا لبضعة شهور. والأمر نفسه في قطاع المستشفيات التي بدأت أخيرا بإلغاء حجوزات أو تأخير عمليات جراحية وأعلنت نقابتها: كيف يمكننا أن ندفع نقدا فيما فواتيرنا نقبضها بشيكات مصرفية؟ وكيف يمكننا ان ندفع للدولة اذا كانت الدولة لا تدفع مستحقاتنا؟»!
تقرير BLom PMI
من جهة ثانية، اعلن مؤشر مدراء المشتريات بلوم PMI لبنان: أن سَجّلَ النشاط الاقتصادي في لبنان شهد تدهورًا بوتيرة هي الأبطأ منذ ثلاثة أشهر في تشرين الاول 2020.
ومع ذلك، تكافح الشركات لمواصلة ممارسة الأعمال التجارية إذ تعاني من صدمات في العرض والطلب تُعزى بشكل رئيسي إلى ضيق السيولة من العملة الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم والقيود التي تفرضها المصارف على سحب الأموال وتحويلها وتفشي فيروس كورونا المُستجد. وفي هذه الأثناء، مضى عام واحد على اندلاع الاحتجاجات الوطنية في لبنان ولم يتمكن صانعو السياسات من احتواء الأضرار الاقتصادية للأزمة وإدارتها بالشكل الصحيح ولم تُوضع أي خطط جدية لتحقيق الإصلاح والتعافي الاقتصادي