يقدّر رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود أن تفوق كلفة السياحة الصادرة من لبنان إلى الخارج، مبلغ 1.5 مليار دولار وأن تصل إلى الملياري دولار في نهاية السنة الجارية. ورغم أن أرقاماً كهذه قد تبدو هائلة ومبالغ فيها، إلا أنّ التقارير الإحصائية التي يصدرها مصرف لبنان عن تفاصيل ميزان المدفوعات تدعم هذا الكلام، إذ تشير إلى أنه في عام 2022 بلغت كلفة السياحة الصادرة من لبنان 3.2 مليارات دولار، في مقابل عائدات السياحة الوافدة إلى لبنان بقيمة 5.1 مليارات دولار. ووفق توقعات صندوق النقد الدولي، فإنه في عام 2023 يتوقع أن تبلغ قيمة السياحة الصادرة نحو 3 مليارات دولار مقابل سياحة وافدة بقيمة 5.5 مليارات دولار.
وفق تقديرات عبّود، فإن عدد المقيمين في لبنان الذين سافروا إلى الخارج بقصد السياحة، يُراوح ما بين 200 ألف مسافر و225 ألف مسافر من لبنان. وهذا الرقم لا يشمل أولئك الذين يسافرون عبر خطوط طيران الشرق الأوسط أو الرحلات الخاصة. ويلفت إلى أن عدد المسافرين على متن الرحلات الخاصة قد يبلغ 50 ألفاً، وأن شركة طيران الشرق الأوسط زادت عدد الرحلات إلى وجهات محدّدة يقصدها اللبنانيون أو المقيمون في لبنان بهدف السياحة مثل نيس. وهذه الوجهات تنطوي على أكلاف كبيرة، سواء ما يتعلق بتذاكر الطيران أو بالإقامة الفندقية فضلاً عن نفقات يومية كبيرة.
لكن الوجهة الأساسية للغالبية المقيمة في لبنان، ما زالت تركيا، تليها اليونان. تركيا مقصودة بوتيرة كبيرة لأن الأسعار فيها أرخص من أوروبا، وبالتالي فإن الشرائح الاجتماعية التي تذهب إلى هناك هي ليست مقتدرة بالمعنى الواسع، وذلك بعكس المقاصد الأكثر غلاء والأكثر كلفة التي ترفع المعدل الوسطي للإنفاق الفردي السنوي على السياحة في الخارج. فبشكل عام، أصبح معدّل ما ينفقه السائح من لبنان يصل إلى 6 آلاف دولار، علماً أن هذا المعدل الوسطي لا يعكس الواقع والفروقات الهائلة بين مجموعات قليلة تنفق عشرات آلاف الدولارات، وبين المجموعة الأكبر التي تنفق بضع مئات فقط. هناك شرائح لديها قدرات مالية هائلة بعكس قدرات أخرى تعتمد على مداخيل ظرفية ومحدودة.
رغم ذلك، يبدو أن أوروبا لم تعد مقصودة كثيراً من المقيمين في لبنان، ولا سيما بسبب «ارتفاع أسعار الإقامة الفندقية هناك والتي زادت كثيراً في آخر سنتين. ففي فترة جائحة كورونا انخفضت الأسعار كثيراً، ثم عندما فتحت الحدود والأجواء، بدأت ترتفع الأسعار بالتوازي مع موجة تضخّم عالمي، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار» يقول عبود.
في عام 2023 سيسجّل عدد المسافرين من لبنان بقصد السياحة انخفاضاً بنسبة 35% مقارنة مع 2018، إذ يشير عبود إلى أن الذين التحقوا بالسياحة الصادرة من لبنان بلغ قبل الأزمة نحو 350 ألفاً، إلا أنه في ذلك الوقت لم يزد إنفاقهم عن ملياري دولار وفق التقارير التي ترد من منظمات دولية بهذا الخصوص.
ثمة تشكيك بهذه الأرقام، ولا سيما أن أرقام بند «خدمات السفر» التي ترد في حسابات الميزان الجاري الذي يصدره مصرف لبنان ويتبناه صندوق النقد الدولي، قد تبدو منفوخة جداً. وليس هناك من يملك أدنى فكرة عما يتضمنه هذا البند من معطيات تتيح لمصدري الأرقام تأكيدها. فمثلاً، كيف يمكن لمصرف لبنان أن يدقّق في إنفاق لبناني في الخارج إذا كان يستعمل حسابه الخارجي؟ وكيف يمكن معرفة ما أنفقه بالتحديد. عبود يحصر تقديراته بما ينفق من خلال سلّة عروض يحصل عليها السياح، سواء ما يتصل منها بتذاكر الطيران والإقامة. هناك أرقام خيالية تدفعها القلّة، وهناك أرقام قليلة تدفعها الغالبية. وفي المجمل إن مبلغ 1.5 مليار دولار يساوي 9% من الناتج المحلي المقدّر لعام 2023، أما إذا اعتمدنا على الرقم الوارد في بند «خدمات السفر»، فإن 3 مليارات دولار تساوي 18% من الناتج، وصافي البند بين الكلفة المدفوعة في الخارج، وبين عائدات السياحة الوافدة، سيبلغ في عام 2023 وفق تقديرات صندوق النقد الدولي نحو 2.5 مليار دولار، أي ما يعادل 15.5% من الناتج.
وبمعزل عن دقّة الأرقام ومدى نفخها، إلا أن الواقع يشير بوضوح إلى انتعاش في السياحة الصادرة في بلد يعاني من خسائر في قطاعاته المالية بقيمة 72 مليار دولار وسط شحّ في مخزون وتدفقات العملة الأجنبية تنعكس على جميع الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء.