حيتان الإقتصاد في العالم يلملمون هزائمهم بعد كورونا، يواجهون أكبر أزمة اقتصاديّة بعد الحرب العالميّة الثانية وما قبلها، ربما شيء ما يشبهها مع أدوات مختلفة مثل العملة والذهب والنفط، لن يخرج منها خاسراً الا الشعوب الكادحة.
خاطئ من يعتقد ان الحالة الإقتصاديّة في الصين تسير صُعوداً كما كانت في العشرين سنة ماضية، ومخطئ من يعتقد ان أميركا، زعيمة العالم الإقتصادي تعيش بحبوحة مستمرّة لا يعوقها شيء. ومخطئ من يعتقد ان أوروبا التي تعاني أزمة نفط كبرى ستبقى كما هي واسعة الدار لكل لاجئ ومحتاج في العالم، حتى الهند التي نجح اقتصادها في القرن الحالي في تقديم ثلاث وجبات في النهار لمواطنيها، عادت لتقلص هذا “البذخ” الى وجبة ونصف يوميا.
لم تكفِ صفعة كورونا في شلّ اقتصادات الدول العظمى، حتى وصل انبعاث الغازات المسبّبة لظاهرة الإحتباس الحراري الذي يهدد البشريّة جمعاء، ليُجبر كبريات دول العالم على ايقاف نشاطها الصناعي حماية للبشر. واليكم ما يحصل في اكبر دولة صناعيّة في العالم.
في الصين، استجاب رئيسها “شي جين بينغ” لنداءات خبراء المناخ، فتعهّد بوقف جزئي لإستخدام الفحم الحجري في توليد الطاقة. النيّة سليمة، ولكن تنفيذها أتى على حساب أصحاب الصناعة في البلاد. وهنا، تعطّلت لغة الآلات، وأغلقت 40 في المئة من الشركات الصينيّة، هاجرت معظمها، وتشهد معظم مقاطعات البلاد انقطاعاً في التيار الكهربائي، حتى العاصمة بكين تشهد انقطاعاً لمدة 8 ساعات يومياً. خسر ملايين العمّال وظائفهم، زلزال اقتصادي هزّ الصين، فأطلق رئيسها نداء لشعبه يطلب منه تخزين المواد الغذائية، معلناً بطريقة غير مباشرة عن ضيق غذائي مقبل. مُحاط من كوريا الشمالية الفقيرة واليابان القويّة، ولم يبقَ له سوى السيطرة على جزيرة تايوان، بوّابة النفط لإقتصاد قويّ، لسدّ حاجيات المليار ونصف المليار نسمة، ليس للتعاظم ولبناء القدرات العسكرية النووية،انما هناك نيّة واضحة بخصوص تايوان، وقد تأتي “في ليلة ما فيها ضو قمر”، كما يقول المراقبون، وكذلك السيطرة على اقتصاد العالم من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، بعد أن أصبح لديها تكنولوجيا خاصة بها وأسرار ماليّة وعلميّة صدمت اميركا والغرب، فصرفت 5 تريليون دولار لتطوير البنى التحتية، في حين صرفت الولايات المتحدة 1,3 تريليون دولار للسبب نفسه.
من ناحيتها، تعيش الولايات المتحدة، صاحبة أقوى اقتصاد في العالم أصعب أيامها الإقتصادية مع رئيس يخسر من شعبيّته يومياً بحسب الإستطلاعات. تعاني القارة الأميركية من ركود مالي وتضخم اقتصادي يصفه الخبراء بأسوأ ضربة في التاريخ الحديث، فالوباء ضرب مالياً المدن الكبرى في القارة وأبرزها نيويورك، ولوس أنجلس، شرياني الحياة المالية. استراح الأميركيون من خلال المساعدات التي قدمتها الحكومة لهم خلال فترة الوباء، استراحت اليد العاملة من العمل، فشُلَّت الحركة الصناعية والخدمات، فرغت المحال التجاريّة من كل جديد، وبقيت مئات سفن الشحن تنتظر خارج الموانئ الأميركية، بحيث تمّ تسجيل أعلى معدّل ازدحام بين جميع الموانئ الرئيسيّة في العالم، اما موانئ نيويورك ونيوجرسي، فقد تضخم طابور الإنتظار ليصل الى أعلى مستوياته منذ الربيع الفائت. لماذا؟ بسبب عدم وجود اليد العاملة الكافية لتفريغ البضائع، والضغط الكبير بعد فتح البلاد بعد انقضاء زمن الوباء، الأمر الذي حمل وزارة العمل على الإستعانة بالعمّال اللاتين الهاربين من فقر المكسيك، فكانت لهم فرصة لتثبيت وجودهم في البلاد والحصول على إقامات شرعية.
بلغت ديون الولايات المتحدة 28 ترليون ونصف التريليون من الدولارات، وستتخلّف الحكومة عن دفع مستحقّات دائنيها خلال الأشهر المقبلة إذا لم تتخذ الإجراءات المطلوبة، وهذا التخلّف عن سداد المستحقات أمر كارثي سيصيب الأسواق والإقتصاد بالشلل ويؤخّر المدفوعات المستحقة لملايين الأميركيين. تأتي الهيئات الأميركية وشركات التأمين وصناديق الإستثمار المحلّي على رأس دائني الولايات المتحدة، كما تمتلك دول أجنبية باقي تلك الديون. لجأت واشنطن الى طبع الدولارات، وهي اعتادت على ذلك منذ فترة الركود عام 2008.
لن تخرج الولايات المتحدة من الأزمة الا بعد أن يستعيد الإقتصاد عجلته، وبعد ان تنتهي الكيديّات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي تعطل الحلول في الكونغرس وتعوق الإتفاق على المشاريع. ما يطمئن المستثمرين في البلاد هو ان النظام العالمي يرتكز على الدولار، والجميع مضطر ان يدفع بالعملة الخضراء لشراء ايّ شيء في العالم. كيف ستنتهي هذه الأزمة؟ لا أحد يقدر ان يتكهّن متى وكيف، ولكن خبراء الإقتصاد وعلماء التاريخ، يقولون أن نهاية كل أزمة عالميّة لا بدّ من أن تبدأ بحرب كبيرة، يخرج فيه المتحاربون بخارطة جديدة وبداية عالم صناعي وتجاري جديد. ومن يعش يرى…