مع بداية موسم الصيف يسود جو من التفاؤل في الأوساط اللبنانية بخصوص القطاع السياحي والأرقام التي سيحققها مع عودة السياح والمغتربين الى الربوع اللبنانية لكن هل هي النظرة ذاتها لدى ذوي الاختصاص وهل التوقعات نفسها لدى أصحاب المنتجعات والمرافق السياحية؟
رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر يستعرض الأمر بالبراهين والأرقام ويدحض كل الأقاويل إذ ان بعضها مبالغ به وبعضها الآخر صحيح لكن الثابت والمؤكد لديه سرعة تأقلم اللبناني مع كل الظروف مهما بلغت درجة مأسويتها أو وقعها. فيعتبر ان الحادثة (خطف المواطن السعودي )لم تؤثر كثيرا بفضل سرعة تحرير المخطوف وإلقاء القبض على الخاطفين . إننا نعلم بفعل اتصالاتنا مع السفاره السعودية وأصدقائنا في الخليج والسعودية ان قرار منع السفر الى لبنان هو قضية أمنية سياسية وحتى الآن لم تظهر بوادر رفع هذا الحظر ولا نتصور ان يتم ذلك قبل انتخاب رئيس للبلاد فيرى الاخوة الخليجيون انهم لن يرفعوا قرار حظر مجيء رعاياهم الى لبنان إلا عندما يشاهدون الأداة الحاصلة فيه. هذا ما أعرفه شخصيا بفعل اتصالاتي الدائمة مع مسؤولين كبار في السعودية. ان قرار المنع السعودي الإماراتي لا يزال نافذا وبالنسبة لبقية الخليجيين يوجد تحذير لكن القطري والكويتي يأتيان الى لبنان بحذر وبعدد قليل . ان الأعداد الكبيرة والديموغرافيا الأساسية هي من السعودية كذلك الاستثمارات الضخمة التي كانت تحدث في لبنان هي للسعوديين وقد كانت استثمارات متفرقة من حيث المواقع إن في العقارات أو البناء أو الفنادق وغيرها من القطاعات لذا انطلاقا من هذا الواقع نحن ننتظر رفع الحظر والتحذير عن لبنان وهو للمناسبة ليس خليجيا فقط انما يمتد الى الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي تحذر رعاياها دائما من القدوم الى لبنان مما يؤثر في الواقع السياحي في البلاد .
وعن توقعاته للموسم السياحي يقول الاشقر:
هذا الموسم لن يكون بعيدا عما حصل في موسم الصيف الفائت إذ يوجد ما يقارب 450000 لبناني يعيشون في الخليج وهم ليسوا مغتربين انما يعملون ويعيشون في الخليج وهم يترددون الى لبنان. كذلك يعيش 250000 لبناني في افريقيا والإمكانات المادية لديهم متوافرة كما يوجد 200000 لبناني تركوا لبنان في سنوات الأزمة الأخيرة وهم يعيشون في قبرص وتركيا واليونان وهم على تواصل مع اهلهم في لبنان ولم يتركوا بالتالي وطنهم نهائيا. انا أرى أن كل هؤلاء سيعودون الى لبنان خلال الصيف الى جانب السائح العراقي الذي يشكل لبنان له وجهة سياحية مهمة وهو يأتي اليه بأعداد كبيرة ثم يأتي السائح الأردني بأعداد أصغر وبعده السائح المصري الذي قل عدده كثيرا بعد وضع الكابيتال كونترول في مصر ولم يعد بالتالي مسموحا إخراج مبالغ مالية كبيرة من البلاد. ايضا يقصد لبنان بعض السياح الغربيين من هواة المغامره والرياضة إذ يوجد حاليا في لبنان والعالم ككل السياحة الرياضية مثل رياضة التسلق والسير في الاحراج والسباحة الى جانب السياحة الثقافية والآثار وهذا خلق نموا بسيطا في هذه الشريحة من السياحة اي سياحة المغامرات ومعلوم أن المغامر بطبيعته لا يتأثر بالأحداث انما ينشد المغامرة اينما كانت. يوجد أيضا اشارات إيجابية متأتية من دول الاغتراب الفعلي مثل المكسيك والبرازيل إذ ان الجاليات اللبنانية تتوجه للمقيمين من أصل لبناني بضرورة القدوم الى وطنهم الأم والسياحة فيه لمساعدة اقتصاده . لقد ظهر لنا أنه يوجد 200 شاب من اصل لبناني وبعضهم لا يتكلم العربية سيأتون الى لبنان هذا الصيف وهذه اشارة إيجابية توحي بإمكان نمو العلاقه مع اللبناني المغترب في اميركا اللاتينية واستراليا والولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير وستؤدي الى نمو بالأعداد حوالى 70 او 80%. ان هذا المغترب سيقيم في بيته عندما يزور لبنان وسيحرك الاقتصاد وسيسهم ايضا في وضع مناطق جديدة نائية على الخريطة السياحية. تنتشر اليوم بيوت الضيافة في هذه القرى على امتداد الوطن منذ نشوء مشروع درب الجبل قبل عشر سنوات والذي جعل الناس تقصد المناطق في كل لبنان للسير وسط الطبيعة واكتشاف مناطق خلابة جديدة وقد شجع نجاح هذه الخطوه على إقامة بيوت الضيافة التي لا يزال بعضها بسيطا بينما تخطى بعضها الآخر فنادق الدرجة الأولى من فئة 5 نجوم . لقد تحول هذا الأمر الى موضة في العالم كله وليس فقط في لبنان وهذا النوع من البيوت بات مطلوبا من السائح الذي بات يفضل العيش في حياة بيئية ورياضية واكتشاف المناطق الريفية الجديدة. لقد اكتشفنا من خلال هذه السياحة الجديدة التي دخلت معتركنا وجود مناطق خلابة وبديعة بطبيعتها وبحيراتها وشلالاتها وجبالها وبحورها نحن لم نكن نعرفها وقد انتشرت على كل المناطق اللبنانية كما ان بيوت الضيافة موجودة على كامل المساحة اللبنانية ومن لا امكانات مادية له للعيش في فندق يقصد هذه البيوت التي تقدم اسعارا ارخص من الفندق لأنها لا تقدم الخدمات نفسها وليس لديها مصاريفه نفسها وقد ساعد ذلك الناس على القيام بسياحة داخلية فوق ربوع الوطن وخلق نوعا جديدا من السياحة.
بيوت الضيافة
ويرفض الاشقر الحديث عن منافسة معها بل العكس لأن بيوت الضيافة عادة لا تضم اكثر من عدة غرف محدودة العدد وهي كلها تؤلف 150 بيت ضيافة على مساحة الوطن بما مجموعه 500 غرفة هي بمعدل 3 فنادق كبيرة في بيروت اي انها لا تشكل اكثر من نسبة 10% . ربما تشكل عامل مضاربة من ناحية لكنها من ناحية أخرى هي مفيدة لأن المناطق النائية التي كانت لا تستفيد من السياحة بدأت تستفيد حاليا كما ان الانتشار السياحي على كامل الأراضي اللبنانية شكل عاملا مهما للبنان ككل وهو يثبت وجودنا أكثر على الخريطة السياحية… كما يوجد منتج جديد فرض نفسه هو air mb. لكن القضية خاضعة للعرض والطلب. إن الزبون يقيس المعيار وهو طبعا لن يدفع مبلغا مرتفعا لمكان لا يستحقه . ان الزبون لا سيما الزبون اللبناني يعرف تماما تقييم المنتج والسعر الذي يستحقه . علينا ألا ننسى أن المنتجات الموجودة على أرض لبنان وسعت المناطق السياحية ومكنت لبنان رغم أزمته الاقتصادية الخانقة من الخروج بمنتجات جديدة وإنشاء استثمارات جديدة خلاقة.
ويؤكد الاشقر ان الأرقام التي ترمى في الإعلام هي أرقام لا اريد التعاطي بها لأنني عندما أتحدث عن مدخول السياحة بمعناه العالمي علي الذهاب الى وزارة المالية والاطلاع على مدخول السياحة من خلال الVAT التي ندفعها .صحيح أنه يدخل الى لبنان المليارات بواسطة السياحة والمغترب اللبناني لكن كمدخول سياحي صرف نحن لم نستطع انتاج 5 او 8 او حتى 10 مليار دولار لأننا عندما نطلع على مداخيل الفنادق والشقق الفندقية والمطاعم والمقاهي والملاهي وبيوت الضيافة نرى اننا لا نستطيع تغيير المعادلة بشكل كبير . ربما يوجد تهرب ضريبي بنسبة 50 او 60% لكن الأرقام التي نراها في وزارة المالية من خلال الVAT لا تقارب ال5 او 10 مليار دولار في القطاع السياحي .احيانا عندما يشتري احدهم خاتم الماس مثلا بمبلغ مرتفع يدخلونه ضمن المدخول السياحي وهذا لا يجوز لأن القطاع السياحي مختلف . اننا عندما كنا نعطي الأرقام الفعلية للسياحة ومداخيلها كنا نغض الطرف عن المغترب القادم من افريقيا والخليج العربي وهو يحول ما يساوي 7 او 8 مليار دولار .علينا ان نفرق ما بين مصاريفه الشخصية وبين مداخيل السياحة عند الحديث عن مداخيل لبنان الإجمالية…
ألا تعتقدون بأن لبنان حاليا يعتمد على سياحة المغتربين فقط؟
بلى بنسبة 75% لا سيما في المواسم الكبيرة والأعياد. لقد أطلق وزير السياحة مؤخرا حملة اهلا بهالطلة. ان السياحة قائمة حاليا على الأمن والاستقرار والإرادة اللبنانية التي تعمل على دوام السياحة واستمراريتها. ان الانتشار السياحي في المناطق اللبنانية ساعد كثيرا بالإضافة الى التواصل الاجتماعي الإيجابي . ان العديد من الأشخاص الذين زاروا لبنان كتبوا عن تجاربهم فيه بحيث اننا نفتخر بأن هذا البلد المنكوب لا سيما بعد انفجار المرفأ فيه والذي أدى الى تهديم منطقة الجميزه بأكملها وقسم كبير من المناطق المحيطة بها قد انتفض وعاد لإعمار تلك المناطق بدون مساعدة الدولة او القروض من المصارف. لقد عادت الى الوجود وتوسع الإنماء فيها وهذا خير دليل على تأقلم اللبناني مع اي حدث مهما كان. لم يكف اللبناني ايام الحرب عن فتح المطاعم والفنادق فهو معروف عالميا بأنه يتأقلم مع كل شيء. ان اللبنانيين منذ 40 او 50 سنة يعملون في إدارة الأزمات والمصائب التي تلاحقهم من حروب الى دمار واغتيالات وافلاس عام للدولة وللمصارف ورغم كل شيء ما زلنا على صمودنا ومتمسكين بوجودنا وعبر مؤسساتنا التي لم نكف يوما عن الاستثمار فيها وهذا لأن لدينا بدعة غير موجودة في اي مكان في العالم.