في أيّ جلسة مقبلة يفترض أن يدرس مجلس الوزراء مشروع قانون «معالجة أوضاع المصارف وتنظيمها». المشروع سُرّب إلى العلن وبات معروفاً بأسبابه الموجبة وبتفاصيله، إذ يدمج كل ما حيك في إطار ثلاثة مشاريع («كابيتال كونترول»، «إعادة هيكلة المصارف»، و«إعادة التوازن المالي») في مشروع واحد أكثر تنظيماً، رغم أنه يقدّم الأفكار والأدوات نفسها لجهة تصنيف الودائع، وسقف الحماية لها حتى الـ 100 ألف دولار في كل المصارف، واسترجاع الفوائد الإضافية، وصندوق استرداد الودائع وما يُعرف بالـ «Bail-in» والسندات الدائمة، فضلاً عن فرض تبرير الأموال التي تفوق سقوفاً محدّدة لبعض فئات المودعين… بشكل عام، ينسجم المشروع مع متطلبات صندوق النقد الدولي، ويخفي عملية هيركات واضحة وممنهجة، ويمنح المصارف الكبيرة أولوية على غيرها، ويراعيها عبر تسديد الودائع مناصفة، ويلغي كل حسابات الليرة من أي حماية… ثم يقدّم حاكم مصرف لبنان ونوابه الأربعة بوصفهم «آلهة» في «الإصلاح المنتظر»، إذ يعفيهم مع لجنة الرقابة على المصارف، من أي مسؤولية فعلية في التعامل مع تحديد الخسائر وتوزيعها.المشروع يعيّن هيئة مختصّة تكون هي المرجع لاتخاذ قرار بإعادة هيكلة أي مصرف أو تصفيته. يُتخذ القرار استناداً إلى تقييم من لجنة الرقابة على المصارف يرتكز على تخمين للموجودات والخسائر ينفذه مخمّن مستقلّ تعيّنه اللجنة أو المصرف المعني. يحدّد المشروع معايير الإخفاق التي ستعتمدها الهيئة وهي معايير عامة جداً، فضلاً عن تراتبية توزيع الخسائر. ويعود إلى الهيئة اتخاذ القرار في فرض أدوات معينة لإعادة الهيكلة مثل إدخال مستثمرين جدد أو «Bail-in» أو تحويل بعض أو كل الموجودات إلى مصرف آخر، أو دمج المصرف ونقل ملكيته بشكل كامل.
في هذا الإطار تمارس لجنة الرقابة على المصارف موقعاً إشرافياً في مرحلة تقييم المصارف، ثم تعود إلى موقعها الأساسي لتمارس الرقابة في المرحلة اللاحقة.
ويقترح المشروع إعادة رسملة مصرف لبنان عبر رسملة جديدة بقيمة 2.5 مليار دولار تسددها الدولة، على أن يتم إطفاء العجز في رأس المال على مدى خمس سنوات. ويعد المشروع باستعادة الأموال المنهوبة، على أن يجري مقاصّة بين مصرف لبنان والمصارف.
يقول المشروع إنه يجب إثبات مشروعية الودائع بالعملات الأجنبية التي تفوق 500 ألف دولار، عبر إفادات تصدرها وزارة المال وتصاريحهم الضريبية في الخارج والداخل.. أما الموظفون العموميّون، فعليهم إثبات مشروعية كل ما يفوق الـ 300 ألف دولار عبر إفادة تصدرها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لإثبات أصولية التصاريح.
ويترتب على الذين حوّلوا أموالهم من حساباتهم اعتباراً من 17/10/2019 أن يعيدوا كل ما يفوق الـ100 ألف دولار. وبعد ذلك، يدخل المشروع في عملية تصنيف للودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة. ويرى أن الودائع المؤهّلة هي الودائع بالعملة الأجنبية الموجودة قبل 17/10/2019 ضمن سقف حماية يبلغ الـ100 ألف دولار. أما غير المؤهلة، فهي الودائع التي حوّلت إلى عملات أجنبية بعد هذا التاريخ ضمن سقف حماية بقيمة 36 ألف دولار. ويعتمد من أجل ذلك «الحساب المجمّع للعميل الواحد» الذي يتضمن مجموع حساباته الشخصية وحصّته من الحسابات المشتركة، ثم يستفيد فقط عن 100 ألف دولار من كل حساباته في كل القطاع المصرفي.
تسدّد الودائع المحمية بعد حسم فائض الأموال (الفوائد التي تفوق 1% والتي نتجت من عام 2015 وما بعد) وبعد إعادة الأموال التي نصّ عليها القانون، ويدفع مصرف لبنان النصف ويشطب في المقابل توظيفات المصارف لديه، ويدفع المصرف المعني النصف الآخر. وبالمبدأ فإن تسديد الأموال يمتدّ ما بين 10 سنوات و15 سنة بدفعات شهرية تُراوح بين 300 دولار و800 دولار للودائع المؤهلة، وعلى نفس المدة الزمنية للودائع غير المؤهلة إنما بدفعات تُراوح بين 200 دولار و400 دولار. ويمكن أن يحصل المودع على قسم من أمواله بالليرة اللبنانية (ليلرة طوعية).
وبموجب إعادة الهيكلة يفترض أن تُعيد المصارف رسملة نفسها خلال 3 سنوات بنسبة 65% في السنة الأولى لتفي بموجبات السيولة والملاءة. كل دولار من الرساميل الجديدة يساوي 5 دولارات من الدولار المحلي في الرساميل القائمة في عملية الرسملة الجديدة والـ«Bail-in». ويمكن تحويل الودائع إلى سندات مالية، لكن في هذه السندات سيتم مراعاة سعر صرف جديد يساوي دولاراً واحداً نقدياً مقابل 10 دولارات محلية من الرساميل القديمة. (سعر صرف خاص غريب عجيب). أي إن تصنيف الدولارات القديمة والجديدة لا زال قائماً مع أن مصرف لبنان فرض على المصارف أن تسعّر في ميزانياتها كل الدولارات بسعر صرف السوق الفعلية. وهذه السندات يمكن إيداعها في صندوق استرداد الودائع…
ما هو غير واضح في هذا المشروع يتعلق بدراسة الجدوى المالية. فالمشروع يحدّد بوضوح من سيدفع الـ100 ألف دولار لكل مودع مؤهّل و36 ألف دولار لكل مودع غير مؤهّل، لكنه لا يشير إلى مصادر التمويل. يقدّم مجموعة حسابات لم تتّضح جدواها والقدرة على تنفيذها مثل استرداد الأموال المنهوبة، واسترداد فائض الفوائد، وكأن هذه الأموال موجودة أصلاً، أو أنها مغطّاة بأصول أخرى. في الواقع، كان هذا الحديث محور نقاش بين حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري مع جمعية المصارف في لقائهم الأخير. يومها أبلغهم منصوري، بأنه قدّم كل الحسابات المتعلقة بتطبيق هذا القانون للحكومة، وأنه لم يتدخّل في اتخاذ القرار. لكن الوقائع التي تكشّفت، سواء في مشروع القانون نفسه، أو المعطيات المتداولة بين أوساط مصرفية، تشير إلى أن هذا القانون كُتب في حاكمية مصرف لبنان بالاتفاق بين منصوري ونائبه سليم شاهين وبالتعاون مع رئيسة لجنة الرقابة على المصارف ميّة الدباغ. أما نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي يأخذ المشروع في صدره، فهو كان على اطّلاع بكل الصياغات وبعملية الدمج. وتشير المصادر إلى أنه في هذا الإطار اقتصر تعيين «الهيئة المختصة» التي سيعود إليها قرار إعادة هيكلة أي مصرف أو إحالته إلى التصفية، على الحاكم ونوابه الأربعة ومن يختارون من خبراء. والأمر نفسه واضح في الأسباب الموجبة أيضاً التي تحدّقت عن عناصر أساسية للمشروع وفقاً للآتي: حماية المودعين، إعادة تفعيل دور القطاع المصرفي، تحسين وضعية المصارف والملاءمة مع المعايير الدولية، استعادة الثقة، الحدّ من المخاطر النظامية وتحسين القدرة التنافسية، تخفيف الاعتماد على اقتصاد النقد (اقتصاد الكاش). النقطة الأخيرة هي التي التزم منصوري بتطبيقها في نقاشاته مع المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية.