2020: خسرنا نصف الاقتصاد وربع الناتج الإجمالي

في حصيلة هذه السنة، لا تنتهي المؤشرات التي تعبّر عن حجم الخراب الذي ضرب اقتصاد البلاد كنتيجة للأزمة الماليّة القائمة، خصوصاً تلك المؤشرات التي تعبّر عن تعاسة الظروف المعيشيّة التي يعيشها اللبنانيون، وتلك التي تدلّ إلى عمق الهاوية التي سقط فيها النظام المالي اللبناني.

على المستوى المعيشي، ومن ناحية غلاء الأسعار، بلغ مؤشّر التضخّم حدود 133% وفقاً لأرقام الإدارة المركزيّة للإحصاء، في نتيجة بديهيّة لتهاوي سعر صرف الليرة اللبنانيّة وارتفاع كلفة السلع المستوردة. أمّا أخطر ما سجّلته أرقام هذه السنة من ناحية غلاء الأسعار، فكان نوعيّة السلع التي قادت مؤشّر التضخّم نحو الارتفاع، وهي تحديداً أسعار السلع الغذائيّة والمشروبات التي ارتفعت بنسبة 423%، وأسعار الملبوسات التي ارتفعت بنحو 461%، وكلفة المواصلات التي ارتفعت بنسبة 128%. أما أكثر الأرقام الصادمة، فكانت نسبة ارتفاع أسعار الأدوات المنزليّة والأثاث، التي بلغت حدود ال669%. مع العلم أن هذه الأرقام ستتجه إلى ارتفاع جديد لا مفرّ منه، بالتوازي مع الترشيد التدريجي للدعم الذي يقدمه مصرف لبنان لاستيراد السلع الحيويّة.

على مستوى القطاع المالي، وتحديداً مصرف لبنان، خسر لبنان خلال هذه السنة 12.73 مليار دولار من احتياطات العملة الصعبة التي كانت موجودة في المصرف المركزي منذ بداية العام، ليبلغ حجم الإحتياطات السائلة اليوم نحو 19.85 مليار دولار (وذلك لغاية منتصف شهر كانون الأوّل وفقاً لأرقام مصرف لبنان). بمعنى آخر، طار من المصرف المركزي نحو 39% من الإحتياطات السائلة الموجودة لديه خلال هذه السنة.

أما أسوأ ما عكسته أرقام مصرف لبنان هذه السنة، فهو ارتفاع بند “الموجودات الأخرى” بنسبة 99% خلال عام 2020، لتبلغ حدود 49.68 مليار دولار. علماً أن هذا البند يستعمله مصرف لبنان لمراكمة الخسائر في الميزانيات وتأجيل التعامل معها أو التصريح عنها، وهي مسألة أشارت إليها تقارير شركات التدقيق المالي الأجنبيّة. ومع ارتفاع قيمة هذه “الموجودات الأخرى”، أو بالأحرى “الخسائر المتراكمة” غير المعلنة، إلى هذه المستويات، بات هذا البند يمثّل وحده نحو 31% من إجمالي ميزانيّة مصرف لبنان، وهو ما يعبّر بوضوح عن حجم الخسائر التي يفترض أن يتعامل معها القطاع المالي خلال الفترة المقبلة.

المصارف التجاريّة بدورها لم تكن أفضل حالاً. خلال 2020، خسر القطاع المصرفي نحو ربع موجوداته الخارجيّة، التي تمثّل استثمارات المصارف في الخارج وحساباتها في المصارف المراسلة، فيما تبقّى من هذه الموجودات نحو 13.37 مليار دولار فقط اليوم. مع العلم أن هناك أسئلة كبيرة حول قدرة هذه الموجودات المتبقية على تغطية التزامات المصارف المترتبة عليها في الخارج. في المقابل، خسرت المصارف هذا العام نحو 27% من إجمالي موجوداتها، كنتيجة مباشرة لحجم التراجع الكبير في قيمة الودائع والقروض الموجودة لديها.

القطاعات الإقتصاديّة الأخرى لم تكن أفضل حالاً، وخصوصاً القطاع السياحي الذي شهد هذا العام تراجعاً في نسبة إنفاق السياح بنسبة 73% مقارنة بالعام الماضي، فيما تراجع معدّل الإشغال في الفنادق اللبنانيّة إلى نحو 15%، مقارنة بـ71.6% خلال السنة الماضية. مع العلم أن هذا القطاع بالتحديد تعرّض إلى توليفة من الضربات المتتاليات، من أثر الخضات الأمنية في بداية العام إلى حالة الإقفال العام بعد تفشّي وباء كورونا، وصولاً إلى آثار إنفجار مرفأ بيروت. وقد أظهرت الأرقام تراجع عدد الوافدين إلى البلاد طوال هذا العام بنحو 74.57% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يدلّ إلى حجم التراجع الذي أصاب النشاط السياحي هذه السنة.

أما سائر القطاعات الإنتاجيّة، فشهدت علامات مماثلة من الانهيار. فالصادرات الصناعيّة شهدت هذه السنة نسب تراجع مقلقة، بلغت مستوى 43% في قطاع الورق والمنتجات الورقيّة، و40% في قطاع المنتجات البلاستيكيّة، فيما تراجعت الصادرات الكيميائيّة بنسبة 23%. علماً أنّ احتجاز سيولة المصانع في المصارف وتردي الظروف الإقتصاديّة في الخارج ضرب بقسوة هذا القطاع. أما المصانع فتعاني أيضاً من ارتفاع كلفة المواد الأوليّة المستوردة مقارنة بقيمة إنتاجها الذي تبيعه محليّاً. وعلى مستوى القطاع الزراعي، وبحسب “مركز الأبحاث والدراسات الزراعيّة”، انخفضت قيمة المنتجات الزراعيّة نتيجة انهيار سعر الصرف محليّاً بنحو 70% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما دفع “المركز” إلى توقّع تراجع حجم الإنتاج الزراعي هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة.

في خلاصة كل هذه المؤشرات المأساويّة، كان من الطبيعي أن يتراجع المؤشّر الإقتصادي العام الذي ينشره مصرف لبنان بنحو 49%، علماً أن هذا المؤشّر بالتحديد هو تلخيص لمجموعة واسعة من المؤشرات التي يجمعها مصرف لبنان ليعكس الأداء الإقتصادي في البلاد. وكنتيجة طبيعيّة لهذا الوضع أيضاً، توقّع صندوق النقد الدولي أن يخسر الإقتصاد اللبناني نحو ربع الناتج المحلّي الإجمالي هذه السنة، وهو ما سيترك أثراً كبيراً على رفع معدلات البطالات وخفص متوسّط دخل اللبنانيين.

أمام هذا المشهد المأساوي، لا يوجد حتّى اللحظة أي بارقة أمل على مستوى قدرة الدولة على التعامل مع الأزمة، في ظل غياب أي خطة جديّة للتعامل مع أي من مظاهر الإنهيار الشامل الذي تشهده البلاد. ولذلك، ورغم انتهاء العام، من الأكيد أنّ الانهيار الإقتصادي الكبير لن ينتهي قريباً.

 

 

مصدرأساس ميديا -علي نور
المادة السابقةمصر تثبت جميع رسوم عبور السفن في قناة السويس
المقالة القادمةلبنان: رفع الحد الأدنى للأجور يحتاج إصلاحات اقتصادية