منذ اندلاع حراك الشارع في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، شهدت الليرة اللبنانية سلسلة انهيارات تخللتها تقلبات، بحيث انخفض سعرها في السوق السوداء بين سبتمبر/ أيلول 2019 و7 ديسمبر/ كانون الأول 2020، من 1515 ليرة إلى 8175 ليرة مقابل الدولار الذي زادت قيمته 4.3 مرات تقريباً.
وخلال هذه الفترة، أصبح الدولار متداولاً بثلاثة أسعار؛ الأول هو سعره المُشار إليه في السوق السوداء، والثاني سعره الذي لا يزال متوسّطه المعتمد رسمياً لدى “مصرف لبنان” المركزي محدداً عند 1507.5 ليرات لهامش بين 1500 و1515 ليرة منذ العام 1997، والثالث سعره المعتمد عند الصرّافين، بالاتفاق مع المصرف المركزي، والذي بلغ 3900 ليرة حداً أقصى لسعر البيع يوم أمس الإثنين الواقع في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وفي حين أن السعرين، الرسمي وعند الصرّافين ثابتان تقريباً، فإن السوق السوداء مسرحها عملياً سوق الصرّافين، مرخّصين وغير مرخّصين، بالتنسيق أحياناً مع مسؤولين في المصارف، وكذلك التطبيقات الإلكترونية التي يتلاعب من يديرها بالسعر صعوداً وهبوطاً وعلى أساس مؤشرها يجري التسعير وإجراء الصرف في الأسواق التجارية التي فيها يدفع المواطنون ثمن فلتان سوق العملة في نهاية المطاف.
وفي رصد لمراحل تطوّر سعر الصرف في السوق السوداء، وهي الأكثر تأثيراً في انهيار العملة واستشراء غلاء أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي تدرس السلطات حالياً رفع الدعم عن معظمها، بما يُنذر بموجة من الغلاء الفاحش، يتبيّن أن مسار التدهور الدراماتيكي لسعر الليرة اتخذ المنحى الذي سيلي التطرق إليه.
في العام 2019 وتحديداً حتى سبتمبر/ أيلول، كان سعر الصرف المتداول غالباً أقصاه 1515 ليرة، ولم تكن السوق السوداء قد برزت إلى العلن بعد. وما أن اندلع حراك الشارع في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي إثر اقتراح فرض ضريبة على “الواتساب” والتطبيقات المشابهة، حتى ارتفع السعر إلى 1800 ليرة بحلول 29 أكتوبر، وهو اليوم الذي قدّم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته تحت ضغط المحتجين.
ثم انخفض سعر الدولار قليلاً إلى 1720 ليرة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 2000 ليرة في 5 ديسمبر/ كانون الأول، ثم إلى مستويات أعلى بحلول نهاية العام 2019.
ومع الدخول في العام 2020، والفشل في تشكيل حكومة جديدة يُرتجى منها تهدئة الشارع الغاضب ومحاولة إنقاذ البلد من وضعه الاقتصادي الكارثي، كان الدولار قد ارتفع إلى 2450 في 10 يناير/ كانون الثاني، قبل أن تُشكل حكومة جديدة برئاسة حسّان دياب في الـ21 من الشهر نفسه.
لكن ما لبث الدولار أن تراجع قليلاً إلى 2345 ليرة في 14 فبراير/ شباط مع دخول البلد في مواجهة مع موجة انتشار وباء كورونا وما ترتب عنها من تعطيل للنشاط العام والدورة الاقتصادية، ليتخذ الدولار بعد ذلك منحى تصاعدياً لافتاً بعد إعلان دياب في 7 مارس/ آذار 2020، تعليق دفع سندات اليوروبوندز التي ستستحق على الدولة، في محاولة لعدم استهلاك احتياطي العملات الأجنبية لدى “مصرف لبنان” سريعاً.
وفي 25 مارس/ آذار، كان الدولار قد بلغ 2760 ليرة، قبل أن يرتفع إلى 3000 ليرة بحلول 13 أبريل/ نيسان، ثم إلى 4450 في 16 مايو/ أيار، فإلى 5100 في 11 يونيو/ حزيران.
أما ذروة تسعير الدولار في السوق السوداء فقد سُجّلت في 2 يوليو/ تموز ، حيث بلغ أعلى سعر له على الإطلاق متجاوزاً 10000 ليرة، وذلك قبل الانفجار الهائل في “مرفأ بيروت” في 4 أغسطس/ آب، والذي أدى إلى إعلان حسّان دياب استقالة حكومته في الـ10 من الشهر نفسه، لينخفض الدولار بعدها تدريجاً إلى 7900 ليرة في 28 أغسطس.
ومنذ ذلك الحين، يتفاوت سعر الدولار ضمن هامش محدود، وإن تخللته تقلبات حادة نسبياً ليوم أو اثنين، حيث بلغ 8000 ليرة في 27 سبتمبر/ أيلول، وانخفض قليلاً إلى 7200 في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، قبل أن يرتفع تدريجاً بأرقام ضئيلة مسجلاً 7325 ليرة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، و8175 في 7 ديسمبر/كانون الأول، ثم إلى 8225 ليرة يوم الثلاثاء، قبل أن يُنهي تداولات الأربعاء على 8175 ليرة.
هذا ومن المتوقع أن تزداد الضغوط على الليرة اللبنانية من جملة عوامل حالية ومقبلة، وفي طليعتها غياب الدعم النقدي الخارجي، عربياً كان أم أجنبياً أم دولياً، تدهور احتياطي الدولار لدى “مصرف لبنان”، شبه الشلل الذي أصاب الدورة الإنتاجية والاقتصادية، تداعيات فيروس كورونا المستمرة، الانحسار الكبير لتحويلات المغتربين مع فقدان الثقة بالقطاع المصرفي، الفشل السياسي المستمر في تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، وأخيراً وليس آخراً، اتخاذ الحكومة قراراً برفع الدعم، وهو أمر مطروح على طاولتها حالياً.