الترشيشي: المُزارع في وادٍ ووزير الزراعة في آخر

رغم أنّ لبنان يمتلك مساحات زراعيّة مقبولة إلى حدّ ما مُقارنةً مع مساحته الإجماليّة كما يزخر بمواسم مُختلفة للمنتوجات الزراعيّة، إلّا أنّ سوء السياسة الزراعية جعله من أكثر الدول حاجة لاستيراد الغذاء، وممّا زاد من تقهقر هذا القطاع ما لحِق بالأنهار ومصادر الريّ من تلوّثٍ جرّاء «إستهتار فاضح» في موضوع الصرف الصحي.

إلّا أنّ المشكلة الأكبر كملت بالعدوان الإسرائيلي على الأراضي الزراعية في الجنوب وما يُمكن أنْ ينتج عنها من تأثير سلبي لسنوات على مساحات شاسعة من الأراضي هناك. وسط هذا المشهد السودواي ينفي رئيس تجمّع مُزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، كل ما يُشاع عن تلوث في الأراضي الزراعيّة، لافتاً إلى أنّ «إنتاجنا نظيف بأكمله وهو الأفضل في السوق المحلي، مقارنةً مع الأصناف المستوردة»، إلّا أنّه يضع «الإصبع على الجرح» لناحية موضوع التصدير.

مشكلة التصدير

وعن التصدير يأسف الترشيشي لأنّه «في أسوأ حالاته. فبدل تصدير 50 شاحنة يوميّاً تخرج 5 شاحنات براً. أمّا بحراً فكانت تُحمّل ثلاث بواخر أسبوعيّاً بالبضائع، في حين أن اليوم بالكاد تحمّل شحنة واحدة أو إثنتان شهرياً من دون تحديد مواعيد الوصول، بالتالي لا نعرف أي بضائع نُصدر وما إذا كانت تصل بحالة جيّدة أم لا».

ويتمنّى «لو أن المسؤولين يُركّزون على هذا الملف والنقص في الكميّات المصدرة. القطاع محروم من التصدير وهذه أكبر كارثة تضره وقد تصل به إلى حد القضاء عليه في حال عدم معالجتها. لبنان غير قادر إلا على تصدير كميات محدودة جداً إلى الأردن، العراق، مصر، وسوريا نادراً. هذه الدولة لا تأخذ سوى 10% من إجمالي فائض الإنتاج المحلي. أما النسب المتبقية، فالمفترض تصديرها للدول الخليجية. لكن، لا يمكن الوصول إليها نتيجة مشاكل البحر الأحمر وإغلاق طريق الترانزيت من قبل المملكة العربية السعودية ونحن دخلنا السنة الرابعة للإقفال. هذه أشد عقوبة يدفع ثمنها المزارع اللبناني الذي لا يمكنه الوصول إلى الأسواق العربية الأخرى. لم يبادر أي مسؤول لبناني لمحاولة فتح هذا الطريق الحيوي». ويكشف أنّه «منذ حوالى العشرة أيام، تواجد مسؤول لبناني معني في السعودية لحضور مؤتمر، وجاء ليبشّرنا بأوهام غير صحيحة ودراماتيكية حول الموضوع. فلو كانت لديه نيّة للعمل على معالجة القضية لكان طلب مواعيد مع السعوديين وذهب مع وفد مفاوض. فكيف ستُبادر السعودية إلى التخفيف من العقوبات ما لم تُبادر الجهة اللبنانية لطلب مناقشة الملف أقلّه؟». ويُطالب الترشيشي بـ»وقف إستيراد أيّ نوع من المنتوجات الزراعيّة لأن لبنان قادر على تحقيق الإكتفاء الذاتي، لا سيّما في ظلّ وجود فائض إنتاج في سهل البقاع».

المحلي أرخص وأفضل

بالنسبة إلى الأسعار، يُشير إلى أنّ «في بعض الأحيان يضطرّ المزارع لبيع الإنتاج بأسعار أقل من الكلفة. أما البضائع المرتفعة السعر فمستوردة ودائماً ما يكون الإنتاج اللبناني هو الأرخص وبجودة أفضل».

الوزارة غائبة

ويتطرق الترشيشي في حديثه إلى دور وزارة الزراعة، حيث يعتبر أنّ «المُزارع في وادٍ ووزارة الزراعة في آخر وبعيدة كل البُعد عن واقعه. أسوأ قرار إتخذّته الوزارة هو تشجيع زراعة القمح من دون المُطالبة بإستلام المحصول ولو ليوم واحد. محصول السنة الماضية لا يزال يُباع علفاً للحيوانات في حين أننا على أبواب إستقبال الموسم الجديد.

الوضع جيد

يتحدّث الترشيشي عن وضع المزارع، معتبراً أنّ «الوضع جيد هذه السنة، إنْ كان لناحية المواسم أو الإنتاج أو الأمطار الوافرة التي فاقت معدّلاتها السنوية، حتى أن النكهة والجودة ممتازتان»، إنما في المقابل يتمنّى «إبعاد شرّ الإنسان عن المزارع وضرر الإشاعات والعناوين الإخبارية السيئة التي تلحق به من وقت إلى آخر، خصوصاً حين تُوجّه إتهامات شمولية تضرّ بالإنتاج الزراعي وكأنّ القطاع إنتهى نهائياً أو كأنه السبب في مقتل كل من يموت على الأراضي اللبنانية، في حين أننا نُدين هذه الإدّعاءات ونرفضها لأنها لا تمّت إلى الواقع بصلة».

حالات إستثنائيّة

ويوضح الترشيشي خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، أنه «في الحقيقة، يُمكن أن يوجد بعض مَن تُسوّل له نفسه شراء بضائع رخيصة أو أدوية زراعية مُضرّة وغير مطابقة للمواصفات الصحيّة، مثل تلك التي تحدث عنها وزير الصحة السابق وائل ابو فاعور. لا أعتقد أن الوزير يطلق إشاعة من دون وجود مستندات ثبوتية بين يديه. نحن نثق بكلامه ونُقدّره ونحترمه. لكن، في هذه الحالة، المطلوب من الدولة تسليم الملف للقضاء لملاحقة ومتابعة الجهات المخالفة والمزورة وإقفال الشركات المعنية ومصادرة الأدويّة غير المستوفية للمواصفات. بذلك، يُعلّم المخالف درساً لا ينسى ويتم ردع أي معتدي على صحة الإنسان وعلى القطاع الزراعي، للقضاء على هذه الآفة التي تلحق بسمعة الإنتاج اللبناني». متابعاً: «إذا كان هناك من هرب أو إستورد بطريقة غير شرعية وغير مستوفية للمواصفات، نحن أول مَن يُدين ويطالب بمحاسبته ومحاربة ومصادرة بضائع المخالفين إذا أثبتت عليهم هذه الجريمة».

ويُشدّد على أنّ «المزارعين يعرفون إختيار الشركة الموثوقة ونوع الأدوية المناسب، لا سيّما مزارعي الفاكهة الذين لا يستخدمون إلا دواء نظيفاً ومطابقاً للمواصفات لأنه لا يؤثّر على إجمالي الكلفة مقارنةً مع النوع الدواء الزراعي الممنوع دخوله لبنان. نسبة كلفة الأدوية الزراعية تُشكّل 1/100 من إجمالي كلفة الإنتاج، بالتالي لا مصلحة للمزارعين بإستيراد هكذا أدوية أو حتى شرائها وتعريض مصلحتهم للخطر أو تشويه سمعتهم». مضيفاً: «في النهاية، كل الأصناف تخضع إلزامياً للإختبارات المخبرية قبل التصدير. بالتالي، أي دواء يترك ترسبات على الإنتاج. فإذا تبيّن أنه غير مطابق للمواصفات لا تحصل الشحنة على الشهادة الصحيّة وتمنع من التصدير. وحتى لو قطعت الأراضي اللبنانية، علماً أن النتائج في لبنان صحيحة 100%، وتخضع البضائع لفحص مخبري صحي آخر على مختلف الحدود في البلدان المستوردة ويتمّ كشف المخالفين. نحن في عصر التكنولوجيا والتطوّر لا يمكن لأي مخالف أن تمرّ فعلته مرور الكرام، كل الدول باتت تُدقّق في البضائع التي تستوردها. بالتالي المزارع اللبناني بغنى عن تشويه سمعته وإلحاق الضرر بمصلحته».

لا تلوّث

أما لجهة المياه الملوثة، فيستنكر الترشيشي «الإتهامات بإستخدامها لري المنتوجات الزراعية»، مؤكداً «عدم صحة هذه الشائعات. فمعدلات الأمطار غزيرة جداً، الينابيع والأنهار لا زالت تهدر والآبار الإرتوازية ممتلئة بالمياه النظيفة ونسب النيترات فيها هي الأدنى في الشرق الأوسط. أما نهر الليطاني فلا يستخدم رغم إفادته. إذاً، لا داعي لإستخدام المياه الملوثة في حين أن الطقس لا يزال ماطراً والمياه متوافرة بكثرة، ما يجعل هذا الإتهام غير منطقي. 90% من الآبار الإرتوازية تعمل على الطاقة الشمسية، ومياه الينابيع والأنهر لم تعد تعني المزارع لأنه يُفضّل أن يروي أرضه من الآبار من دون كلفة المحروقات وإشتراكات كهرباء لبنان والمولدات الخاصة. بإختصار، المزارع الواعي الذي يعرف مصلحته لا يستخدم لا المياه الملوثة ولا الأدوية المسرطنة المهربة». ويُطمئن اللبنانيين أنّه «ليس هناك مناطق زراعية مُعرّضة للتلوّث. إنتاجنا نظيف بأكمله وهو الأفضل في السوق المحلي، مقارنةً مع الأصناف المستوردة».

خسائر الجنوب غير مُحدّدة

وبالنسبة إلى تداعيّات حرب الجنوب على القطاع الزراعي، يلفت الترشيشي إلى أنّ «تحديد الخسائر غير مُمكن قبل وقف الإعتداءات والقيام بمسح للأراضي الزراعية المتضرّرة إن كان من القنابل الفوسفورية أم بسبب حرمان المزارع من الوصول إليها لزراعتها. إضافةً إلى أشجار الزيتون المُحترقة وزراعة التبغ المتضرّرة التي يُحاول مُزارعوها الصمود تحت القصف».

مصدرنداء الوطن - رماح هاشم
المادة السابقة21 قانوناً “اقتصادياً” من دون مراسيم تطبيقية… والتعطيل مقصود
المقالة القادمة“الضمان” يتصدّى لمقترح التأمين الخاص