2025 عام الأزمة بإيران: الاقتصاد نحو مزيد من التأزم

هل يشهد عام 2026 إنطلاق ثورة جديدة في إيران؟ الأحداث تشي بأنّ الواقع الاجتماعي – الاقتصادي في “جمهورية الملالي” ليس على ما يرام ولن يكون كذلك في المقبل من الأيام، إذ تسود التظاهرات في مناطق إيرانية عدّة منذ أيام، وأدت أمس إلى استقالة حاكم المصرف المركزي، وترافقت مع انتشار أمني كثّيف خوفاً من توسعها.

مناطق إيرانية عدّة، تشهد منذ يوم الأحد، تحركات احتجاجية بالتزامن مع استمرار التدهور السريع لقيمة العملة، ما أدى إلى إقفال المتاجر وانتشار إضرابات للتجار في العاصمة طهران.

ونزل الناس إلى الشوارع بعد إغلاق متاجرهم ودعوا باقي التجار إلى الالتحاق بهم مرددين هتافات “أغلقوا.. أغلقوا” و”ادعموا.. ادعموا”. كما ردّدوا شعارات “التاجر يموت ولا يقبل بالذل” و”لا تخافوا، لا تخافوا، نحن جميعاً معاً”. وأعلنت قوات الحرس الثوري الإيراني، تزامنًا، “حال التأهب القصوى” بنسبة 100% في عموم العاصمة طهران خوفاً من تصاعد الانتفاضة الشعبية.

وفي تقرير نشره “منتدى الشرق الأوسط” (Middle East Forum) قبل أيام ,تناول أوضاع إيران خلال العام 2025، كشف المنتدى أنّ إيران تمرّ بإحدى أعمق وأشدّ الأزمات الاقتصادية، وأزمات الطاقة غير المسبوقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.

وبحسب التقرير، فإنّ إيران شهدت هذا العام، واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية. حيث ترافق النمو الاقتصادي السلبي مع معدل تضخم بلغ 49% ونقص وتقنين في الطاقة والمياه، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وعجز غير مسبوق في موازنة الدولة، وتلوث شديد للهواء في المدن، إضافة إلى حرب استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، ألحقت أضرارًا جسيمة بالبرنامج النووي الإيراني، إلى جانب عودة عقوبات الأمم المتحدة.

منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، لم تواجه إيران قط قائمة طويلة كهذه من الأزمات المتزامنة، حتى خلال حربها مع العراق بين الأعوام 1980 و1988. في تلك الحرب، كان متوسط التضخم السنوي نحو 20% فقط، وكان الريال الإيراني يفقد نحو 15% من قيمته سنويًا. لم تكن البلاد تعاني من نقص واسع في الطاقة، ولا المدن الكبرى تواجه تلوثًا في الهواء حادًا بهذا الشكل، حيث أن حرق زيت الوقود (المازوت) لا يترك سوى ما بين ثلاثة إلى سبعة أيام من الهواء النظيف سنويًا – ولم تكن إيران خاضعة لعقوبات دولية شاملة.

تشير بيانات شركة “Kpler” المتخصّصة بالطاقة، إلى أنّ تفريغ النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية الإيرانية، بما في ذلك زيت الوقود والكيروسين، في موانئ الدول المستوردة انخفض من نحو مليوني برميل يوميًا في العام الماضي، إلى قرابة 1.5 مليون برميل يوميًا في الأشهر الأخيرة.

في الوقت نفسه، تراجعت أسعار النفط العالمية بنسبة 22%، لتصل إلى نحو 60 دولارًا للبرميل. والأهم من ذلك أن الخصومات على النفط الإيراني المباع إلى الصين ارتفعت إلى ما يصل إلى 11 دولارًا للبرميل، في حين انخفضت الصادرات إلى بكين من 1.55 مليون برميل يوميًا إلى 1.25 مليون برميل يوميًا.

حتى في الأشهر الأولى من السنة المالية التي تبدأ في 21 آذار (مارس)، واجهت البلاد عجزًا في الموازنة يقارب 40%. وليس من الواضح مدى اتساع هذا العجز بحلول مارس (آذار) المقبل 2026، في ضوء تراجع عائدات النفط في الأشهر الأخيرة. وكانت آخر مرة شهدت فيها إيران عجزًا في الموازنة بنسبة 50% في عام 1987، في ذروة الحرب مع العراق، خلال ما عُرف بـ “حرب الناقلات”، عندما هاجم العراق مرارًا المنشآت النفطية وناقلات النفط. ومع ذلك، كانت إيران خلال الحرب تتمتع، على الأقل، بدرجة من الشرعية الشعبية، وكان المجتمع لا يزال يملك أملًا بالمستقبل، وهي ظروف لم تعد متوافرة اليوم.

بحسب التقرير، فقد انخفض معدل المشاركة في سوق العمل إلى 41 %، أي أقل بنسبة 19 % من المعدلات الإقليمية. في حين فقد كثير من العاطلين الأمل في العثور على وظيفة أو دخل كافٍ، وخرجوا من سوق العمل.

كان الحد الأدنى للأجور الشهرية في بداية هذا العام يبلغ 135 مليون ريال. أي نحو 180 دولارًا، لكنه انخفض الآن إلى نحو 100 دولار. ويضع هذا العمال الإيرانيين، بعد أفغانستان واليمن، في أدنى مستويات سلم الأجور الإقليمي.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فقد بلغ فائض الإنتاج النفطي العالمي في شهر تشرين الثاني، 4 ملايين برميل يوميًا. ومن المرجح أن يبلغ متوسطه في العام المقبل نحو 3.84 ملايين برميل يوميًا. ومن المتوقع أن يدفع هذا الفائض أسعار النفط إلى مزيد من الانخفاض، لتصل إلى نطاق 55 دولارًا للبرميل.

ومع تشديد سياسة “الضغط الأقصى” من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعودة عقوبات الأمم المتحدة، فإنّ صادرات النفط الإيرانية ستبقى، في أفضل الأحوال، عند مستوياتها الحالية. ونتيجة لذلك، سيتفاقم عجز الموازنة وتتدهور الأوضاع الاقتصادية العامة.

التقرير يكشف أنّ تضخم أسعار المواد الغذائية في تشرين الثاني تجاوز نسبة 60 %، مع ارتفاع بعض السلع الأساسية، مثل الخبز والأرز والدجاج والبيض، بنسبة تصل إلى 100%. كما أن الزيادة الأخيرة بأسعار البنزين بلغت 66 %، إلى جانب إلغاء حصص البنزين المدعوم للعديد من السيارات، ستؤدي إلى تأجيج معدلات تضخم أعلى، وسط تحذيرات من الخبراء الإيرانيين، من احتمال قفز التضخم إلى مستوى 3000 في المائة.

وفي أوائل كانون الأول الحالي، أصدرت أربع نقابات عمالية مستقلة في إيران بيانًا مشتركًا أشارت فيه إلى التضخم الجامح والتدهور الحاد في ظروف المعيشة لأصحاب الرواتب. وأكدت أن الحفاظ على مستوى معيشة الطبقة الوسطى في العام المقبل يتطلب ما لا يقل عن 600 مليون ريال شهريًا (نحو 550 دولارًا) أي أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يتضاعف 4 مرات… وهذا أمر مستحيل. وبحسب التجربة، فإن زيادات الأجور لن تعوّض حتى نصف معدل التضخم… وهذا يعني أن على الإيرانيين توقّع اشتداد ظروف معيشتهم في العام المقبل، وما ينظرهم قد يكون أسوأ من ذلك.

مصدرنداء الوطن - عماد الشدياق
المادة السابقةمشروع قانون الفجوة بتوقيع فرنسي؟
المقالة القادمةبالوثائق – الصيغة النهائية لمشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع كما أحالته الحكومة إلى المجلس النيابي