غالباً ما نسمع ونقرأ عن أن هناك لدى الدولة اللبنانية ايرادات كثيرة ممكن أن تدر على الخزينة المليارات من أجل تمويل نفقاتها والعجز الذي اصبح يلازمها من سنوات، وبدلاً من أن تعمل هذه الدولة العاجزة إما عن قصد أو غير قصد على تأمين هذه الإيرادات تعمد الى فرض الضرائب على المواطنين المنهكين والذين يعانون من أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية، بحيث تصدروا الارقام الأولى في الفقر والعوز و البؤس بحسب تقارير عالمية .
وللأسف، هُدرت على مدى عقود إيرادات بمليارات الدولارات على الخزينة تبدو الدولة اللبنانية اليوم بأمس الحاجة اليها لكن في كل مرّة كان يُفتح فيها ملف الضرائب في لبنان كان يُقارب على قاعدة “الاستثناءات” و”التنفيعات”. أما عندما يصل الأمر الى المواطنين فكانت الضرائب أولوية لدى صياغة الموازنات.
رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع قال خلال مؤتمره الصحفي الأخير ان “لدى الدولة ما يكفي من الموارد لتأمين المبالغ المطلوبة منها، كالرواتب وسواها والتي تحاول “شفطا” من مصرف لبنان اي من جيوب الشعب، فالحكومة الحالية كما سابقاتها تستطيع جباية نحو 3 مليار دولار لكنها للأسف تذهب هدراً”. وعزا هذا الهدر الى “3 اسباب وهي:
– التهرب الضريبي الذي يطبّق باستنسابية ما يكلّف الدولة مليار دولار من خلال تطبيق القانون الضريبي على بعض التجار الكبار، وهم معروفون لدى الجميع، وتنتشر فروعهم على الاراضي اللبنانية كافة.
– التهريب الجمركي على المرفأ والمطار والمعابر الشرعية والذي يصل الى قرابة المليار دولار بسبب مجموعات “التنصيب” المعروفة.
– التهريب من سوريا الى لبنان الذي يكبّد الدولة 250 مليون دولار، بعد ان كان يصير العكس في فترة الدعم، وعلى سبيل المثال، تهريب المحروقات الإيرانية الى لبنان التي تدخل عن طريق المعابر غير الشرعية من دون دفع الرسوم فتباع بسعر ارخص، كذلك ادخال التجار “المحظيين”، اصحاب العلاقات مع محور الممانعة، البضائع بطريقة غير شرعية من طرطوس واللاذقية، ما يمنع الدولة من تحصيل مداخيل اضافية، دون ان ننسى الخسائر الفادحة جراء التخابر غير الشرعي”.
حول الايرادات التي يمكن للدولة أن تحصلها أكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث للديار ان هناك الكثير من الايرادات ممكن تحصيلها بسهولة وتؤمن مداخيل للدولة أكثر من الضرائب والرسوم التي تُفرض على المواطنين بشكل عشوائي وغير مقبول والتي تصيب كل الناس و تصيب الأغنياء كما تصيب الفقراء على حد سواء.
ومن هذه الايرادات أشار شمس الدين الى الضريبة على العمالة الأجنبية الموجودة في لبنان لافتاً الى ان العمالة التي لديها إجازات عمل هي بحدود ٨٥ الفا أما العمالة الاجنبية غير الشرعية فأكثر من ١٠٠ الف، وبالتالي ممكن من خلال تشدد الأمن العام و القوى الأمنية الأخرى أن نفرض على ال ٥٠ ألفا المقيمين بطريقة غير شرعية بالحد الأدنى أن يتقدموا للحصول على إجازات عمل و إقامة من الأمن العام بحيث ممكن أن نصل الى حوالى ١٣٠ الفا اذا فرضنا عليهم ضريبة بالدولار لأنهم يتقاضون رواتبهم بالدولار .
ووفق شمس الدين فرض الضرائب على العمالة الأجنبية يؤمن ما لا يقل عن ١٣٠ مليون دولار ايرادات سنوية أي ما يوازي ايرادات الرسوم الجمركية كلها من دون الرسوم على السيارات والبنزين، أي اننا نستطيع من خلال فرض ضريبة بالدولار على العمالة الأجنبية أن نؤمن بحدود ال ١٣٠ مليون دولارسنوياً في حين أن ما يتم تأمينه حالياً لا يتجاوز مليوني دولار وهذا رقم قليل جداً .
ومن الايرادات التي يمكن ان تؤمنها الدولة تحدث شمس الدين عن أملاك الدولة كالأملاك البحرية والنهرية والأملاك العادية المستباحة او التي يتم تأجيرها بملغ رمزي يبلغ ألف ليرة ،وهذه الأملاك يقول شمس الدين يُفترض أن يتم تأجيرها وفق مزايدات عندها من الممكن ان نؤمن ايرادات لا تقل عن ٢٥٠ أو ٣٠٠ مليون دولار سنوياً .
باب آخر تحدث عنه شمس الدين يمكن أن يؤمن ايرادات للدولة وهو أن نفرض ضرائب على الإستهلاك الزائد من البنزين أي كل شخص لديه سيارة يحق له ٥٠ صفيحة بنزين بالسعر العادي الموجود واذا اراد أن يصرف أكثر يدفع زيادة ١٠ دولار ضريبة بحيث أن الإستهلاك الزائد للبنزين يمكن أن يؤمن بحدود ال ٥٠٠ مليون دولار سنوياً.
وبحساب بسيط يقول شمس الدين ممكن أن نؤمن من خلال ثلاثة موارد وهي الأملاك العامة وضريبة على الاستهلاك الزائد للبنزين و ضريبة على العمال الأجانب بحدود المليار دولار ،أي نصف إيرادات الموازنة المُقدرة مشيراً الى أن الايرادات المقدرة لموازنة ٢٠٢٣ هي بحدود مليارين دولار في حين أننا من خلال ثلاثة إجراءات فقط ممكن أن نؤمن هذه الايرادات دون أن نرهق الناس بضرائب كثيرة ممكن أن لا يتم تحصيلها .
وفي موضوع خطة حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري و نوابه قال شمس الدين هذا إجراء طبيعي والذي كان يحصل في الماضي غير صحيح، فالناس وضعت أموالها في المصارف التي وضعت الأموال في مصرف لبنان مقابل شهادات إيداع و حاكم مصرف لبنان تصرف بهذه الأموال من دون وجه حق .
ورأى شمس الدين أن عدم صرف أي مال من هذه الأموال وهي ليست أموالاً للدولة بل أموال الناس إجراء طبيعي تأخر اتخاذه وكان يجب أن يُتخذ من سنوات وليس اليوم.
وبخصوص رواتب موظفي القطاع العام أشار شمس الدين الى أنها مؤمنة لكن الذي كان يحصل في الماضي هو أن مصرف لبنان يقوم بتحويل رواتب العاملين في القطاع العام بالدولار على منصة صيرفة كي يستفيدوا من فرق سعر صرف الدولار بين المنصة والسوق السوداء،
أما ابتداءً من اليوم هؤلاء الموظفين سيتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية .
وهنا يقول شمس الدين في حال كان لدى الدولة الأموال المطلوبة أو لم يكن لديها كما كان يحصل في الماضي فهي تصدر سندات خزينة لتمويل العجز والمصارف لا تكتتب بهذه السندات في حين أن مصرف لبنان يكتتب بهذه السندات بحيث أن حصته من الدين الداخلي بالليرة اللبنانية أصبح بحدود ٨٢٪ وبالتالي نحن نمول عجز الدولة من خلال مصرف لبنان وهذا الأمر يتم للأسف عن طريق طباعة الليرة الذي أدى الى ارتفاع الكتلة النقدية من ١١ الف مليار في الأزمة الى ٩٠ الف مليار حالياً و بالتالي هذه الكتلة النقدية الكبيرة بالليرة اللبنانية أدت الى التضخم.