على عكس التكهنات والتقارير الصحافية المتواترة في الأسبوع الماضي، أعلن تحالف «أوبك +» الذي يتحكم في نحو 40% من إمدادات النفط الخام العالمية، عن اتفاق جديد يحد من التدفقات. الاتفاق الذي يمدد ويعمق تخفيضات الإنتاج حتى نهاية العام المقبل، جاء بعد إعلان مفاجئ مشابه خلال نيسان، والذي ساعد في رفع الأسعار بنحو 9 دولارات للبرميل إلى ما فوق 87 دولاراً لخام «برنت» في غضون أيام. لكن الخام القياسي تخلى لاحقاً عن هذه المكاسب، حتى أنه يتداول الآن قرب مستوى 78 دولاراً للبرميل، في إشارة إلى تجدد الضغوط في الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى تمديد تخفيضات «أوبك +» الحالية البالغة 3.66 ملايين برميل يومياً، اتفق التحالف الأحد على خفض أهداف الإنتاج الإجمالية بداية من كانون الثاني 2024 بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً أخرى إلى إجمالي إنتاج 40.46 مليون برميل يوميا. لكن ما الأسباب الرئيسية حقاً وراء هذا الخفض الجديد الذي يأتي بعد شهرين تقريباً من خفض كبير آخر؟
ضعف الطلب
البيانات الواردة من الصين، التي تعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، أثارت مخاوف بشأن ضعف النمو في البلاد، وبالتالي ضعف الطلب على النفط.
المخاوف المرتبطة بالأزمة المصرفية في الولايات المتحدة، دفعت المستثمرين لبيع الأصول ذات المخاطر العالية مثل السلع، وانخفض النفط إلى قرب 70 دولاراً للبرميل من ذروة بلغت 139 دولاراً في اذار2022.
وتعرضت أسعار النفط مؤخراً لضغوط مع تأخر السياسيين الأميركيين في التوصل لاتفاق بشأن سقف الديون، وهو الأمر الذي أثار مخاوف من تخلف الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها وتدهور اقتصادها، وبالتالي تراجع الطلب أيضاً.
الإستجابة للمضاربات
ينظر إلى التخفيضات المخطط لها في إنتاج «أوبك +» على أنها وسيلة لمعاقبة المتداولين الذين يبيعون النفط على المكشوف ويراهنون على انخفاض أسعاره. وفي عام 2020، حذر وزير الطاقة «عبد العزيز بن سلمان» المتداولين من المراهنة بكثافة في سوق النفط، قائلاً إن أولئك الذين يقامرون على سعر النفط «سيتألمون للغاية».
وكرر الوزير تحذيره قبل اجتماع الأحد، وطلب من المضاربين «الحذر» وهو ما فسره العديد من مراقبي السوق والمستثمرين على أنه إشارة إلى أن «أوبك +» تدرس المزيد من التخفيضات في الإنتاج.
الإنتاج الأميركي
تتوقع الولايات المتحدة، ارتفاع إنتاجها من النفط الخام بنسبة 5.1% إلى 12.53 مليون برميل يومياً في عام 2023، وبنسبة 1.3% إلى 12.69 مليون برميل يوميا في عام 2024، مقارنة بنحو 10 ملايين برميل يوميا حتى عام 2018.
في المقابل، تخطط السعودية لخفض إنتاجها إلى 9 ملايين برميل يوميا بداية من تموز، من نحو 10 ملايين برميل يوميا في ايار، وهو أكبر خفض لها منذ سنوات، وذلك لمدة شهر قابلة للتمديد.
وتستهدف روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، إنتاج نحو 9.5 ملايين برميل يومياً حتى نهاية العام و9.3 ملايبن برميل يومياً العام المقبل. ومددت كل من السعودية وروسيا العمل بالخفض الطوعي البالغ 500 مليون برميل يومياً لكل منهما، والمعلن عنه في وقت سابق من هذا العام، حتى نهاية عام 2024.
الأسعار أمس
واصلت أسعار النفط ارتفاعها خلال تعاملات امس الإثنين بدعم من تعهد السعودية بخفض إنتاجها مليون برميل يومياً إضافية اعتباراً من تموز. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت تسليم آب بنسبة 1.71% أو بقيمة 1.3 دولار عند 77.43 دولاراً للبرميل، في تمام الساعة 01:40 مساءً بتوقيت مكة المكرمة. كما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي تسليم تموز 1.85% أو 1.33 دولار إلى 73.07 دولاراً للبرميل، مقلصة مكاسبها بعدما صعدت في بداية تداولات الأسبوع بحوالي 5%.
وبعد اتفاق «أوبك+» على مستوى مستهدف جديد للإنتاج عند 40.46 مليون برميل يومياً بداية من العام المقبل، صرح وزير الطاقة السعودي الأمير «عبد العزيز بن سلمان» أن القرار يساعد على تعزيز استقرار الأسواق ويمنع التذبذب الحاد. وأشار «إد مورس» الرئيس العالمي لأبحاث السلع لدى «سيتي بنك» لشبكة «سي إن بي سي» إلى أن سوق النفط لا تزال ضعيفة للغاية وهو ما يرجع جزئياً للطلب المخيب للآمال في أكبر ثلاث مناطق مستهلكة وهي: الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
تحليل الموقف السعودي
تعهدت السعودية بخفض إضافي للإنتاج في تموزلتحقيق الاستقرار في سوق النفط، متخلية عن جزء من حصتها لاثنين من حلفائها الرئيسيين، روسيا والإمارات اللتين لم تلتزما مزيداً من خفض الإنتاج. وفي ما يلي ما قاله محللون بارزون عن تحرُّك المملكة والمضي قدماً بمفردها في تخفيض قدره مليون برميل يومياً:
قد يدعم الخفض الأسعار على المدى القصير، لكن آليات السوق الواسعة لبقية 2023 وحتى 2024 تظلّ بلا تغيير عملياً، حسبما كتب محللون بينهم مارتن راتس وتشارلوت فيركينز في مذكرة. وأضافوا أن هذا هو خفض أوبك الثالث في تسعة أشهر، ومن المرجح أن يكون الأخير هذا العام بشرط أن لا تكون في توقعات العرض والطلب تغييرات كبيرة.
وقال محللون من بينهم دان سترويفن وكالوم بروس إن اجتماع أوبك+ رفع معنويات السوق على نحو معتدل وبدّد بعض المخاطر النزولية لتوقعات البنك في كانون الاول ببلوغ سعر النفط 95 دولاراً للبرميل. وقالوا إن تعليق وزير الطاقة السعودي «كل ما هو ضروري» يشير إلى التزام مواصلة محاربة البائعين على المكشوف واستغلال قوتها الكبيرة للغاية في تسعير النفط.
وقالت فاندانا هاري، مؤسسة شركة «فاندا إنسايتس» (Vanda Insights) الاستشارية في سنغافورة، في مقابلة مع «تلفزيون بلومبرغ»: «وزير الطاقة السعودي في وضع صعب، بعد أن كرّر التحذير للبائعين على المكشوف». وأضافت أن المضاربين سيتبعون إشارات السوق، وإذا أظهر الاقتصاد العالمي علامات ضعف فـ»سيعودون على الفور».
وقال فيفيك دهار، مدير أبحاث التعدين وسلع الطاقة في «كومنولث بنك أوف أستراليا» (Commonwealth Bank of Australia)، إن السعودية ستمدد على الأرجح تخفيضات الإنتاج في تموز إذا ظلّ سعر خام برنت معلقاً بين 70 دولاراً و75 دولاراً للبرميل. وأضاف أن المملكة قد تزيد الخفض إذا هبطت الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل.
وكتب المحللان حليمة كروفت وكريستوفر لوني في مذكرة، أنه في حين سيركز البعض على عدم تَصرُّف السعودية بالتنسيق مع بقية أعضاء «أوبك+»، فإن حقيقة أن المملكة مستعدة لتحمُّل القيود وحدها تزيد مصداقية الخفض وتشير إلى خروج براميل فعلية من السوق. وأضافا أن لدى الرياض سجلاً حافلاً في تنفيذ التخفيضات المادية.
«يمكن اعتبار الخطوة التي اتخذتها السعودية مفاجِئة، لا سيما وأن أحدث تغيير في الحصص لم يدخل حيز التنفيذ إلا منذ شهر. يبدو الآن أن سوق النفط ستكون أكثر شحّاً في النصف الثاني من العام»، حسب ما كتبه المحللان برايان مارتن ودانييل هاينز في مذكرة.